بقلم: مركز السياسة العالمية – مقتدر خان
الشرق اليوم- بدأت الانتخابات الأمريكية تتحول إلى ساحة معركة تتأثر بصراعات خارجية بعيدة، إذ يهتم المهاجرون بالمصالح السياسية للبلدان التي تركوها أكثر من الحاجات السياسية في البلد الذي استقروا فيه، وهذه النزعة قد تفكك التحالفات المحتملة بين المهاجرين والجماعات التقدمية، حتى أنها قد تدفع المستقلين نحو معسكر اليمين لدعم شعار “أمريكا أولاً”، وإذا حاول المهاجرون التأثير في السياسة الأمريكية بما يفيد بلداناً بعيدة جداً، فلا مفر من أن تتوسع المشاعر المعادية لهم وأن تطغى مظاهر القومية العرقية وكره المهاجرين على السياسة الأمريكية.
تتّضح تداعيات الصراعات الخارجية على النتائج الانتخابية بأفضل طريقة في السباق الحاصل في منطقة الكونغرس رقم 22 في تكساس، حيث تعكس هذه الدائرة الانتخابية المخاطر السياسية للمقاربات المبنية على التحالفات الكبرى والمتنوعة، علماً أن هذا التوجه قد يصبح المعيار الجديد، وقد تكون الانتخابات أمريكية على طبيعتها، لكنّ جزءاً من المسائل والنقاشات السياسية التي تحرك الناخبين خارجي، ونتيجةً لذلك يجد المرشحون التقدميون صعوبة في الحفاظ على تحالفاتهم بشكلها الأصلي.
تتنوع الانتماءات العرقية في منطقة الكونغرس رقم 22 في تكساس، وتشمل هذه الدائرة مئات الجنسيات، فمن الناحية العرقية تتألف المنطقة من 38% من البيض، و27% من اللاتينيين، و19% من الأمريكيين الآسيويين، و14% من السود، و2% من المنتمين إلى أعراق متعددة، ويكون شخص واحد من كل أربعة هناك مولوداً في الخارج، لكن رغم هذا التنوع تبقى المنطقة معقلاً للحزب الجمهوري لأن الأقليات العرقية والمهاجرين بقوا مهمشين سياسياً، وخلال الانتخابات الرئاسية السابقة، تفوّق مرشحو الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس بفارق 10%، وبحسب معطيات “مؤشر كوك للناخبين الحزبيين”، يجب أن تجتاح موجة ديمقراطية قوية هذه المنطقة كي تتغير التوجهات الطاغية فيها، وبالتالي يُفترض ألا يجد مرشح الحزب الجمهوري وعمدة مقاطعة “فورت بيند”، تروي نيلز، صعوبة في شق طريقه نحو الكونغرس في شهر نوفمبر المقبل، إذا حافظت هذه الدائرة على توجهاتها.
يتمدد الصراع من مكان إلى آخر حين يتجاوز حدود الوطن الأم، ويتّضح هذا الوضع اليوم في تداعيات التوتر القائم بين الهند وباكستان على السياسات الانتخابية في جنوب هيوستن، ويؤيد عدد كبير من الأميركيين الهنود الرئيس دونالد ترامب والمرشحين الجمهوريين المحليين، لا سيما غداة تجوّل ترامب ورئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، في هيوستن أمام آلاف الأمريكيين من أصل هندي في 2019، وهذا ما يثبت شعبية الزعيمَين وسط الشتات الهندي، وفي المقابل يدعم بعض الأمريكيين الهنود ومعظم الأمريكيين الباكستانيين المعسكر الديمقراطي اليساري ويؤيدون نائب الرئيس السابق، جو بايدن.
لا تقتصر ظاهرة تمدد الصراعات على جنوب هيوستن، فحين أعلنت حملة بايدن أن أميت جاني المؤيد لناريندرا مودي هو المسؤول الذي سيتولى التواصل مع الأمريكيين المسلمين، أحدث الخبر ضجة كبرى في أوساط هذه الجماعة، ثم استُبدِل بفاروق ميثا، الناشط المسلم المعروف، وفي ملف الحقوق الفلسطينية، اضطر بايدن الفخور بالتزامه القوي تجاه إسرائيل لتعديل مقاربته للحفاظ على تأييد الأمريكيين العرب والفلسطينيين، فهو يتلاعب بالأمريكيين الهنود والباكستانيين أيضاً، ومن حسن حظ بايدن أن جزءا كبيرا من هؤلاء الناخبين يكرهون ترامب، لذا يحتفظ المرشّح الديمقراطي بدعمهم رغم اختلافاتهم.
تحتاج الولايات المتحدة إلى قادة بارعين وحُكم رشيد لإعادة بناء نفسها والتعافي من الفوضى التي تواجهها في الوقت الراهن، وإذا تحددت نتائج الانتخابات الأمريكية بناءً على معايير مثل اختيار الطرف الذي يفيد الهند أو الهنود المسلمين أو الفلسطينيين أو إسرائيل، فمن سيهتم بمصير الولايات المتحدة؟
لا شك أن المرشح الديمقراطي الأمريكي الهندي لمنطقة الكونغرس رقم 22 في تكساس، سري بريستون كولكارني، سيعمل لمصلحة الولايات المتحدة، فهو تقدمي ويحترم العلوم وحكم القانون ويفهم مشاكل الأقليات، لكن إذا كان يتعاطف مع إيديولوجيا القومية الهندوسية، فقد يصوّت في الكونغرس بطرقٍ تسيء إلى المسلمين في الهند.
يظن عدد من الخبراء أن تنامي نفوذ ترامب والنزعة القومية البيضاء ينجم عن هلع البيض من تهديدات الليبرالية وحركة توافد المهاجرين واحتمال أن تنسف هيمنة المسيحيين البيض على الهوية والثقافة والسياسة الأمريكية، ويخشى الكثيرون أن تتلاشى الولايات المتحدة التي يعرفونها، وإذا وضع المهاجرون مصالح بلدان أخرى فوق المصلحة الأمريكية في الانتخابات المحورية المقبلة، فمن المنطقي أن يقف كل من يهتم بالولايات المتحدة أكثر من البلدان الخارجية وراء ترامب وفكره الإيديولوجي.
من المعروف أن سياسات الهوية في معسكر اليسار تزيد قوة اليمينيين، وفي ظل التوجهات السياسية القائمة في أوساط الأمريكيين الهنود، حتى سكان هيوستن التقدميون قد يفكرون باختيار المرشّح الذي يرفع شعار “أميركا أولاً”!