الرئيسية / مقالات رأي / أيّ مكانة لمؤلفات النساء في عالم تسيطر عليه كتب الرجال

أيّ مكانة لمؤلفات النساء في عالم تسيطر عليه كتب الرجال

بقلم: يمينة حمدي – العرب اللندنية

الشرق اليوم– حققت الكثير من الكاتبات العربيات النجاح واحتلت مؤلفاتهن رفوف المكتبات، لكن بعض الفروق المهمة، التي لا تزال موجودة بينهن وبين أقرانهن من الكتاب، هي سيطرة الرجال على مجالات الكتابة بمختلف أنواعها، وهو ما يجعل الكتابة أشبه بالعالم الذكوري.

ولا يقتصر عدم التوازن بين الكتاب من الجنسين على المؤلفات فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى الشخصيات في الروايات، التي يهيمن عليها الرجال، كما أنه غالبا ما تمنح الجوائز الأدبية إلى الكتاب الرجال.

وهناك قدر من التحدي يواجه الكُتّاب بشكل عام، ويرتبط بواقع مجال النشر الذي أصبح ضيقا أمام الكثيرين، لكن ثمة نوعا خاصا من التحدي تواجهه المرأة في عالم  النشر، وهو جزء من تحد أكبر لإثبات الذات والهوية والدور الاجتماعي.

وبما أن الحال كذلك، فإن القليل من النساء العربيات يبرزن على أغلفة الكتب، وفي المدونات، وفي نوافذ دور النشر، وعلى القوائم القصيرة للجوائز.

وسلطت مجلة فوغ الأميركية التي أطلقت عام 1892 والتي تصدر بلغات عديدة وبالملايين من النسخ الموزعة في العالم كله، في عددها الذي صدر في مايو الماضي الضوء على خمس كاتبات عربيات ترى أنهن أسهمن بحق في إثراء الأدب في فضاءات تتجاوز بكثير حدود العالم العربي.

وقالت المجلة إنها عملت على اختيار خمس كاتبات عربيات ترى أنهن قادرات على حمل قرائها على إثراء “رصيدهم اللغوي” و”تنمية ذكائهم” وعلى الحفاظ على الصحة وخفض نسبة التوتر لديهم وإطلاق ملكة الخلق عندهم.

أما الكاتبات اللواتي احتفت بهن المجلة، فهن غادة السّمّان ونوال السعداوي وآسيا جبار وإنعام كجه جي وسحر خليفة.

وتوجد نماذج أخرى عديدة لأديبات وشاعرات وروائيات أحدثت تجربتهن علامة فارقة في مجالات الكتابة، ووضعن بصماتهن في التاريخ الثقافي والتنويري لمجتمعاتهن.

ويمكن إدراك القوة المتنامية للنساء الكاتبات في العصر الحالي، إضافة إلى قدرتهن على جعل متطلبات النسوة وقضاياهن في صدارة الاهتمامات، لكن في ظل وجود الآلاف من الكتاب الرجال، تضيع مؤلفات النساء في زحمة ما يكتبه الرجال، فضلا عن أنها قد لا تلقى استحسانا لدى معظم النقاد، ما يجعل نصيبهن من الشهرة قليلا، ويؤثر ذلك بشكل كبير على مبيعات كتبهن.

وفي عام 2019 عندما فازت الكاتبة العمانية جوخة الحارثي عن روايتها “سيدات القمر”، بواحدة من كبرى الجوائز التي يتم منحها للروايات الأفضل حول العالم كل عام، وهي جائزة مان بوكر الدولية اعتبر الكثير من النقاد والكتاب أن ذلك التتويج يغير الانطباعات السائدة عما تكتبه المرأة ويدعو إلى الاهتمام أكثر بما تكتبه النساء باللغة العربية.

لكن رغم الحماسة التي رافقت منح الحارثي جائزة بوكر الدولية، وشعور الكاتبات بأن الجوائز الأدبية ستصبح أكثر عدلا من حيث المساواة بين الجنسين، فإن رأي المشككين يثير السؤال من جديد: هل المرأة في العالم العربي كاتبة موهوبة أو مؤلفة حقيقية؟

ويبدو أن الناقد العراقي رضا الأعرجي قد أجاب عن هذا السؤال عندما علق على فوز الحارثي بجائزة المان بوكر بقوله “المرأة المحجبة، لا يمكن أن تبدع في الأدب، شعرا أو قصة أو رواية. هذا رأي الشخصي لا يلزم أحدا، والهدف منه ليس النيل من العمانية جوخة الحارثي الفائزة بجائزة ‘انترناشيونال مان بوكر‘ البريطانية المرموقة. كما لا أعني بذلك أن المرأة السافرة مبدعة بالضرورة”.

