تحتاج الولايات المتحدة إلى خطة تبدأ من الداخل ولكن تتطلع إلى الخارج
BY: Robert B. Zoellick – Foreign Policy
الشرق اليوم- في حال فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر، فسوف يقدم له فريق السياسة الخارجية قائمة مهام مثيرة للدهشة. ونظراً لخبرته الكبيرة في الشؤون الدولية، فسوف يرغب نائب الرئيس السابق بالغوص فيها، إلا أنه يجب أن يتوقف قليلاً للنظر في أولوياته.
سوف يواجه بايدن مطالب كبيرة في الداخل. إذ ستواصل جائحة “كوفيد 19” تعريض حياة الأمريكيين وسبل عيشهم للخطر، وتسلّط الضوء على عدم المساواة في نظام الرعاية الصحية في البلاد، وسيحتاج الرئيس الجديد إلى إدارة انتعاش اقتصادي شامل. كما سيواجه أيضاً إحباطات بسبب العنصرية والعدالة الجنائية. وسوف تطالب دوائر التأييد الديمقراطية باتخاذ إجراءات بشأن تغيّر المناخ، والبيئة، والطاقة، والهجرة.
سوف يرغب فريق بايدن في الاعتماد على مهاراته بصفته مشرّعاً يجيد عقد الصفقات -ما من رئيس منذ ليندون جونسون يتمتع بمثل خبرته في العمل في الكونغرس ومعه- حتى في الوقت الذي يواجه فيه لجنة حزبية متنوعة نافدة الصبر. وسوف يدرك بايدن أنه بحاجة إلى إظهار الفعالية، وليس فقط الدفاع عن القضايا، لأن العديد من الأمريكيين سيصوتون ضد الرئيس دونالد ترامب، وليس بالضرورة لصالح برنامج بايدن. وبايدن ودائرته الداخلية على معرفة بتجربة الرؤساء الديمقراطيين المنتخبين حديثاً الذين تولوا السلطة إلى جانب كونغرس يسيطر عليه الديمقراطيون بعد حقبة من الحكم الجمهوري: كان هناك توقعات كبيرة من باراك أوباما، وبيل كلينتون، وجيمي كارتر، لكن سرعان ما تعرضوا لهزائم في منتصف المدة بعد عامين. والرئيس الحكيم سوف يضع الأولويات ويسعى إلى تحقيق إنجازات محددة.
وبالنظر إلى القيود المفروضة على وقت الرئيس الجديد ورأسماله السياسي، يجب على إدارة بايدن الاستفادة من أجندتها المحلية في صياغة سياستها الخارجية. ويمكن أن يُبرز الرئيس قيادة الولايات المتحدة من خلال أجندة دولية تعتمد اعتماداً مباشراً على أولوياته الداخلية. فمن شأن البرنامج المختلط للرئيس بايدن المُنتخب أن يقدّم استراتيجية مترابطة بدلاً من قائمة طويلة من العناصر الفردية.
تتضمن المكونات الطبيعية لمثل هذه السياسة مجالات الصحة العامة، والسلامة الحيوية، والبيئة، وأمن الطاقة، والنمو الاقتصادي الشامل، والحماية الإلكترونية والابتكار التقني، والهجرة. ولا بد لهذه الموضوعات أن تروق لحلفاء الولايات المتحدة أيضاً، فتضع الأساس لشراكة متجددة عبر المحيطين الأطلسي والهادئ. ومن قاعدة التعاون الجديدة هذه، سوف تكون الولايات المتحدة وشركاؤها في وضع أفضل لمواجهة تحديين رئيسيين: مستقبل المجتمعات الحرة، والمنافسة مع الصين.
الأوبئة والبيئة
يقدم الوباء الرابط الأوضح والأكثر إلحاحاً بين السياسة في الداخل والخارج. إذ تحتاج الولايات المتحدة إلى اللقاحات، وإلى علاجات أفضل، وإلى أنظمة وقائية فعّالة لمواجهة الفيروس. إلا أنّ التعافي في الولايات المتحدة يتطلب تقدماً عالمياً، وينبغي على العلماء والأطباء تبادل المعرفة والعلاجات عبر الحدود القومية. وعلى عكس السياسة الحالية، سوف تحتاج الولايات المتحدة إلى العمل مع الدول الأخرى لتقوية منظمة الصحة العالمية والتكامل معها عند الضرورة. وينبغي على إدارة بايدن المحتملة أن تنظر عند القيام بذلك إلى حملة الرئيس جورج دبليو بوش الناجحة ضد فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز -التي كانت تمثل خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من مرض الإيدز- حيث جمع هذا البرنامج الموارد والمعرفة والتعاطف لمواجهة تهديد مشترك. وكانت تلك الخطة –فضلاً عن الجهود المماثلة لمكافحة الملاريا والسل- من بين أعظم مساهمات الولايات المتحدة في إفريقيا، وينبغي على إدارة بايدن إطلاق مبادرة مماثلة لمواجهة “كوفيد 19”.
