BY: The Foreign Policy
الشرق اليوم- نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقريرا، بينت فيه لماذا لا يمكن لفيروس كورونا أن يغير العالم من مختلف الجوانب.
وقالت المجلة، في تقرير ترجمته “عربي21″، إن الأوبئة لا تمثل دائما أحداثا قادرة على إحداث تغييرات في العالم. وبينما قد يتسارع نسق تطور بعض الاتجاهات المقلقة الموجودة مسبقا، فإنه من غير المنطقي أن نفترض أن فيروس كورونا سيقضي على العولمة أو الديمقراطية الليبرالية، أو يعزز القوة الناعمة للصين.
وأوردت المجلة أن لا أحد يعرف كيف ستعيد جائحة كوفيد-19 تشكيل النظام العالمي. ففي بعض الأحيان، تكون تقديرات واضعي السياسات خاطئة، ولكن من المفيد هيكلة الفكر السياسي بطريقة تسمح للقادة بالتعلم من أخطائهم ونجاحاتهم على حد سواء.
لا يزال فيروس كورونا حديثا، ولا يزال العلماء يحاولون فهم بيولوجيته وانتشاره الوبائي، والأهم من ذلك أن لا أحد يعرف كم من الوقت سيستمر، ولا متى أو بأي شكل قد يعيد الظهور مجددا. كما أنه من غير الواضح ما إذا كانت اللقاحات ضده ستكون فعالة، أو كيف سيقع توزيعها على دول العالم.
وأشارت المجلة إلى أن حدة الاضطرابات الاقتصادية التي خلفها الوباء ومدتها غير معروفين، لكن آثار الوباء على الاقتصاد العالمي قد تستمر لفترة طويلة. من المحتمل أن يكون للكساد العميق آثار سياسية كبيرة، لكن التوقعات المقدمة بشأن الفترة التي سينتعش فيها الاقتصاد تظل غير دقيقة؛ بسبب اعتماد الاقتصادات على قدرة البشر على السيطرة على الفيروس، التي تعد غير مؤكدة بدورها.
قبل قرن من الزمان، قتلت الإنفلونزا الإسبانية نحو 50 مليون شخص، أي ضعف حصيلة القتلى في الحرب العالمية الأولى. ولا تزال الطفرات الفيروسية لهذا الوباء مستمرة حتى يومنا هذا. لكن معظم المؤرخين ينسبون أهمية التغييرات التي طرأت على البشر في العقود التي تلت ذلك، مثل ظهور الشيوعية والفاشية، للحرب وما بعدها وليس إلى الوباء.
وأضافت المجلة أنه على الرغم من أن الوباء أودى بحياة الملايين، إلا أن آثار الحرب طغت على آثاره. لذلك من الضروري التوقف عن الإيمان ببعض الخرافات التي لا أساس لها من الصحة حول الوباء الحالي.
الخرافة الأولى
تتمثل الخرافة الأولى في الفكرة القائلة إن الأوبئة تشكل دائما نقاط تحول تاريخية. عموما، يميل الناس إلى افتراض أنه من المؤكد أن يكون للأسباب العظمى تأثيرات ضخمة. لكن التغييرات التي أحدثتها الإنفلونزا الإسبانية سنة 1918 في العالم كانت بسيطة للغاية. وعلى نحو مماثل، يُعد كوفيد-19 حدثا مهما للغاية، لكن ذلك لا يكشف عن حجم أو طبيعة آثاره.
وأوضحت المجلة أنه حتى لو كان للوباء تأثيرات كبيرة على الصعيد المحلي، في الولايات المتحدة على سبيل المثال، فلن تؤدي إلى حدوث تغيير جيوسياسي. وحتى إذا أدت التغييرات الاجتماعية التي تسبب فيها الوباء إلى زيادة الاستقطاب السياسي أو الفوضى، فقد يؤثر ذلك على السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للولايات المتحدة، لكنه قد يؤدي أيضا إلى إحداث إصلاحات سياسية محلية دون تغيير السياسة الخارجية على الإطلاق.
الخرافة الثانية
تتمثل الخرافة الثانية في أن كوفيد-19 سيعلن عن نهاية حقبة العولمة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. من الممكن أن تتأثر بعض جوانب العولمة الاقتصادية مثل التجارة، في حين أن بعض الجوانب الأخرى مثل التدفقات المالية قد لا تتأثر كثيرا. ومن المهم التمييز بين العولمة الاقتصادية والعولمة البيئية، فبينما تتأثر العولمة الاقتصادية بقوانين الحكومات، فإن الجوانب البيئية للعولمة، مثل تغير المناخ، تتأثر بصفة أكبر بقوانين الفيزياء.
