الرئيسية / الرئيسية / عالم جديد يتشكّل وبريطانيا غائبة

عالم جديد يتشكّل وبريطانيا غائبة

بقلم: إد حسين

الشرق اليوم- لا يمكن لبريطانيا أن تتحمل أن ينحصر مكانها في العالم من أولئك العالقين في أفكار القرن الماضي وذنوبه. فبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وجائحة “كوفيد 19″، بدأ عالم جديد يتشكل. حيث تفاوض ثلاثة من أقرب حلفائنا -الولايات المتحدة، وإسرائيل، والإمارات – على اتفاق سلام تاريخي شجاع دون أن يكون لنا أي دور فيه سواء من قريب أو من بعيد. فلماذا ذلك؟

 إن الشرق الأوسط على أعتاب عقد المزيد من اتفاقيات السلام – بدأت من رؤية الإمارات والإسرائيليين- بالإضافة إلى اتفاقيات تجارية وتحالفات أمنية. ويمكن فهم أن بوريس جونسون كان مشغولاً بالتصدي لجائحة “كوفيد” والتعامل مع الصراع المتنامي مع الصين؛ فقيام نزاع دولي جديد لا يكون مستبعداً أبداً، ولهذا السبب تُعدّ التحالفات والنفوذ أموراً مهمة. وقد حان الوقت الآن لإيلاء اهتمام وثيق لكيفية تأثير الشرق الأوسط المتغير على مصالحنا ومصالح حلفائنا المقربين، وينبغي على بوريس أن يفهم العقبات. فرئيس الوزراء يتحدث عن جده المسلم الذي كان يحفظ القرآن، بينما جونسون صهيوني صريح، والشرق الأوسط قريب من قلبه، لكن هناك حواجز لا بد من التغلب عليها.

لا يزال العديد من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية يشعرون بالذنب بشأن إعلان بلفور عام 1917 بـ “وطن قومي للشعب اليهودي”. كما سعت القيادة الفلسطينية وحلفاؤها الناشطون إلى الحصول على اعتذار وتراجع منذ عقود. وتتسبب ذكرى قيام الإسرائيليين بقلب السياسة البريطانية في فلسطين في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، ثم في مناسبات أخرى في الأمم المتحدة، في توليد استياء من إسرائيل في بعض دهاليز وزارة الخارجية وشؤون الكمنولث. وذنب بلفور، وخسائر حقبة الانتداب، بالإضافة إلى التطبيق العملي للتقدم الوظيفي اليوم يعني أن إسرائيل تُعد موضوعاً صعباً لدى الحكومة البريطانية. فما الذي يدفعها لدعم إسرائيل، وهي دولة صغيرة يبلغ عدد سكانها ثمانية ملايين نسمة، وتخسر الفرصة مع 22 دولة عربية يبلغ عدد سكانها 450 مليون نسمة؟

وكل سوف يزداد سوءاً بسبب شعور موظفي وزارة التنمية الدولية -والعديد منهم من ذوي الميول اليسارية- بخزي رهيب من تاريخ بريطانيا، وعدائهم لاستخدام المساعدة والتنمية في تعزيز المصالح الغربية. وبدلاً من ذلك، يوزعون النقود البريطانية تكفيراً عن الذنب، وسوف يندمجون الآن مع وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث في وزارة كبيرة جديدة في حكومة بوريس جونسون. وربما سيوفر ذلك المال، لكن ما لم نغير آراء بيروقراطيينا، فحينئذٍ سيكون محكوماً علينا بالتجاهل مرة تلو مرة.

ويبرهن اتفاق السلام الإماراتي-الإسرائيلي أن روح العصر في الشرق الأوسط قد تغيرت، حيث يبحث العرب والإسرائيليون عن تحالفات جديدة ضد تهديدات إيران والإسلام المتطرف، ولديهم رغبة عميقة ببداية جديدة لجيل الشباب. فحروب القرن الماضي تنتمي إلى هناك: إلى الماضي، ونحن لم نستوعب هذه الحالة المزاجية الجديدة بسبب تشتت انتباهنا.

