بقلم: د. ليث شبر – ناس نيوز
الشرق اليوم- في بداية الثورة التي خرج فيها الشباب لم تكن غايتهم تغيير الحكومة بل خرجت الجماهير الغاضبة على فساد الأحزاب الحاكمة كلها دون استثناء ولأول مرة في تاريخ العراق بعد 2003 تخرج مظاهرات غير مسيسة أو يقودها تيار سياسي سواء أكان دينيا أو علمانيا؛ صدريا أو شيوعيا ولذلك كانت شعارات الثورة في أول يوم شلع قلع والكالهه وياهم.
أيضا خرج الشعب الغاضب بسبب الفشل والفساد بحيث أوصلهم هذا النظام السياسي منذ 2003 إلى شعور كبير بالفراغ وفقدان الثقة مما جعلهم يشعرون بأنهم بلا وطن لذلك رفعوا شعار #نريد_وطن..
الأمر الآخر هو الإحساس العميق بأن الوطن مسلوب الإرادة وأن هذه الأحزاب على مختلف توجهاتها كانت تمثل أجندات خارجية أكثرها إمعانا هي الأجندة الإيرانية في وقت اندلاع الثورة إذ أصبح النفوذ الإيراني متغلغلا في كل مفاصل القرار وممسكا بتلابيب المجتمع والحريات والديمقراطية وتشكيل الحكومة وتعيين الوزراء والفيتو على الشخصيات الوطنية وأصبح رئيس الحكومة خرقة أو قرقوزا بأيدي سليماني.
لكل ماجاء أعلاه فضلا عن الاضطهاد وانعدام الخدمات وانبتات عرى العلاقة تماما بين القوى السياسية الحاكمة وجيل مابعد 2003 والوعود الكاذبة المكررة التي كانت تطلق في كل انتخابات وكشف زيف مخاوف الطائفية ومظلومية الشيعة وعودة البعث للحكم والشعارات الزائفة الأخرى التي رفعتها أحزاب معارضة لندن..
كل هذه الإرهاصات وغيرها فجرت الغضب الشعبي العارم وليس كما يتخيل بعض المأزومين بأن هناك أيادي خفية هي من صنعت هذه المظاهرات والاحتجاجات وإن مؤامرة أمريكية هي التي دفعت الأموال وحركت الثوار للخروج بهذه الجموع الغفيرة وبلا شك كانت هذه الأكاذيب والتخرصات مقدمة ضرورية لتنفيذ الجريمة الكبرى لقتل الثوار وقنصهم واغتيالهم وخطفهم واعتقالهم وتعذيبهم وتصويرهم بأوضاع مخلة وكتابة التعهدات وهنا تجدر الإشارة بضرورة توثيق كل أحداث الثورة لتكون شاهدا للتاريخ..
قدمت الثورة تضحيات عظيمة وقصصا بطولية واستمرارية زخم متصاعد وتحديا لا يصدقه العقل مقابل كل الجبروت والقتل والتشويه الذي مارسته المليشيات الحكومية والولائية بوسائل شيطانية ولا أخلاقية لاتمت للإنسانية والدين بصلة مما أفقد الحكومة شرعيتها بعد أن أثبتت للعالم مرة بعد أخرى بأنها أداة طيعة لأوامر سليماني وجلاوزته من قادة المليشيات ولذلك رفع المتظاهرون مطالبهم بإسقاط الحكومة ومحاكمة قتلة الثوار فضلا عن المطالب السابقة التي رفعتها الجماهير وأجبرتها القوى الشعبية على الاستقالة بانتظار محاكمتها لاحقا.
هذه هي الملامح الرئيسية لثورة تشرين 2019 إنها ثورة مطالب حقة ساندتها وناصرتها كل الاتحادات والنقابات والمرجعيات وكل الشعب من شماله إلى جنوبه بل تعدى ذلك الى تفاعل شعبي عالمي في كل أصقاع الأرض لأنها ثورة شعب حقيقية ولأنها قدمت صور مشرقة من التضحية والفداء والإيثار مايجعل كل القوى الشريفة تقف بإجلال واحترام وفخر أمامها..
لقد حققت الثورة على مدى سنة كاملة قسما من مطالبها فهي قد أجبرت الحكومة على الاستقالة وهذا يحدث لأول مرة في عراق مابعد 2003 واختيار حكومة ليبرالية كما أنها أجبرتها على إطلاق التعيينات وأجبرت البرلمان على سن قانون جديد للانتخابات وتغيير المفوضية وتفعيل مجلس الخدمة الاتحادي وتقديم بعض الفاسدين للمحاكمة والأهم من هذا وذاك أنها أفرزت المعسكر العراقي الوطني عمن يريد اختطاف الوطن من المعسكر الأعجمي..
ولكن كل هذا الانجاز يتوقف أمام عقبة كبيرة كأداء وهي المليشيات الولائية التي اختطفت الدولة والأحزاب الفاسدة التي سرقت الشعب فهي مازالت تمسك بتلابيب الحاضر العراقي تهدد سلمه الأهلي وتقتل الوطنيين وتختطف الناشطين وترفع سلاحها المنفلت بوجه كل من يقف أمام مشروعها لأيرنة العراق وجعله باحة خلفية لصراعات النظام الإيراني ورمي المخلفات وغسيل الأموال وتنفيذ الأجندات ومن جهة أخرى فإن أحزاب الفشل والفساد تنشط من جديد لإنتاج نفسها بحلة ثورية وشبابية لتركب موجة المطالب والإصلاحات لذلك مافتئت هذه القوى السياسية الحاكمة تدافع عن مطالب الثورة بالمكر والخداع سواء مباشرة ببيانات مكتوبة أو من خلال دعم أجنحة شبابية قريبة منها لتشكيل كيانات سياسية ترفع شعارات الثورة لسحب البساط من أي قوة وطنية حقيقية وتشتيت الأنظار وتضخيم فقدان الثقة بالواقع السياسي لأن ذلك يخدمها ويتيح لها القدرة على التفريخ..
ولذلك ونحن في هذه المرحلة التاريخية المصيرية تشرين 20 علينا أن نحفز الثوار ومناصريهم وكل من يحمل الهم العراقي ويرغب في تغيير هذا النظام والقضاء على منظومته الولائية والسياسية الحاكمة الفاسدة أن ينتقل بتفكيره إلى مرحلة جديدة للثورة مرحلة تختلف تماما في منهجها وتطلعاتها عن مرحلة المطالب والتضحيات العظيمة مرحلة ذكية تعمل على تحويل هذه المطالب والتضحيات الى مشروع وطني منظم..
إن #مشروعالثورةالوطني هو الذي سيحقق كل المطالب لثورة الشعب وهو الذي سيحمل في طياته برنامجا وطنيا حقيقيا ركناه الرئيسيان مشروع المواطنة ومشروع تشرين وهو لا غيره القادر على تغيير واقعنا المأساوي المتخلف الى مستقبل مشرق متقدم ولايمكن لهذا المشروع أن ينجح من دون توحيد الجهود الوطنية جميعها والتغاضي عن الخلافات كلها فالانتصار في المعركة لن يتحقق من دون ذلك ولا نفع للندم من بعد ذلك والعراق من وراء القصد