الشرق اليوم- تتواتر تقارير عن قلق إيراني من التصعيد في الحرب بين أرمينيا وأذربيجان وتقدم الأخيرة ميدانيا بهدف استعادة إقليم ناغورني قره باغ بدعم تركي عسكري مباشر، وهو ما من شأنه أن يقود إلى مسألتين خطيرتين بالنسبة إلى طهران، الأولى تغذية الشعور بالانفصال لدى ملايين الأذريين الموجودين في إيران، والثانية توسع النفوذ التركي في آسيا الوسطى الغنية بالنفط والغاز، وهو توسع قد يقود إلى محاصرة إيران وإحباط خططها في التحول إلى لاعب رئيسي في المنطقة مستفيدة من تحالف الضرورة مع روسيا.
ورغم أن إيران حرصت على إظهار “الحياد” في الصراع بشأن إقليم ناغورني قره باغ، إلا أن تقارير قالت إن طهران سمحت بمرور أسلحة ومعدات روسية باتجاه أرمينيا. كما لم تخف توافقها مع موسكو بشأن تحميل تركيا مسؤولية التوتر من خلال جلب مرتزقة سوريين إلى الإقليم.
وقالت وزارة الخارجية الروسية إن وزير الخارجية سيرجي لافروف ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف تحدثا هاتفيا، الجمعة، وعبّرا عن القلق لمشاركة مقاتلين سوريين وليبيين في صراع ناغورني قره باغ.
ويعتقد مراقبون أنّ القلق الذي تبديه إيران من الدور التركي في الإقليم يرتبط بشكل أوسع بتزايد نفوذ أنقرة في مناطق تحرك طهران، من ذلك الدور التركي المعطل لتركيز استقرار الأوضاع في سوريا بما أربك خطط إيران في الرهان على انتصار الأسد، فضلا عن دخول تركيا على خط الأزمة في العراق واليمن والبحث عن أدوار مزاحمة في أماكن أخرى خاصة في أفريقيا.
وينظر الإيرانيون للنفوذ التركي في آسيا الوسطى بقلق كبير، خاصة أن أنقرة نجحت في تحريك البعد التاريخي في بناء “عالم تركي” بين جمهوريات إسلامية ناطقة بالتركية وكانت تشكّلت هويتها من خلال هجرات قديمة لقبائل تركية قبل أن يتحول ذلك إلى أرضية للإمبراطورية العثمانية.
وهذا التمدد يأتي في الوقت الذي عجزت فيه إيران عن التمدد بشكل يحقق طموحها الإمبراطوري. ويعزى هذا الفشل إلى صعوبة الترويج للنموذج الديني المتشدد الذي تتبناه وفشلها في محاولة فرضه بالقوة على هويات داخل إيران.
ولا شك أنّ إيران لا تريد مواجهة مع تركيا خاصة بعد تأكد نزعة الصدام والمغامرة التي أظهرها الرئيس رجب طيب أردوغان من خلال التدخل في سوريا والتلويح بالصدام مع روسيا، ما مكّنه من فرض سيطرته على جزء من الأراضي السورية، لكن طهران لا تستطيع أن تغفل الصعود الإقليمي التركي، ولذلك تبحث عن خلق مصاعب أمامه من خلاف تحالفات بعضها مكشوف والآخر مخفيّ.
ورغم أن إيران استقدمت ميليشيات مختلفة من لبنان والعراق إلى سوريا، إلا أنها لم تخلق حالة توازن للقوى على الأرض مع توظيف أردوغان للعبة المرتزقة، فتركيا اليوم لديها أكثر من 20 ألف مرتزق مخضرمين في معارك سوريا وليبيا ومزوّدين بأسلحة وخبراء وتكتيكات هي في الأصل من الناتو.
كما أنّ السلاح التركي أثبت قدراته في ليبيا ونجح في تحييد السلاح الروسي، وخاصة الدّور الفعال للطائرات التركية المسيّرة التي تقف إلى الآن وراء تقدم القوات الأذرية، فضلا عن دورها المحدد في ليبيا، وهو دور يعمل حتى على روسيا في منطقة نفوذها التقليدي في آسيا الوسطى. وهذه كلّها مؤشّرات غير مريحة لإيران التي لا تريد أن تسمح بتفوّق إقليمي لتركيا في منطقة حيوية مثل آسيا الوسطى أو في المنطقة العربية.
ويقول متابعون إن دور إيران في النزاع بين أرمينيا وأذربيجان سيبقى محدودا، وهو أقرب إلى دور المراقب، لكن تأثيرات الحرب قد يطال لظاها إيران أكثر من تركيا أو روسيا بسبب قضية “أذربيجان الإيرانية” ورغبة ملايين الأذريين بالانفصال عن إيران واللحاق بالوطن الأم في أذربيجان.
وفرّقت الشرطة الإيرانية تظاهرات داعمة لأذربيجان في نزاعها ضد أرمينيا حول إقليم ناغورني قره باغ، نُظّمت في شمال غرب إيران حيث توجد أقلية أذرية وازنة، وفق ما أفادت وكالة فارس.
وخرجت التظاهرات الخميس في تبريز، عاصمة محافظة أذربيجان الغربية، وفق ما أفادت الوكالة الإيرانية التي نشرت أشرطة فيديو قصيرة صوّرت على ما يبدو بواسطة هواتف.
وقالت الوكالة إن تبريز شهدت “تجمع نحو 500 شخص نادوا بشعارات لصالح إنهاء احتلال قره باغ”، الإقليم الانفصالي ذي الأغلبية الأرمنية في أذربيجان.
وأضافت وكالة فارس ليل الخميس الجمعة أن “البعض حاولوا تعكير الأجواء بشعارات إثنية (لكن) الشرطة تدخلت لوضع حد” للتجمع.
ونشرت الوكالة شريطي فيديو يظهران عشرات الأشخاص متجمعين في الشارع ينادون “قره باغ” أو “تحيا أذربيجان” باللغة الأذرية.
وتوجد في إيران أقلية أذرية وازنة تتركز أساسا في شمال غرب البلاد وتشير تقديرات إلى أن عدد أفرادها يبلغ 10 ملايين من إجمالي 80 مليون مواطن إيراني.
ويقول خبراء إن مشكلة “أذربيجان الإيرانية” يمكن أن تتحول إلى قنبلة موقوتة في وجه سلطات طهران، وأن انحياز إيران إلى الأرمن في الصراع الحالي يعطيها زخما أقوى يضاف إلى الأزمات الداخلية ، خاصة ما تعلق بالوضع الاجتماعي الصعب، فضلا عن احتقار الأقليات المؤثرة (العرب والأذريين) ومحاولة تذويب هوياتها بالقوة.
ورغم الاشتراك في اعتناق المذهب الشيعي بين إيران وأذربيجان، إلا أن النفوذ “الشيعي” الإيراني محدود جدا وتمت محاربته بجدية، بسبب النموذج الديني المتشدد في إيران مقابل نظام تركي عرقي علماني في أذربيجان.
ويعتقد الأذريون أن إيران حليفة عدوّهم التاريخي أرمينيا لن تكون صديقة لهم حتى لو تودّدت من خلال المذهب، وهو عنصر أقل قيمة من البعد العرقي والانتماء التركي للبلاد.
و”تحالف” إيران مع أرمينيا لديه مبررات اقتصادية من ذلك أن تجارة الكحول الرائجة في إيران تمرّ عبر أرمينيا ويستفيد منها متنفذون في السلطة الإيرانية.
المصدر: العرب اللندنية