الشرق اليوم- تصرّ فصائل شيعية عراقية مسلّحة شديدة الارتباط بإيران على مواصلة التحرّش بالمصالح الأجنبية من بعثات دبلوماسية وقوات مشاركة في التحالف الدولي ضدّ داعش وقوافل إمدادها بالمؤن، بينما تؤثر فصائل أخرى التهدئة مخافة تعرّض مقاتليها المنتشرين على نطاق واسع ودون غطاء جوّي في عدد من مناطق العراق لضربات مؤلمة من طيران التحالف بقيادة الولايات المتّحدة، وأيضا مخافة تعرّض كبار قادتها والسياسيين المرتبطين بها إلى عقوبات أميركية شديدة.
وقالت مصادر عراقية إنّ النقاش احتدّ بشكل غير مسبوق خلال الفترة الأخيرة بين دعاة مواصلة استهداف المصالح الأجنبية، والمتخوّفين من تبعاته السياسية والاقتصادية والعسكرية خلال الفترة الحالية شديدة التعقيد بفعل الحالة المالية السيئة للعراق والمعطوفة على أزمة وباء كورونا، وذلك بعد تسرّب أنباء بشأن تهديد الولايات المتّحدة بإغلاق سفارتها في بغداد وسحب بعثتها الدبلوماسية من العراق.
وخرج جانب من ذلك النقاش إلى العلن عندما عبّر سياسيون شيعة من المعروفين بمعاداتهم للولايات المتّحدة عن اعتراضهم على استهداف البعثات الدبلوماسية في البلاد، ومن بين هؤلاء مقتدى الصدر الذي يمتلك ميليشيا مسلحة تحمل اسم سرايا السلام وهادي العامري زعيم ميليشيا بدر.
وأصبح بعض الموالين لإيران في العراق يرون أن إيران تبالغ في استخدام البلد في صراعها ضدّ الولايات المتّحدة دون أدنى مراعاة لمصالحهم والأخطار التي تتربّص بهم جرّاء الغضب الأميركي المحتمل.
أمّا الشقّ المقابل فيرى أنّ تطبيق التكتيك الإيراني القائم على تكثيف الهجمات على القوات والمصالح الأميركية في العراق مناسب في الوقت الحالي معتبرا أن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية يقيّد إدارة الرئيس دونالد ترامب عن القيام بأي عمل عسكري قد تكون له نتائج عكسية على الانتخابات المرتقبة.
وأعلن الجيش العراقي الاثنين استهداف محيط المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد والتي تضمّ المقرّ الضخم للسفارة الأميركية في العراق بهجوم صاروخي دون وقوع ضحايا.
وجاء ذلك وفق بيان خلية الإعلام الأمني، التابعة لوزارة الدفاع، عقب ساعات على إعلان مصدر أمني استهداف مطار بغداد الدولي.
وأفاد البيان بـ”إطلاق صاروخين من طراز كاتيوشا فجر الاثنين على منطقة سكنية باتجاه الجادرية المتاخمة للمنطقة الخضراء”.
وتضم المنطقة الخضراء، شديدة التحصين، مقار الحكومة والبرلمان ومنازل مسؤولين، إضافة إلى مقرات البعثات الدبلوماسية الأجنبية بما فيها السفارة الأميركية التي تتعرض لهجمات صاروخية متكررة، أحدثها وقعت في 22 سبتمبر الماضي.
وفي وقت سابق الاثنين، قال النقيب في الشرطة أحمد خلف، لوكالة الأناضول، إن مجهولين استهدفوا مطار بغداد الدولي بصاروخي كاتيوشا ليلة الأحد الاثنين، وإن الصاروخين سقطا بمحيط المطار ولم يخلفا خسائر مادية أو بشرية. ويضم المطار مقرّا لقوة محدودة من نخبة القوات الأميركية.
وكانت فصائل شيعية مسلحة، بينها كتائب حزب الله العراق قد هددت باستهداف القوات والمصالح الأميركية بالبلاد، في حال لم تنسحب امتثالا لقرار برلماني يقضي بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في العراق.
لكنّ الفصائل الشيعية المسلّحة بما فيها تلك المنضوية ضمن الحشد الشعبي الذي تحوّل بعد مشاركته في الحرب ضد داعش إلى مؤسسة أمنية رسمية خاضعة شكليا للقيادة السياسية العراقية، ليست محصنّة ضدّ الضربات الجوية التي سبق أن جرّبتها في أكثر من مرّة خصوصا وأنها منتشرة على الأرض دون غطاء جوّي.
وتضاربت الأنباء خلال الأيام الثلاثة الماضية حول تعرّض قوّة تابعة للحشد لضربة جوية في محافظة الأنبار غربي العراق.
وتحدّثت وسائل إعلام عراقية وعربية عن تعرض مقاتلي حركة أنصارالله الأوفياء المنضوية ضمن الحشد الشعبي الأحد إلى قصف من طائرة مجهولة قرب الحدود مع سوريا. غير أنّ قيادة الحشد نفت ذلك في بيان لقائد عمليات الأنبار قاسم مصلح قال فيه إنّ “ما نشر في وسائل الإعلام بشأن تعرض القطاعات المرابطة على الحدود العراقية السورية إلى ضربة جوية أميركية عار عن الصحة”.
ويمثّل الربط بين الأراضي العراقية والسورية واللبنانية عبر طريق وهمي تعمل إيران منذ سنوات على فتحه محورا رئيسيا للصراع الأميركي الإيراني حيث تعمل الولايات المتحدة عبر قوّاتها المتواجدة في سوريا والعراق على قطعه. وقامت تلك القوات في يناير الماضي بقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بضربة جوية قرب مطار بغداد كونه المسؤول الحقيقي عن إنشاء ذلك الطريق الوهمي وحمايته باستخدام الميليشيات الشيعية المنتشرة من بغداد إلى بيروت مرورا بدمشق.
ومنذ ذلك الحين ظلّت طهران تتوعّد واشنطن بدفعها إلى سحب قواتها من العراق، وهو الوعيد الذي تحاول ميليشيات شيعية عراقية تنفيذه، متخطّية محاذير الردّ الأميركي الذي تتوقّع مصادر عراقية أنّ يكون شديدا معتبرة أن تنفيذه رهن اختيار الزمان والمكان المناسبين.