بقلم: علي الصراف – العرب اللندنية
الشرق اليوم- هب جدلا أن المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية جو بايدن هو الذي فاز بالبيت الأبيض. فما الذي يمكن لذلك أن يعنيه بالنسبة لإيران؟
الوهم المجرد هو ما يدفع طهران إلى أن تضع أملها على هزيمة دونالد ترامب. ربما لأنها تعتقد أن “الإدارة الأميركية” مثل “الإدارة الخمينية” يقودها مرشد أعلى، يتحكم بكل شيء، ويقود غلمانا.
الرئيس الأميركي، من دون أدنى شك، يمتلك صلاحيات إدارية واسعة. إلا أنه مقيد إلى أبعد الحدود أيضا.
القيود تبدأ من مستشاريه أولا. فهؤلاء غالبا ما يكونون من أهل الخبرة، الذين يقدمون للرئيس آراء مفعمة بالحساب والتدقيق. وهناك بينهم من يمكن أن يعارض الرئيس، ويجرؤ على تقديم رأي مختلف. ويتعين على الرئيس، رغم أنه صاحب القرار الأخير، أن يتمعن في آراء مستشاريه، ويسند قراره إلى مبررات جديرة بالاعتبار.
وهناك الكونغرس. التشريعات والقوانين يتم إعدادها وإقرارها هناك، وليس في البيت الأبيض. والنافذ منها يظل نافذا ما لم يتم طرح بديل عنه. وهناك سلسلة طويلة من الإجراءات التي يتعين الأخذ بها قبل أن يتم تغيير أي قانون.
وهناك “الدولة العميقة”، وهي جيش جرار من المدنيين والعسكريين الذين يشكلون قوة تأثير كبرى في صنع القرار وتوفير أدوات تنفيذه.
كما أن هناك الصحافة ومؤسسات التفكير التي تضم مراكز أبحاث مؤثرة، وهي سلطة رابعة، لعرض المخاطر وبناء الاستراتيجيات وتفحصها والتدقيق في عواقبها. حتى أنها تلعب دورا كبيرا في صناعة القرار، أو حتى زراعة بذوره الأولى.
وهناك أيضا حلفاء واشنطن، في الأطلسي وأوروبا والمنطقة، وهؤلاء قوة تأثير هائلة أيضا. صوتهم مسموع، ولا يمكن القفز من فوق مشاغلهم وحساباتهم.
أين يمكن لإيران أن تضع اتفاقها النووي حيال البنية المؤسسية لصنع القرار في الولايات المتحدة؟
واشنطن خرجت من الاتفاق النووي لأسباب. هذا أمر أصبح منتهيا أصلا. وإذا شاء جو بايدن أن يعود إليه، فإنه مُلزم بالنظر في الأسباب.
هذه الأسباب تكتسب قوة من نفسها ولا يمكن شطبها. ولقد تراكمت مفاعيلها إلى درجة أنه لم يعد بالإمكان التغاضي عنها وعن العواقب التي نجمت عنها.
إيران التي تتحكم بمصير العراق ولبنان واليمن وسوريا عن طريق ميليشيات فساد وجرائم وتخريب، دفعت هذه الميليشيات لتكون أداة تهديد مباشر للمصالح الأميركية.
هذا الأمر يوفر دافعا قويا، بل قاهرا، يُجبر أي إدارة أميركية على النظر في “الدور المزعزع للاستقرار” الذي تقوم به إيران في المنطقة. وهو ما لم يلحظه الاتفاق النووي بنسخة عام 2015.
وفي الواقع فقد وفرت تلك النسخة، هي بحد ذاتها، المجال لكي تلعب إيران دورها التخريبي في المنطقة، بكل ما تمت وراثته من عواقب، ليس على المستويين السياسي والاستراتيجي وحدهما، وإنما على المستوى الإنساني أيضا.
الصواريخ الباليستية الإيرانية أثبتت أنها تهديد للأمن والاستقرار الإقليميين، بكل ما يعنيه ذلك من تهديدات لأمن الملاحة في الخليج العربي وإمدادات النفط إلى العالم. وهذا مما لم يعد بالإمكان تجاوزه.
وبالهجوم على منشآت أرامكو في السعودية، قدمت إيران دليلا على طبيعتين متلازمتين: الجرأة على ارتكاب الجريمة، والتنكر لها على نحو جبان. وهو أمر لا يستطيع أي رئيس أميركي، ولا أي زعيم في العالم، أن يتجاهله، فقط من أجل أن يعود إلى اتفاق نووي ثبت أنه ناقص وعاجز.