وذكرت المجلة أن تأثيرات الوباء على العولمة الاجتماعية غير واضحة أيضا. فعلى سبيل المثال، قد يخف نسق الهجرة القانونية في أعقاب الوباء، لكن الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط في منطقة الساحل قد تعتمد على تغير المناخ أكثر من اعتمادها على جائحة كوفيد-19. وحتى مع وجود ضوابط صارمة على الحدود، ستزداد تدفقات المهاجرين غير الشرعيين إذا أصبحت بلدانهم الأصلية غير صالحة للسكن.
في هذه المرحلة، ما يبدو مرجحا هو أن بعض سلاسل التوريد الاقتصادية المرتبطة بالأمن القومي ستتسم بطابع إقليمي أكبر، وقد تدفع المخاوف الأمنية الشركات والحكومات إلى التفكير في تخصيص بعض المخزونات بشكل أكبر لحالات الطوارئ عوض تخصيصها للأوقات المناسبة. ولكن دون الحرب، من غير المرجح أن تؤدي هذه التعديلات الأمنية إلى تعطيل جميع سلاسل التوريد العالمية أو التجارة الدولية. وحتى لو حدث ذلك، فلن تقضي على الترابط البيئي العالمي أو توقف موجة اللاجئين بسبب تغير المناخ في حالة وقوع كارثة طبيعية.
الخرافة الثالثة
تتمثل الخرافة الثالثة في الرأي السائد بشأن إنهاء كوفيد-19 الديمقراطية الليبرالية، وهيمنة نموذج السياسة الاستبدادي القادر على فرض إجراءات صارمة مثل اختبارات الكشف عن الإصابة بالفيروس والحجر الصحي والعزل.
أشارت المجلة إلى أن أداء الدول الديمقراطية، مثل ألمانيا ونيوزيلندا، في الاستجابة للجائحة كان أفضل من الدول ذات الأنظمة الاستبدادية مثل روسيا. ومن بين الدول الديمقراطية، كان أداء الدول التي يقودها قادة براغماتيون، مثل ألمانيا، أفضل من الدول التي يقودها سياسيون ذوو ميول استبدادية مثل البرازيل.
وعلى الرغم من أن الشعبويين غير الليبراليين مثل فيكتور أوربان في المجر استخدموا أزمة الصحة العامة لتعزيز سيطرتهم الاستبدادية، إلا أنهم كانوا ليستخدموا ذريعة أخرى حتى بغياب جائحة فيروس كورونا. ورغم تخوّف خبراء الخصوصية من أن تسرع تطبيقات اقتفاء أثر مخالطي المرضى من ظهور دولة الرقابة، إلا أن تهديدات الخصوصية التي يخشونها بحق كانت موجودة قبل الوباء، وستستمر بعد ذلك. وفي الغالب، قد يزيد الوباء من تفاقم هذا التوجه الموجود بالفعل.
الخرافة الرابعة
وأوردت المجلة أن الخرافة الرابعة تتمثل في أن الوباء عزز قوة الصين الناعمة مقارنة بالولايات المتحدة، وذلك بالنظر إلى نجاح الصين في الاستجابة للجائحة مقارنة بالولايات المتحدة.
لا شك أن رد الفعل الأمريكي غير الكفء للوضع أضر بالفعل بالقوة الناعمة الأمريكية، بيد أن الولايات المتحدة تمكنت من عكس مثل هذه الاتجاهات في الماضي. في المقابل، خلقت بكين عقباتها الخاصة من خلال زيادة حدة الخلافات الإقليمية مع الدول المجاورة، وإصرارها على تطبيق سيطرة الحزب القمعية، ما يمنع إطلاق العنان لمواهب المجتمع المدني الكاملة مثل ما يحدث في الدول الديمقراطية.
وخلصت المجلة إلى أن للحروب وانهيار الديمقراطية في بعض البلدان أو ظهور أي جائحة أكثر خطورة آثارا ساحقة، لكن التاريخ مليء بحسابات السياسة الخاطئة والمفاجآت السياسية.
ترجمة: عربي 21