الشرق اليوم- اتهم إقليم كردستان العراق، قوات الحشد الشعبي بشن هجوم صاروخي على مطار أربيل يوم الأربعاء، لم يتسبب في خسائر بشرية أو مادية، في تطور يعكس مستوى التوتر الكبير الذي تشهده المنطقة، على خلفية النزاع بين واشنطن وطهران.
ويقول مراقبون إن إيران تسعى، من خلال ميليشيات خارجة عن القانون، إلى البرهنة على أن جميع أراضي العراق ليست صالحة لاستضافة دبلوماسيين أو جنود أميركيين، بما في ذلك مدينة أربيل، عاصمة الإقليم الكردي شبه المستقل في شمال البلاد، حيث الاستقرار الأمني في أفضل أشكاله، بالنسبة إلى المناطق الأخرى.
وراج الحديث عن خطة أميركية للانتقال من بغداد إلى أربيل، بعدما زادت الميليشيات التابعة لإيران من وتيرة هجماتها على مقر سفارة واشنطن في العاصمة العراقية، وسط تحذيرات من “عمل إيراني كبير” مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
وحذرت الولايات المتحدة الخميس من أنها لن تتساهل مع الهجمات التي تشنها فصائل موالية لإيران على المصالح الأميركية في العراق، مهددة بالانتقام وسط مخاوف الحكومة العراقية من انسحاب أميركي محتمل.
وقال مساعد وزير الخارجية الأميركي للشرق الأوسط ديفيد شنكر “لا يمكننا أن نتسامح مع التهديدات ضد مواطنينا وجيشنا المتمركز في الخارج. ولن نتردد في اتخاذ إجراءات، إذا لزم الأمر، لحماية أفرادنا”، دون أن يؤكد رسميا التهديد بإغلاق سفارة الولايات المتحدة في بغداد.
وبالفعل، تداول مدونون مقربون من الميليشيات العراقية التابعة لإيران معلومات عن خطط تتعلق باقتحام السفارة الأميركية في بغداد، واحتجاز من يمكن احتجازه، ما قد يشكل تحديا هائلا لإدارة دونالد ترامب وخلطا لأوراق مستقبل ولايته الثانية.
وقالت مصادر دبلوماسية إن السفارة الأميركية نقلت بالفعل عددا من أفراد بعثتها في بغداد إلى أربيل مؤقتا، بانتظار استكمال تقييم الوضع الأمني في العاصمة العراقية.
وفعلًا لدى الولايات المتحدة وجود قوي في أربيل، إذ تعسكر مجموعة قتالية تابعة للجيش الأميركي في قاعدة حرير قرب مطار المدينة، فيما تُعَدّ قنصلية واشنطن هناك بمثابة مركز دبلوماسي فعّال.
لكن الميليشيات الإيرانية واصلت الضغط نحو الحد الأقصى، موجهة صواريخها يوم الأربعاء إلى أربيل، في رسالة تشير إلى أن يد طهران يمكنها أن تطال أي جزء من العراق.
وقالت وزارة الداخلية في حكومة الإقليم الكردي إن مطار أربيل تعرض مساء الأربعاء لهجوم بستة صواريخ انطلقت من موقع تسيطر عليه قوات الحشد الشعبي في محافظة نينوى.
وأضافت أنها “تحقق في التفاصيل للحصول على مزيد من المعلومات”، وفيما أكدت أنها “على استعداد تام لمواجهة أي اعتداء”، دعت الحكومة الاتحادية في بغداد إلى “اتخاذ التدابير اللازمة”.
وربطت داخلية الإقليم بين منفذي الهجوم وبين فصيل محدد ضمن قوات الحشد الشعبي، متهم بالتورط في ارتكاب انتهاكات عديدة ضد السكان السنة في محافظة نينوى.
وقالت الداخلية إن الصواريخ انطلقت من منطقة يسيطر عليها اللواء رقم 30 في الحشد الشعبي. وكان فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، وجه بإبعاد وعد القدو، الذي يلقب نفسه بـ”أبوجعفر الشبكي”، عن منصب قائد اللواء 30 في الحشد، بعد ثبوت تورطه في انتهاكات جسيمة، وورود اسمه على لائحة العقوبات الأميركية.
وهذه هي المرة الأولى التي تربط فيها جهة رسمية بين فصيل معروف في الحشد الشعبي وهجمات صاروخية ضد مواقع عراقية تستضيف قوات أميركية.
وتأكد تورط الميليشيات التابعة لإيران في هذا الهجوم من خلال معلومات وصور للصواريخ التي انطلقت نحو أربيل نشرتها حسابات وقنوات مؤيدة للحشد الشعبي في السوشيال ميديا.
ونشرت هذه الحسابات والقنوات صور الصواريخ قبل إطلاقها على أربيل، داعية السكان الأكراد في المنطقة إلى الابتعاد عن المواقع التي تستضيف قوات أميركية.
وقال وزير الخارجية والمالية السابق في الحكومة الاتحادية، هوشيار زيباري، وهو سياسي بارز في إقليم كردستان، إن الهجمات الصاروخية التي وقعت في أربيل نفذتها الجهات ذاتها التي تستهدف السفارة الأميركية في بغداد.
ووجد زيباري في الهجمات الصاروخية على أربيل “تصعيدا آخر لزعزعة الأمن في إقليم كردستان العراق، من قبل نفس المجموعات التي تهاجم السفارة الأميركية في بغداد وأرتالها العسكرية”. وفي تطور يعكس الفرز الصريح للمعسكرات داخل العراق، انضمت الحكومة الاتحادية بقيادة مصطفى الكاظمي إلى جهود إدانة الهجمات الصاروخية على أربيل، واضعة إياها في مصاف “العمليات الإرهابية”.
وقالت قيادة العمليات المشتركة، أرفع سلطة تمثل الحكومة الاتحادية في بغداد، إن “مجموعة أرهابية” هاجمت “محافظة أربيل بعدد من الصورايخ بواسطة عجلة نوع كيا محورة تحمل راجمة، وسقطت هذه الصورايخ شمال غربي أربيل قرب عدد من القرى، من بينها صاروخان قرب مخيم حسن شامي للنازحين”، وأشارت إلى أن هذه الصورايخ انطلقت “من وادي ترجلة بقضاء الحمدانية في محافظة نينوى”، حيث تتمركز قوات اللواء 30 من الحشد الشعبي. ولم تشر القيادة إلى حصول أي خسائر تذكر، مؤكدة صدور “توجيهات عليا بتوقيف آمر القوة المسؤولة عن المنطقة التي انطلقت منها الصواريخ”.
ويقول مراقبون إن حكومة الكاظمي، مدعومة من القوى السياسية الكردية والسنية، تبذل ما في وسعها لاستيعاب الضغوط الإيرانية المتزايدة على المصالح الأميركية في العراق.
وتعتقد طهران أن توجيهها ضربة قوية لمصالح الولايات المتحدة في العراق، قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية، قد يربك حسابات الرئيس ترامب ويقطع عليه طريق الولاية الثانية.
وتقول مصادر سياسية مطلعة على ملف البعثات الأجنبية والعربية التي قد تغادر بغداد، بسبب الاعتداءات الإيرانية المستمرة على المقرات الدبلوماسية، إن الولايات المتحدة قد تحد من حركة موظفيها وعسكرييها على الأراضي العراقية، تحضيرا لهجمات ضد قادة الميليشيات.
ومن شأن سيناريو من هذا النوع أن يسهم في انحدار الأوضاع العراقية نحو الفوضى، في بلد يعاني أزمات سياسية واقتصادية وصحية مركّبة.