وأضاف “لفتني وصف صحيفة الغارديان لرواية ‘سيدات القمر‘ بأنها تقدم ‘لمحة عن ثقافة غير معروفة نسبيا في الغرب‘. ترى هل ما زال الغرب يستثار بعجائب ثقافتنا وغرائبها، ولم تشبعه، مثلا، روايات الطاهر بن جلون وغيره من الروائيين الذين يتملقون مشاعر القارئ الأجنبي! وهل كان لهذه الـ(لمحة) دور في الفوز بالجائزة؟ الحجاب قيد.. والإبداع حرية. وهما خطان متوازيان مهما امتدا لا يلتقيان. يمكن للمرأة المحجبة أن تكتب، لكن من غير المتوقع أن تبدع، لأن من الصعب عليها أن تذهب بعيدا، فتخرج من قيودها وعن ‘ثوابت الأمة‘، وتقفز على تقاليد مجتمعاتها الصارمة”.

وتابع الأعرجي “كثيرون يكتبون لكن لا يبدعون، فالكتابة مهارة أما الإبداع فهو موهبة لا يمتلكها كل من مارس ويمارس الكتابة. ومن الوهم، والأحرى العبث، أن نبحث عن الأخلاق والفضائل في الإبداع. أروع الأعمال كتبها متهتكون وشاربو خمر ومتعاطو مخدرات ومثليون وأصحاب سوابق ومتشردون. لن أستشهد ببودلير أو هنري ميللر أو سيليفيا بلاث أو جان جينيه، فنحن كأمة مشهود لها بالشعر، لدينا أدلتنا الشاخصة ابتداء من امرؤ القيس، مرورا بأبي نؤاس، وصولا إلى الجواهري. بالمناسبة، جواهرينا لم ينطلق، ويمتلك ناصية الإبداع، إلا بعدما رمى عمامته في الكناسة”.

إلا أن الروائية التونسية هند الزيادي ترى أن الجوائز الأدبية ليست مقياسا للجودة، بل تبقى مجرّد معيار نسبيّ، يخضع في بعض الأحيان لاعتبارات أخرى غير الأدب، وبالتّالي فليس غريبا أن تبقى أسماء روائية كبرى خارج دائرة المتوّجين سواء تعلق الأمر بالنساء أو حتى بالرجال، مشيرة إلى أن المعيار الجندري في بعض الجوائز ليس له وزن، لكن هذا لا يعني بالنسبة إليها أن المراة الكاتبة قد تخلّصت من وصمة جنسها وصارت تعامل معاملة متساوية مع زميلها الكاتب، ولذلك فمن الصواب بمكان الاعتراف بوجود كوكتيل من المعوّقات التي تحول أولا دون تميّز الأقلام النسائية، وبالتالي تحول دون تقدّم هذه الأسماء للمنافسة على الجوائز، بدءا من عالم النشر نفسه، ووصولا إلى عملية الإبداع التي لم تكن يوما يسيرة أو هيّنة على المرأة، وخاصة في ظل مجتمعات ما زالت لم تتخلص من عباءتها الذّكورية، وتحمّل المرأة المبدعة أعباء أكثر من طاقتها، وتطالبها بالتميّز في جميع الميادين المحسوبة على جنسها.

واعتبرت الزيادي أن المجتمع الذكوري هو الذي ينتج النّقاد الذين يقصون المرأة الكاتبة، ولا يلقون بالا إلى إبداعاتها مهما كان محتواها عميقا. وعللت رأيها قائلة “صفة الإبداع لا تخلع على المرء، سواء كان رجلا أو امرأة، بل تفتكّ بالكتابة المتواصلة وتطوير القدرات ومصارعة معوّقات الإبداع، وهذا في حد ذاته جائزة أكبر”.

أما الناقد والروائي السوري هيثم حسين فله رأي مختلف، فهو لا يعتقد أنّ هناك تمييزا في التعاطي مع إبداعات الكاتبات وفي التتويج بالجوائز، بل يرى أنّ هناك حضورا دائما لها يتناسب مع نتاجها، بعيدا عن أيّ شعور بالمظلومية، ولا أيّ نوع من أنواع الاضطهاد الذكوريّ المتخيّل، والذي يبدو مستدرجا من معجم النيل من سلطة الرجل التي تخيّم بظلالها عادة في مجتمعاتنا نتيجة ظروف تاريخية واجتماعية متراكمة.

وقال حسين ، “لا أميل إلى الأفكار النمطية والأحكام الجاهزة التي تحرص على إظهار المرأة على أنّها محاربة ومضطّهدة ومظلومة في حلّها وترحالها، وأينما ألقت بنتاجها أو إبداعها، ولا أجد في تكرار الأمر على أنّه تحيل للحقوق أو انتزاع لها من براثن الرجال..”.

وأضاف “الإبداع لا يرتبط بجنس، ولا يقيّد بذكورة أو أنوثة، وهناك حالات كثيرة ينتصر فيها الأدباء للقضايا التي تعتبرها بعض النساء أنّها حكر على المرأة وأنّها تدرك كنهها ويمكنها سبر أغوارها أكثر من الرجال، لكن في الحقيقة القضايا لا تجزأ ولا تصنّف وفق خانة التجنيس، بل تخرج عن القوالب الجاهزة والأحكام المسبقة إلى رحابة الفكر وثراء عالم الأدب الذي لا يمكن فرض حواجز أو قيود عليه بأيّ شكل من الأشكال”.

