الشرق اليوم- قالت مصادر حكومية في بغداد إن الولايات المتحدة بدأت فعلا في تخفيض عدد أفراد بعثتها الدبلوماسية العاملة في العاصمة العراقية، موضحة أن بعض موظفي السفارة غادروا إلى مدينة أربيل، عاصمة الإقليم الكردي شبه المستقل شمال البلاد.
وتزايدت التهديدات التي يطلقها قادة الميليشيات العراقية الموالية لإيران ضد المصالح الأميركية في بغداد، وفشل الحكومة في منع الهجمات الصاروخية على المواقع التي تستضيف دبلوماسيين أو جنودا أميركيين.
وتتزامن هذه التطورات مع إعداد الولايات المتحدة قائمة بأسماء 12 شخصية عراقية، هم في الغالب قادة ميليشيات يعتقد أنهم مسؤولون عن الأعمال العدائية ضد السفارة الأميركية والمعسكرات العراقية التي تستضيف قوات أميركية.
وقالت المصادر إن الولايات المتحدة تتوقع “عملا إيرانيا كبيرا” ضد مصالحها في بغداد خلال الأسابيع القليلة القادمة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية، للتأثير على حظوظ الرئيس دونالد ترامب.
وأوضحت تلك المصادر أن عملية تقييم للوجود الدبلوماسي والعسكري الأميركي في العراق مستمرة، لكن واشنطن لم تتخذ حتى الآن قرارا بإغلاق سفارتها في بغداد أو سحب جنودها، وتعدادهم نحو 5 آلاف مقاتل من البلاد.
وتعاظم النفوذ الإيراني بشدة في العراق خلال ولاية رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، فيما تحولت الميليشيات التابعة لطهران إلى قوة توازي الدولة وتتفوق عليها في الجرأة، ما دفع الشارع إلى الخروج في تظاهرات غير مسبوقة، تعرضت لقمع دموي تسبب في مقتل نحو 600 شخص وإصابة 20 ألفا بجروح.
ومنذ تشكيل حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في مايو الماضي، كثفت الميليشيات العراقية التابعة لإيران من سلوكها العدائي ضد مصالح الولايات المتحدة، لكن حدّة الهجمات ازدادت بشكل لافت مؤخرا، ما دفع التوتر بين طهران وواشنطن نحو حافة المواجهة.
ويقول مراقبون إن الولايات المتحدة ربما تتجنب أي تصعيد غير محسوب ضد إيران مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية.
وقالت المصادر الحكومية إن الإدارة الأميركية تدرس التراجع فعليا في العراق، من خلال خفض مستويات وجودها الدبلوماسي والعسكري في العاصمة بغداد، لكن مع الإبقاء على نفوذها الكبير في الإقليم الكردي الذي يتمتع بوضع شبه مستقل عن الحكومة المركزية، ويعبر عن تعاطفه العلني مع الولايات المتحدة.
في المقابل، لن تغادر الولايات المتحدة بغداد من دون قائمة أهداف، يمكن أن تتعامل معها في أي وقت، وهي عبارة عن أسماء شخصيات عراقية شيعية، ترتبط بعلاقات وثيقة مع الحرس الثوري الإيراني.
لكنّ المراقبين يستبعدون أن تتزامن عملية استهداف هذه الشخصيات مع خطط الولايات المتحدة لخفض وجودها العسكري والدبلوماسي في بغداد، نظرا لما يمكن أن يجره هذا التصعيد من تداعيات.
ويقول ساسة عراقيون إن الولايات المتحدة خسرت جولة الأشهر الأخيرة مع إيران على أرض العراق، وتحديدا منذ قتل الجيش الأميركي قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في غارة قرب مطار بغداد.
واعتبرت إيران تلك الغارة حدا فاصلا بين زمنين في التعامل مع الوجود الأميركي في العراق، تميز الأول بالمناوشات غير المباشرة والمناورات الإعلامية، فيما طغت على الثاني أساليب المواجهة شبه المباشرة والأعمال الاستفزازية والتحدي العسكري.
ويعتبر مراقبون أن إيران اختارت توقيت التصعيد ضد الولايات المتحدة في العراق بعناية، إذ يتزامن مع انتخابات الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب، الذي يبدو أنه لا يفضل إقحام الملف العراقي في جدول أعماله الانتخابية.
وتؤكد المصادر أن عملية التقييم الأميركي للوجود العسكري والأميركي قد تسفر عن قرارات جديدة قريبا، وفقا لمجريات الأحداث وارتباطا بالسلوك الإيراني ومستوى عدائيته، وسط توقعات بأن تؤثر القرارات الأميركية على مصير بعثات دول أجنبية أخرى عاملة في العراق، لاسيما دول الاتحاد الأوروبي.