بقلم: عامر جاسم العيداني
الشرق اليوم- إن الوجود الأمريكي في العراق منذ إسقاط نظام صدام حسين .. لم يكن هدفه وضع العراق على طريق الديمقراطية والحرية بل من أجل جعل العراق بلدا ضعيفا والحفاظ على الأمن القومي الأمريكي المتمثل بوجود إسرائيل قوية لا يهددها أحد، وهو جزء من خطط أمريكا لإسقاط كل أنظمة الحكم القريبة من إسرائيل وإخضاعها إرادتها السياسية تحت شعار الشرق الأوسط الجديد، بالإضافة إلى نهب ثروات هذه البلدان، فكان العراق الهدف الأول لها لانه الأقوى في المنطقة الذي يواجه إسرائيل ويؤثر على استقرارها .
وكان احتلال العراق وتغيير نظامه الدكتاتوري الفردي إلى نظام برلماني مبني على المحاصصة الذي أدى الى خلق صراع طائفي استثمرته لصالحها بعد أن خرجت قواتها ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي الأمنية.. ولكنها عادت من خلال إيجاد داعش وسيطرته على ثلث العراق تحت اسم التحالف الدولي وبنت لها قاعدة عسكرية في عين الأسد التي هي تعتبر أرض داعش والمقاومة الغربية التي حاربت تواجدها، ولكننا شاهدنا بعد طرد داعش على أيدي الجيش العراقي والحشد الشعبي من المحافظات الغربية لم ترفض الوجود العسكري الأمريكي بل دعمت تواجده بعد أن حاربته في بداية الاحتلال من أجل مصالحها بعد أن أيقنت أن المحافظات الجنوبية يرفضون هذا التواجد لمصالح أنانية من قبل سياسيي تلك المناطق وللضغط على أحزابها وسياسيها للحصول على مكاسب في السلطة .
إن الولايات المتحدة اتخذت من العراق موطئ قدم لمواجهة إيران المتنامية القوة والتأثير في المنطقة وجعلت منها عدوا لشعوبها خصوصا دول الخليج الذين تم إخضاعهم لسياستها وابتزازهم ماليا واوحت لهم وإن النظام الإيراني سوف يسقط أنظمتهم، وقامت ببيعهم أسلحة بمئات المليارات من الدولار بالإضافة إلى الضغط السياسي المتواصل حتى جعلتهم الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات معها .
ومن جانب آخر حرمت العراق من كل مقومات البناء والأعمار والتواصل مع عملاق الاقتصاد العالمي الصين وعدم التعامل مع خطة بناء طريق الحرير الذي يمر عبر العراق من خلال بناء ميناء الفاو الكبير وربطه سككيا مع أوروبا، بحيث تمكنت من تغيير اتجاه هذا الخط إلى إسرائيل عبر الإمارات والسعودية والأردن باتجاه إسرائيل المتمثل بميناء حيفا الذي تقوم بتوسعته الصين، إن الهدف الأساسي هو إبقاء العراق دولة ضعيفة لمعرفتها أنه مصدر قلق لها ولاسرائيل، لكون الشعب العراقي يرفض التعامل معها ويعتبرها كيان غاصب ويجب إزالته، ولا يمكنها تغيير بوصلته مهما فعلت وقدمت لأن هناك أيضا ظهير للعراق الذي يرفض وجود إسرائيل وهي إيران .
وسوف تعمل أمريكا على محاصرة العراق وعدم السماح له بالتعامل مع كل الدول التي تختلف معها والتي تساعد في بناء العراق وتقويته عسكريا ، وخنقه اقتصاديا ولن تترك له فرصة لإعادة بناء نفسه بإرادته وإرادة أبناء شعبه .
وإن جميع الأحزاب والسياسيين الذين جاءوا على الدبابة الأمريكية أو خلفها لقد قاموا بسرقة كل موازنات العراق طيلة 17 عاما وبعلم الإدارة الأمريكية وسمحت لهم بفتح حسابات وشراء أملاك في الخارج ليكونوا تحت سياطها لينفذوا أجندتها .
وما المقاومة الحالية للاحتلال الأمريكي التي تزعج الإدارة الأمريكية تستخدمها لصالحها باتهامها بأن ورائها النظام الإيراني لتزيد الضغوط عليها والعمل على تقليص علاقتها مع العراق ومحاربة وتهديد كل السياسيين الذين لهم علاقة مع إيران من أجل وقف هجمات المقاومة على مواقعها العسكرية وسفارتهم التي هي أيضا عبارة عن قاعدة أمنية وعسكرية تستخدمها ضد الحكومة والشعب العراقي الذي يطالب بإخراجهم من أرض الوطن .
من يعتقد أن أمريكا سوف تساعد في بناء العراق فهو واهم، لأنها تعلم أن نهضته يشكل خطرا على أمنها القومي المتمثل في إسرائيل وذلك لأن الشعب العراقي يحمل في داخله عقيدة الثورة وينهض دائما من بعد كل كبوة ليواجه أعدائه، لأنه استمدها من ثورات المسلمين في وجه أعدائه وخصوصا ثورة الإمام الحسين عليه السلام ولن يقبل بالذل والإهانة.
وستعمل أمريكا بكل قوة نحو إخضاع الشعب العراقي تحت سطوتها من خلال خلق الصراعات الداخلية اقتصاديا وطائفيا حتى تتمكن منه لأطول فترة واستنزاف كل موارده ومنع بناء إعادة بناء صناعته وخصوصا الكهرباء التي تعتبر العمود الفقري لها، ولن تقدم اي استثمار في كافة القطاعات الاقتصادية سوى النفط الذي يشكل الايراد الوحيد للعراق للسيطرة عليه اقتصاديا وتضعه تحت التهديد الدائم . ولن تسمح له ان ينهض سياسيا واداء دوره الحقيقي في المنطقة وجعله غير مؤثر وضعيف ، وما دعم اقليم كوردستان العراق وجعله مشاكسا لحكومة المركز ويخلق الازمات للعراق بشكل دائم واشغاله واستنزافه اقتصاديا وسرقة نفطه لحساب أحزابه بالتعاون مع تركيا التي تتدخل عسكريا في شمال العراق بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني .
أمريكا لن تخرج من العراق إلا من خلال طريقتين الأولى دبلوماسيا وهو بعيد المنال، لأن السياسة الأمريكية أقوى من سياسة أحزاب السلطة التي بدأت تخضع للتوجهات الأمريكية وتهديداتها بقتل قادتهم إذا ما أصروا على خروج قواتها، وتبقى الطريقة الأخرى والتي تعتبر الأقوى هو بالضغط الشعبي من خلال التظاهرات .