وشدد على أن التمييز المحتمل في الإقبال على شراء مؤلّفات المرأة أمر لا يمكن التكهّن به أو حسمه، بسبب عدم وجود إحصائيات دقيقة في العالم العربي، مشيرا إلى أن هناك ما يمكن وصفه بـ”التمييز الإيجابي” حيث يفضّل بعض القرّاء اقتناء أعمال الكاتبات، لا من زاوية التلصّص على حيواتهنّ أو خبايا نفوسهن التي يمكن أن تظهّر أو تمرّر في مقاطع أو مشاهد في كتابها، بل من جهة اكتشاف عوالمها التي يتأمّل أن تكون سحريّة وثريّة وغريبة وجديدة ومختلفة.

وتابع حسين حديثه موضحا “أما بالنسبة للتوظيف في دور النشر، فهو عائد إلى سياسة العمل ورغبة ربّ العمل واستراتيجياته وميزانية دار النشر وغير ذلك من التفاصيل، وأعرف عددا من الموظّفات؛ سواء كاتبات أو محرّرات أو صحافيات أو إداريات، في مواقع قيادية إدارية في دور نشر عربية مرموقة.. كما أعرف دور نشر تُدار من قبل مدير الدار فقط، فهو الذي يؤدّي جميع الأعمال، ويشرك معه بعض الموظّفين فقط أثناء المشاركة في المعارض”.

ويرى أن الجوائز “المرموقة” قليلة في العالم العربي وتكاد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وأمّا الجودة فأمر مختلف عن المحاصصة، فلا يمكن الحديث عن حصّة ثابتة للمرأة في أيّ جائزة فقط لأنّها يجب أن تكون لصالح نتاجها، بغضّ النظر عن مستواه أو جودته، لأنّ من شأن هذا أن يكبّل عمل الجوائز ويقيّد مرونتها ويرغمها على تخصيص حصص بناء على الجنس واللون والجنسية والجغرافيا وغير ذلك من التفاصيل التي قد تنسف أيّ جائزة من أساسها.

وأكد حسين أن هناك عدّة عوامل تحكم عمل لجان الجوائز، منها الذائقة الشخصية والمعايير التي يتّفق عليها أعضاء لجان التحكيم أو يتفاهمون على خطوطها العريضة، بحيث تتقاطع آراؤهم في أعمال معيّنة ومن ثمّ يبدأ بعدها التحديد وتقليص العدد إلى حين الاتّفاق على لائحة نهائية، وعلى مرشّح فائز، ولا يفترض أن يكون الأمر بالإجماع، بل تكفي النسبة الغالبة هنا لتتويج عمل، من دون أن يعني ذلك انتقاصا من قيمة أعمال أخرى بأيّ شكل من الأشكال.

ومن جانبها اعتبرت الأديبة السودانية آن الصافي أن الكاتبات العربيات يحصلن اليوم على التقدير الذي يستحققنه في مجتمعاتهن، وليس من المستغرب أن يترافق نجاحهن مع سيل من الانتقادات، لكن لا يجب أن تعيق هذه الانتقادات حق المرأة في التعبير عن ذاتها، سواء أكان شفهيا أو كتابيا.

وقالت الصافي لـ”العرب”، “لم ألحظ في دور النشر أن الكاتبات يتم معاملتهن بطرق مختلفة عن الكتاب، كما أن الكثير من الكاتبات يحصلن  على نصيب جيد من الجوائز”.

وأضافت “ربما تعود قلة تواجد الكاتبات على رأس اللجان المشرفة على الجوائز، إلى الجهة المنظمة، فعادة هناك تمثيل قليل بالمقارنة مع عدد المشاركين من الرجال ويحتاج الأمر إلى ضم عدد متكافئ، ولا أعتقد أن هناك عذرا في أن عدد المؤهلات لهكذا أعمال إدارية أو تقنية أقل من الرجال، بالعكس فبالنظر لخارطة البلاد العربية توجد أسماء مشرفة كثيرة لفتيات وسيدات فاعلات في الحقل الأدبي والثقافي والفني، سواء كاتبات أو أكاديميات”.

وأكدت الصافي في خاتمة حديثها على ضرورة أن تكون جودة المؤلفات المقدمة، معتمدة على عقلية وملكة الكاتب ومهارته لا جنسه، داعية الجهات المشرفة على الجوائز إلى التعامل بموضوعية وتهيئة الفرص المتكافئة، لتكون المنافسة نقية والمعاييرعلمية وشفيفة، مما يكسب الجوائز المصداقية.

لكن التحديات التي تواجهها الكاتبات لا تقتصر على المجتمعات العربية، حتى أن ج. ك. رولنغ، أكثر الكاتبات البريطانيات نجاحا استخدمت اسما لا يشير إلى جنسها كي تتأكد أن كتابها هاري بوتر سيعجب القرّاء الصبيان أيضا، كما استخدمت لاحقا اسما اخترعته، وهو روبرت غالبريث لكي تكتب روايات خيالية عن جرائم.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …