الشرق اليوم- هزّت جريمة اغتيال جديدة استهدفت ناشطة شابة في الحراك الاحتجاجي بالعراق وعائلتها، الرأي العام العراقي حيث تعمّد منّفذوها استخدام أساليب قاسية وبشعة إمعانا في ترهيب المحتجّين الذين كانوا قد وجّهوا على مدار أشهر متتالية غضبهم صوب النظام ورموزه من قادة الأحزاب الدينية والميليشيات المرتبطة بها والمتّهمة بتنفيذ سلسلة من الاغتيالات طالت نشطاء بارزين في الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة التي انطلقت خريف العام الماضي، وأفضت إلى إسقاط حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي.
وأفاد مصدر أمني، الأربعاء، بمقتل الناشطة العراقية شيلان دارا رؤوف ووالديها ذبحًا على يد مجهولين، في العاصمة بغداد. وقال النقيب في شرطة بغداد حاتم الجابري، لوكالة الأناضول إنّ “مسلحين مجهولين اقتحموا، مساء الثلاثاء، منزل الناشطة في منطقة المنصور غربي بغداد ونحروا أفراد العائلة، وهم الشابة شيلان التي تعمل صيدلانية ووالداها”.
وقال نشطاء في الاحتجاجات إنّ الصيدلانية المتحدّرة من أصول كردية، كانت من الوجوه المعروفة في الحركة الاحتجاجية، ولعبت دورا كبيرا في إسعاف المصابين في المواجهات التي شهدتها شوارع بغداد بين المتظاهرين من جهة، ورجال الشرطة والميليشيات من جهة مقابلة حتى أطلق عليها اسم “مسعفة التحرير” في إشارة إلى ساحة التحرير وسط العاصمة والتي كانت مسرحا رئيسيا للاعتصامات والمظاهرات.
وأوضح هؤلاء أنّ شيلان شكت في عدّة مناسبات تعرّضها لتهديدات من مجهولين كانوا في كلّ مرّة يتوعّدونها بالقتل والتنكيل بعائلتها إذا لم تكف عن المشاركة في الاحتجاجات، مؤكّدين أن السلطات الأمنية أخذت علما بتلك التهديدات في أكثر من مناسبة.
وقال المصدر الأمني إن المهاجمين سرقوا مقتنيات ثمينة من المنزل قبل أن يلوذوا بالفرار، مشيرا إلى أن السلطات المعنية فتحت تحقيقا في الحادث الذي أفادت معطيات أولية أنه “بدافع السرقة”.
ومن شأن تصنيف حادثة الاغتيال كعمل جنائي منفصل عن أي أهداف أو غايات سياسية أن يرفع الحرج عن السلطات العراقية التي ما تزال عاجزة عن وقف مسلسل الاغتيالات وجلب المسؤولين عنه إلى العدالة، بحسب ما توعّد به رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في أكثر من مناسبة.
ولا تستبعد مصادر عراقية أن يكون إحراج الكاظمي ضمن أهداف المخطّطين للاغتيالات ومن يقومون بتحديد توقيتاتها، وذلك بالنظر إلى انعدام الثقة بينه وبين الميليشيات الشيعية.
وغالبا ما تنسب عمليات الاغتيال لتلك الميليشيات المرتبطة بإيران التي تستخدمها في حماية نفوذها في العراق والذي أصبح أكثر من أي وقت مضى مستهدفا من قبل الحراك الشعبي الذي يحرّكه نشطاء مناهضون لطهران ووكلائها العراقيين.
واستبعد رفقاء الصيدلانية في الحركة الاحتجاجية سيناريو العمل الجنائي. وقال الناشط في احتجاجات بغداد طارق الحسيني إن الغرض من الهجوم كان تصفية شيلان مؤكّدا أنّها “تعرضت للتصفية لإسكات صوتها كما حدث مع العشرات من الناشطين الآخرين”.
ووفق الحسيني فإن شيلان كانت من الوجوه الشابة المعروفة في ساحة التحرير، معقل الاحتجاجات الشعبية المناهضة للطبقة السياسية الحاكمة.
ووردت في شهادات تداولها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي وتناقلتها وسائل إعلام محلية عراقية، تفاصيل صادمة عن مقتل الصيدلانية وأسرتها، إذ تحدّث البعض عن اغتصابها وبتر أطرافها، الأمر الذي وصفه النشطاء بأنّه بمثابة بصمة الميليشيات الشيعية على الجريمة، معتبرين أنّ الهدف من تلك الوحشية هو الانتقام وترهيب النشطاء، وخصوصا النساء اللاّئي لعبن أدوارا كبيرة في الانتفاضة الشعبية.