يواجه العالم تفشي فيروسات خطيرة في كل عام، وينبغي على الولايات المتحدة والدول الأخرى -بما في ذلك الصين- أن تتعلم الدروس حول الوقاية والاحتياطات والعلاجات دون تبادل الاتهامات. ولاستكمال هذا العمل، ينبغي على الولايات المتحدة تعزيز العمل الجماعي ضد الاتجار بالحيوانات البرية التي تنشر الفيروسات الخطرة.
وبالمثل، ينبغي على إدارة بايدن البناء على سياسات انبعاث الكربون المحلية الخاصة بها لجلب الدعم للعمل الدولي بشأن تغير المناخ. وبالإضافة إلى إعادة الانضمام إلى اتفاقية باريس، سوف يُعيد بايدن الزخم ويوسع الدعم، بما في ذلك دعم الدول النامية، من خلال طرح سياسات دولية منسّقة عبر مجموعة من الموضوعات. حيث يمكن للولايات المتحدة على سبيل المثال أن تساعد في دمج سياسات تغير المناخ وسياسات التنمية: يمكن أن تساعد مبادرة كربون التربة قطاع الزراعة في إفريقيا، ومن شأن تحفيز إعادة التحريج أن يُعزز التنوع الحيوي في جميع أنحاء العالم. كما يمكن تطوير تقنيات الطاقة البديلة لتلائم القدرات والحاجات في البلدان النامية أيضاً. وسوف تحتاج جميع البلدان إلى اعتماد سياسات التكيّف، حيث يمكن لضرائب انبعاثات الكربون والأسواق التجارية أن توجّه الاستثمارات إلى المشروعات التي لها أكبر الفوائد المحتملة.
التعافي الاقتصادي
ينبغي على بايدن أيضاً أن يربط سياساته الاقتصادية بالتعافي العالمي بعد جائحة “كوفيد 19″، إذ لن يحقق العمال الأمريكيون أي مكاسب في اقتصاد عالمي راكد. ورغم أنه من المرجح أن تحدّ السياسات المحلية من المبادرات التجارية الكبيرة، إلا أنه بإمكان بايدن أن يعزز الثقة ويساعد المزارعين والمصدّرين الأمريكيين الآخرين من خلال وضع حد لحرب ترامب الاقتصادية. وينبغي عليه أن يبدأ برفع حواجز “الأمن القومي” الضارة مع الحلفاء، وتعويض بعض الزيادات الضريبية في الداخل عن طريق خفض التعريفات الجمركية وتكاليف الاستيراد. كما يجب على إدارته أيضاً تحرير نظام تسوية المنازعات الخاص بمنظمة التجارة العالمية وذلك من أجل العودة إلى العمل والتنسيق مع الاتحاد الأوروبي واليابان وكندا وأستراليا وغيرها بهدف معالجة نقاط ضعف المنظمة.
وإذا كان بايدن يرغب في تقديم مبادرة تجارية، فعليه أن يقترح أن تتفاوض اقتصادات أمريكا الشمالية الثلاثة على اتفاق شمال الأطلسي مع المملكة المتحدة، حيث سيؤكد هذا الاتفاق على قوة اقتصاد أمريكا الشمالية المتكامل، ويعلن أن “الأصدقاء الثلاثة” يعتزمون تشكيل القواعد العالمية. ولا يمكن للنقابات الأمريكية الشكوى إلى حد معقول من معايير العمل البريطانية.
سوف يسير التعافي الاقتصادي العالمي في المستقبل جنباً إلى جنب مع الأبحاث والابتكار التقني في الولايات المتحدة. ففي الماضي، أثبت التمويل الحكومي ثلاثي المسارات للبحوث الأساسية والجامعات والمؤسسات الخاصة تفوقه على الأنظمة التي تديرها الدولة. ولكي تنجح الولايات المتحدة اليوم أيضاً، ينبغي عليها أن تظل منفتحة على الناس والأفكار ورأس المال والمنافسة من خارج حدودها، ويجب أن تكون الجامعات الأمريكية نقطة جذب للمواهب العالمية. ويجب أن تعمل إدارة بايدن المحتملة بصورة وثيقة مع الدول الأخرى لتعزيز المعايير والضمانات المشتركة للأمن التجاري والملكية الفكرية.
وتحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة إحياء سياسة الهجرة من أجل الحفاظ على هذه الميزة الاقتصادية والفكرية، فالبلاد بحاجة إلى بوابات آمنة، وليس إلى أسوار حدودية غبية. ومن شأن العمل المبكر على “الحالمين” والتأشيرات أن يمهد ذلك الطريق. ففي عام 1979، أطلق رونالد ريغان حملته الرئاسية برسالة تناسب زمننا الحالي، حيث قال: “ربما يكمن مفتاح أمننا المستقبلي في أن تصبح كل من المكسيك وكندا دولتين أقوى بكثير مما هما عليه اليوم. لقد حان الوقت لأن نتوقف عن التفكير في أقرب جيراننا على أنهم أجانب”. وقد قاومت اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية جهود ترامب لتمزيق هؤلاء الشركاء الثلاثة، لكن بايدن سوف يحتاج إلى جعل الاتفاق بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا خليفة ناجحاً لاتفاقية نافتا.
يجب أن تدعم الاتفاقية الجديدة سلاسل التوريد والإنتاج في أمريكا الشمالية التي تقدم بدائل جذابة للصادرات الصينية، وينبغي أن بتحول شعار بايدن “اشترِ من أمريكا” إلى “اشترِ من أمريكا الشمالية”. وعلى الرغم من أن مستقبل التركيبة السكانية للمنطقة مشرق أكثر من الصين وأوروبا واليابان، إلا أن العنف والجريمة المنظمة يلقيان بظلالهما على آفاق المكسيك. ومن أجل تحسين ظروف العمل وسلامة النقابات في المكسيك، يمكن أن تقدم الولايات المتحدة وكندا المساعدة في بناء المؤسسات وسيادة القانون. وينبغي على لجنة التنافسية في الاتفاق بين الولايات المتحدة والمكسيك أن تستثمر في رأس المال البشري من خلال التعليم وبناء المهارات بغية تأسيس قوة عاملة في القارة الأمريكية، مع احترام متطلبات المواطنة والسيادة. ويمكن أن يؤدي اتباع نهج جديد لأمريكا الشمالية إلى تقديم مكاسب انتخابية لبايدن لدى ذوي الأصول الإسبانية، وربما يساعد هذا الدعم في تحويل الولايات الجنوبية الغربية إلى صفه.
الحلفاء والشركاء
تجمع توصياتي لسياسة داخلية-خارجية جديدة بين الحداثة والاستمرارية. فخلال الأيام الصعبة في الحرب الباردة، أدرك هاري ترومان، وجون ف. كينيدي، ورونالد ريغان، وجورج بوش الأب الحاجة إلى التقارب بين الحلفاء، فأعطوا الأولوية لبناء الشراكات وتعزيزها قبل التفاوض مع خصمهم السوفيتي.
ويجب فعل الأمر نفسه اليوم. حيث تبدأ هذه الخطة بالمجالات ذات الاهتمام المشترك بين الحلفاء في أوروبا والمحيط الهادئ. إذ ينبغي أن تكون المجتمعات الحرة قادرة على تلبية متطلبات القرن الحادي والعشرين من أجل أمن المواطنين وتوفير الفرص. ومن خلال هذا العمل المنسق، سيكون بإمكان الولايات المتحدة وشركائها أن يصبحوا أكثر جاذبية للآخرين، وأن يتنافسوا تنافساً فعالاً مع الدول الاستبدادية الصاعدة. ويمكن في الوقت نفسه أن تقدم هذه الأجندة أرضية مشتركة مع الصين وروسيا إذا روّج لها ذلك التحالف. ويمكن تخفيف المنافسة -بل وحتى الخصومات- من خلال المصالح المشتركة.
ربما تساعد هذه الأجندة الولايات المتحدة أيضاً في بناء الدعم الدولي لمسؤولياتها الأمنية التقليدية. فإلى جانب شركائها، سوف تحتاج واشنطن إلى قدرات تقنية متطورة لردع المعتدين المحتملين ومواجهة التهديدات النووية والإرهابية. ومع ذلك، لطالما تمتعت القيادة العسكرية الأمريكية بدعم أكبر بين الحلفاء عندما تبدأ من خلال المصالح السياسية والاقتصادية المتبادلة.
يجب أن تبدأ أجندة السياسة الخارجية لعام 2021 من الداخل ثم تتطلع إلى ما وراء ذلك. ويمكن أن تحقق إدارة بايدن النجاح إذا جعلت السياسات الداخلية والخارجية وجهين لعملة واحدة.