بقلم: فاروق يوسف – العرب اللندنية
الشرق اليوم- ما الذي حدث للسوريين؟ سؤال أبله. كان من الصعب أن يعقدوا صلحا مع النظام الحاكم في بلادهم فشروط ذلك النظام من أجل بقائهم كانت صعبة بعد أن ظنوا أن العالم كله يقف معهم في صراعهم المصيري.
بعد سنوات تبين لهم أن المطلوب منهم أن يتحولوا إلى نازحين ولاجئين ومشردين ومنفيين ومهجرين. أما حين انضموا إلى الجيش الوطني الحر فقد كانوا أقرب إلى الأمل مما أصبحوا عليه في ما بعد حين صاروا مجاهدين يقاتلون ضمن فصائل إسلامية لم تكن معنية بمصير سوريا.
لقد قاتل السوريون من أجل قضايا لم يغادروا بيوتهم ولم يتركوا أعمالهم من أجلها. كانوا مرتزقة على أرض بلادهم بعد أن ارتبطوا بتنظيمات هي في حقيقتها شركات أمنية تأتمر بأوامر الجهات التي تمولها.
يومها عرف السوريون الذين خرجوا احتجاجا من أجل الحرية أنهم صاروا يبتعدون عن الهدف. كانوا حطبا لحرب، الهدف منها تدمير بلادهم. هدف تحقق غير أن الأسوأ يكمن في أن الإنسان السوري لم يجد أمامه خيارا سوى الاستسلام لضياعه.
وإذا ما كانت أبواب الضياع قد انفتحت على فرص فردية فقد كانت درجات النجاة تتفاوت بين شخص وآخر. فمَن لفظه البحر حيا على جزيرة يتذكر رفاق رحلته الذين صاروا طعاما للأسماك ومَن وصل أوروبا لاجئا يعرف أنه نجا من مصير معتم كان في انتظاره لو أنه نُسي مثل بضاعة مهملة في تركيا.
وهناك مَن تقطعت بهم السبل. لا هم في بلادهم ولا هم في المنفى.
ولكن ما ابتكره الرئيس التركي أردوغان من حل هو الأكثر قسوة. لقد أخذهم إلى حروبه وصاروا يقاتلون عدوا لم تجمعهم به خصومة على أرض يجهلون جغرافيتها. إنهم مجرد أعداد جُهزت لتملأ فراغا.
لقد صنف المجتمع الدولي أردوغان باعتباره متعهد حفلة قتل في ليبيا من غير أن يسميه حين أصدر مجلس الأمن الدولي قراره بضرورة أن يتم سحب المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية.
وكان من المفترض أن تُناقش مسألة الاتجار بالبشر من خلال الزج بهم في الحروب باعتبارها جريمة ضد الإنسانية. ذلك لم يحصل فالسوريون كما يبدو هم من وجهة نظر المجتمع الدولي بشر فائضون لا يتم الدفاع عن إنسانيتهم بالطرق القانونية.
فهم في خضم ما تعيشه بلادهم من فوضى لا يمتلكون دولة يستغيثون بها فتنجدهم باعتبارهم رعاياها. وهم بعد أن صاروا مادة في مزاد عالمي أقامه أردوغان في ظل صمت عالمي فقدوا قدرتهم على التأثير.
أغلقت أوروبا حدودها وقد تكون محقة في ذلك فيما العودة إلى بلادهم صارت أشبه بالحلم ولم تكن تركيا مستعدة لإيوائهم إلا بشروط لا تفرضها إلا دولة تمرست بامتهان الجريمة والإرهاب.
وحين لعبت تركيا دورا في إدامة الحرب السورية فإنها استطاعت أن تجند الآلاف من السوريين في فصائل مقاتلة، تقوم بالإشراف على تدريبها وتزويدها بالسلاح ومن ثم توزيعها على مناطق القتال. مقابل ذلك الجهد كانت تركيا تقبض أموالا هائلة استطاع أردوغان من خلالها أن يقيم شركات كبرى يديرها أفراد عائلته وأقرباؤه.
في ليبيا لم يستفز تدخله هناك أحدا في تركيا ذلك لأنه استعمل السوريين مرتزقة وهم الذين يتم قتلهم ولا أحد يسأل عنهم ولا أحد يعرف أين يُدفنون.
كانت حربه الشخصية التي عرف كيف يستثمرها لصالح شركاته ولم يكن ذلك ليشكل عنصر إزعاج للأتراك.
ولأن أحدا لم يعرض أردوغان للمساءلة بسبب متاجرته بالسوريين فلم يجد مانعا في الذهاب بهم إلى حربه الجديدة في ناغورنو كارباخ.
سيُقال “مرتزقة” وسيُقال “شركات أمنية”. سينسى العالم هويتهم. سيكونون مجرد قتلى لا أحد يسأل عنهم. اشترى أردوغان حياتهم وموتهم معا.
تُرك السوريون حطبا لحروب أردوغان المفتوحة وهو ما لا ينظر إليه أحد بطريقة جادة.