ولقد اهتبلت إيران كل الفرص، هي بنفسها، لكي تبرهن أن الاتفاق النووي الذي وقعته مع إدارة الرئيس أوباما عام 2015، لم يعد قائما. فقد خرقته وخرقت التزاماتها فيه مرة بعد مرة.
فهل يمكن للرئيس بايدن أن يتجاهل كل هذه الاعتبارات أو أن يشطب كل القوانين والتشريعات ويلغي العقوبات على إيران هكذا بجرة قلم؟ ومن أجل ماذا؟ أحبا في عمى عين الولي الفقيه، أم إيمانا بقدراته الخارقة؟
وفي الواقع، فثمة ما يبرر الاعتقاد بأن الرئيس ترامب، بارتجاليته، وتقلباته، ومزاجيته، يمكن أن يكون أكثر فائدة لإيران من منافسه. إذ لم يمض وقت طويل قبل أن يقول إن إيران تريد أن تتحاور معه، وإنه طلب التأجيل، وإنه سيجعل من إيران أغنى بلد في العالم.
يمكن للمرء أن يكون غبيا. هذا من حق كل مسؤول إيراني. ولكن ليس إلى الحد الذي يرهن نظام الولي الفقيه مصيره ومصير 80 مليونا من مواطنيه على أوهام لا مكان لها من الإعراب، ولا تتوفر لها أدنى فرصة.
لقد كشفت إيران للعالم، وللمنطقة، ولشعبها نفسه، أنها نظام تهديد وتخريب. وهي لم تضع قدمها في مكان إلا وكان سفك الدماء والفساد هما الشيء الوحيد التالي.
وهذا أمر يتعلق بطبيعة نظامها بالذات. وهو ليس شيئا عابرا أو وقع عن طريق الخطأ أو بالصدفة.
العدوانية حيال الآخرين، والسعي لفرض الهيمنة، والهمجية الميليشياوية، والتمزيق الطائفي، ومناهج التطرف المذهبي المتوحشة، هي إيران اليوم. وهي إيران الخميني. إنها كيان ليس بدولة أصلا. وهي لا تحترم قيما، ولا معايير أخلاقية أو دينية أو قانونية، بل إنها مجرد منظمة رعاع، همج، يغلّفون جرائمهم بمعتقدات خرافية لا علاقة لها بأي دين، ويريدون التوسع على أساسها.
إذا كانت هناك عقوبات، فسببها هو هذا. وما من رئيس سيأتي إلى البيت الأبيض إلا ويكون ملزما في النظر إلى السبب.
هذا الكيان العدواني، بحكم طبيعته، يملك أحد خيارين: إما أن يعقل ويتصرف كدولة، وهذا أقرب إلى المستحيل، وإما أن يبقى محاصرا حتى يسقط، سواء بقي ترامب أو جاء بايدن. ولا أحد فيهما يعتزم أن يقدم خدمات مجانية لإيران، أو أن يغض الطرف عن تهديدات ميليشياتها. وهي تهديدات تتصل مباشرة بأمن أطراف لا يمكن لأي رئيس أن يتخذ قرارا بمعزل عنها.
فإذا كان الرئيس أوباما نجح في خداع نفسه، وخداع العالم، باتفاقه النووي، فجولة الخداع انتهت الآن. ويستطيع الرئيس المقبل أن يرى بنفسه كيف انتهى ذلك الاتفاق إلى كارثة متعددة الأوجه والأبعاد.
وملفات الجرائم الإيرانية الأخرى، كثيرة أيضا، ومنها أعمال الإرهاب التي تشنها خلاياها النائمة ومأجوروها ودبلوماسيوها في مختلف أرجاء العالم. وهذه قضايا لا تزال تنتظر الفصل فيها. وما تم الفصل فيه، من خلال بعض المحاكم، فلا يزال يتعين دفع التعويضات عنه.
العدوانية الإيرانية هي سبب العقوبات. لا شيء آخر. وعندما تزول الأولى، تزول الثانية.
والعدوانية هي نظام الجمهورية الخمينية، وهي هويته وطبيعته التي لا يملك طبيعة سواها، الأمر الذي يجعل من إسقاطه طريقا ذا ممر واحد، لا يملك أي رئيس أميركي أن يسلك سواه.