وكانت حكومة الكاظمي قد تعهدت بمحاكمة المتورطين في قتل متظاهرين وناشطين، لكن لم يتم تقديم أي متهم للقضاء حتى الآن.
وفي أغسطس الماضي شن مجهولون سلسلة عمليات ومحاولات اغتيال طالت ناشطين في الحراك الشعبي المناهض للطبقة السياسية النافذة المتهمة بالفساد وبالتبعية لدول أجنبية على رأسها إيران.
ومن أحدث العمليات تلك التي وقعت في محافظة البصرة الأسبوع الماضي وأسفرت عن مقتل ثلاثة ناشطين ومدنيين اثنين، فيما تعرض ناشطون آخرون لمحاولات اغتيال في البصرة وذي قار جنوبي بغداد. وموجة الاغتيالات الأخيرة جزء من حملات أوسع تواصلت على مدى الأشهر الماضية استهدفت ناشطي الاحتجاجات التي لا تزال مستمرة على نحو محدود.
ووفق أرقام الحكومة فإن 565 شخصا من المتظاهرين وأفراد الأمن قتلوا خلال الاحتجاجات، بينهم العشرات من الناشطين الذين تعرضوا للاغتيال على يد مجهولين.
ولم توفّر الاغتيالات الدائرة القريبة من رئيس الوزراء نفسه، عندما استهدف مسلّحون مجهولون، في شهر يوليو الماضي الخبير الأمني هشام الهاشمي المقرّب من مصطفى الكاظمي أمام منزله في منطقة زيونة بالعاصمة العراقية بغداد.
ورغم كثرة تلك الجرائم، فإنّها لا تزال مقيدة ضد مجهولين الأمر الذي يعمّق الشكوك في قدرة السلطات العراقية على وضع حدّ لعمليات الاختطاف والاغتيال التي لا ترتبط فقط بفوضى السلاح السائدة في البلاد، لكنّ لها علاقة وثيقة بخلفيات وأهداف سياسية لجهات قوية ونافذة تعمل على توجيه دفّة الحكم وسلطة اتّخاذ القرار في البلاد وفق أجندة معيّنة تتجاوز حدود البلد إلى الخارج.
وتشكّك مصادر سياسية عراقية في إمكانية إجراء تحقيقات مهنية ومستقلة في جرائم الاغتيال التي استهدفت وجوها ذات تأثير اجتماعي وسياسي غير مرغوب فيه من قبل أحزاب وميليشيات شيعية معروفة بولائها لإيران.
لكنّ خشية بعض الأوساط العراقية المنادية بوضع حدّ لفوضى السلاح والحدّ من تغوّل الميليشيات وضمان أمن الجميع بما في ذلك النخب الفكرية والسياسية، لا تتوقّف عند إهمال القضايا وطي صفحتها من دون الكشف عن الجهات الأصلية التي تقف وراء الجريمة وتستفيد منها، بل تتعدّى ذلك إلى توقّع حدوث تأثير عكسي لعمليات الاختطاف والاغتيال، بأن ينجح مخطّطوها ومنفّذوها في ترهيب المجتمع والسلطة ودفع الحكومة إلى تجنّب اتخاذ أي قرارات وتنفيذ سياسات لا تريدها الأحزاب والميليشيات ذات الأجندات الخاصّة والأهداف المختلفة عن أهداف العراقيين في تحقيق استقلال القرار الوطني ومحاربة الفساد وبسط الأمن والاستقرار وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيّئة.
وحرّكت حادثة اغتيال الناشطة شيلان ردود أفعال سياسية، حيث دعا الاتحاد الوطني الكردستاني رئيس الوزراء العراقي، في بيان، إلى الإسراع في كشف ملابسات الجريمة البشعة التي ارتكبت في منطقة المنصور ببغداد، متهما من وصفهم بخفافيش الظلام بالوقوف وراء تنفيذها. كما أدان نائب رئيس مجلس النواب العراقي بشير خليل الحداد “جريمة قتل واستباحة حرمة عائلة الصيدلانية شيلان”، واصفا الجريمة بالبشعة والنكراء، ومطالبا الجهات المختصة بالإسراع في إجراء تحقيق عاجل وملاحقة الجناة وتقديمهم إلى العدالة بأسرع وقت.
المصدر: العرب اللندنية