بقلم: أمجد نجيب – ريل كلير
الشرق اليوم- في مكان قريب من نقطة التقاء النيل الأزرق بالسودان، تبني إثيوبيا سد النهضة الإثيوبي الكبير، وتأمل أن يسهم هذا المشروع الضخم في إنهاء عقود طويلة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لكن بدأت إثيوبيا تملأ السد بشكلٍ أحادي الجانب ومن دون الاتفاق مع مصر والسودان حول طريقة تقليص مخاطر المشروع في البلدَين، لهذا السبب يجب أن تضمن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ألا تنعكس جهود إعادة إحياء إثيوبيا على حياة الناس ومعيشتهم.
تريد مصر والسودان عقد اتفاق مُلزِم ووضع آلية تنسيق لتحديد كمية المياه المحفوظة على المدى الطويل، لا سيما في فترات الجفاف، وتستطيع إثيوبيا بهذه الطريقة أن تنتج الكمية التي تريدها من الطاقة، لكن من دون التأثير على مستويات المياه في دول المصبّ. إنه طلب بسيط!
لكن رغم المشاركة في مفاوضات غير مثمرة طوال سنوات، تبنّت إثيوبيا موقفاً يدعو الأطراف الأخرى إلى الوثوق بها، وبدل عقد اتفاق واضح، أصرّت إثيوبيا على اقتراح «توجيهات» معينة، وبدل وضع آلية تنسيق، تريد إثيوبيا أن تبلغ البلدان الأخرى سنوياً بخططها حول طريقة تشغيل السد بكل بساطة.
عندما دعت الولايات المتحدة الأطراف المعنية إلى توقيع اتفاق في وقتٍ سابق من هذه السنة، أعاقت أديس أبابا المحادثات وادّعت أن واشنطن (أقوى حليفة لإثيوبيا) تتصرف وكأنها قوة استعمارية.
اليوم، تتابع إثيوبيا إعاقة المحادثات، وفي حين تملأ مخزون سد النهضة بشكلٍ أحادي الجانب، فإنها هي تريد فرض أمرٍ واقع وهو أن ينشغل العالم بمشاكله الأخرى.
لحسن الحظ، اتخذت الولايات المتحدة أخيراً بعض الخطوات الملموسة للضغط على إثيوبيا وحثها على التفاوض بحسن نية، بدءاً بتعليق مساعدات بقيمة 100 مليون دولار، وهي بداية جيدة، لكن يُفترض أن تستمر ضغوط الأميركيين والمجتمع الدولي، وكي لا يتحول سد النهضة الإثيوبي الكبير يوماً إلى سلاح يُستعمل ضد مصر أو السودان، فلا بد من الاتفاق على آلية للتحقق من الوضع بموجب القانون الدولي، ولن يكون عامل الثقة كافياً في هذا المجال.
لكن ما دول المصبّ التي يُفترض أن تثق بإثيوبيا أصلاً؟ خلال السنة الماضية عادت الاضطرابات العرقية في إثيوبيا إلى الواجهة مجدداً، مما أدى إلى انتشار ملايين اللاجئين داخلياً، حتى أن إثيوبيا قد تتجه إلى خوض صراع عرقي خطير، ومن يستطيع أن يضمن عدم تحوّل سد النهضة إلى رهينة في أي حرب أهلية محتملة؟ وهل يجب أن تشعر القاهرة بالهلع في كل مرة تشهد فيها أديس أبابا انتخابات محتدمة أو أزمة من أي نوع؟
أخيراً، يجب ألا يتوقع أحد أن يتقبل أي بلد ربط وجوده بنزوات بلد آخر، لا سيما مصر التي تتكل على مصدر واحد للمياه، فحين نشر الاتحاد السوفياتي أسلحة نووية في كوبا، كادت الولايات المتحدة تأخذ العالم إلى الحرب. يمكن اعتبار سد النهضة الإثيوبي الكبير مرادفاً لتلك الصواريخ في هذه الحالة.
لهذا السبب، لا يمكن ربط مستويات المياه في سد النهضة بعامل الثقة وحده، بل يبقى الاتفاق المُلزِم والمتعارف عليه دولياً الطريقة الوحيدة لحل هذه الأزمة بما يخدم مصالح الجميع.
لا داعي لتأجيج الخلاف بين إثيوبيا ومصر بسبب هذه المسألة أو أي مواضيع أخرى، إذ يرتبط البلدان بعلاقات تجارية منذ آلاف السنين، ويتقاسمان إرثاً دينياً مشتركاً، ولطالما تعاونا لإنهاء الاستعمار، ولهذا السبب أيضاً رفضت مصر إجراء محادثات حول حل عسكري والتزمت بالمفاوضات وتواصلت مع الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجهات أخرى، حتى أنها أبدت استعدادها للوثوق بإثيوبيا.
لكن بعدما أصبحت حياة ومعيشة ملايين المصريين والسودانيين على المحك، ثمة حاجة إلى التحقق من الوضع القائم مقابل تخفيف مستوى الثقة العمياء.