لقد فتحنا صدوعاً سياسية لا داعي لها مع حلفائنا الأمريكيين، وأعرضنا عن المخاوف الإسرائيلية بشأن دعم حماس والجمعيات الخيرية المتطرفة التي تعمل في بريطانيا، وادعينا الاهتمام بالفلسطينيين من أجل إرضاء العرب: نحن نعمل على غير هدى في كل هذه الجبهات. وفي الداخل، يراقب المكتب الخامس نحو 43 ألفاً من المشتبه فيهم بالإرهاب. لكن المتطرفين يستغلون القضية الفلسطينية، ودعم سلامٍ مستدام من شأنه أن يحرم المتعصبين من ذلك ويخفف العبء على أجهزتنا الاستخباراتية.

عندما وصل جاريد كوشنر إلى البحرين في عام 2019 لإعلان البيت الأبيض عن تقديم 50 مليار دولار للفلسطينيين على مدى عشر سنوات من أجل بناء اقتصاد ودولة، أرسلت أربع دول وزراء ماليتها لتأييد الصفقة بدعم من صندوق الثروة السيادية. وكرّم ولي العهد البحريني الإصلاحي، سلمان بن حمد آل خليفة، الضيوف بحضوره المستمر. تعهد قادة القطاع الخاص في أمريكا بالقيام باستثمارات، وكان وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشين، حاضراً في كل الجلسات، وكذلك وزراء مالية السعودية والبحرين والإمارات. بينما كان فيليب هاموند، مستشار المملكة المتحدة آنذاك، غائباً بشكل ملحوظ، حيث أرسل روبرت جينريك، ثم وزير دولة لتمثيل بريطانيا.

اختلط الصحفيون والعسكريون الإسرائيليون والعرب على مدار اليوم، على أمل تحقيق مستقبل مختلف، بينما لم يكن هناك أثر لجينريك والبعثة البريطانية. وقد تعقبت الوفد البريطاني وسألت عن سبب عدم مشاركتنا بشكل واضح، إذ كان السعوديون والبحرينيون والإماراتيون جميعاً يريدون مشاركة بريطانية كاملة رفيعة المستوى.

وجاء الجواب من مسؤول كبير: “نحن على اتفاق مع نظرائنا في الاتحاد الأوروبي”. ليس العرب، وليس الأمريكيين، وليس الإسرائيليين، ولكن وحش بيروقراطية الاتحاد الأوروبي هو الذي كان الأكثر أهمية. لم نتعاف قط في نظر الأمريكيين منذ قمة البحرين. وتعلم الإسرائيليون والعرب أن تجاهلونا ويمضوا في الطريق نحو عالم جديد.

والآن، أصبحت إسرائيل والإمارات تتمتعان بموقف جيد على جانبي الكونغرس. ومهما كانت نتيجة الانتخابات الأمريكية، فإن الشراكة الإماراتية الإسرائيلية تحظى بدعم جو بايدن أيضاً. بينما لوحظ تحفظ بريطانيا في البيت الأبيض وأبو ظبي والرياض والقدس وأماكن أخرى منذ قمة البحرين.

لقد حان الوقت لاغتنام هذه الفرصة والانضمام إلى حلفائنا في الشرق الأوسط في تشكيل مستقبل جديد بمساعدة من هذه الأمة التي قادها دزرائيلي وتشرشل. وجزء من ذلك هو أداء دورنا في منع الجماعات الإسلامية من استغلال القضية الفلسطينية لتحقيق أهدافها المتطرفة. وحظر العمليات المالية والسياسية البريطانية لحركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين اللتان تسعيان إلى تدمير إسرائيل -الدولة العضو في الأمم المتحدة- سيكون بداية جيدة.

ربما لوحظ غياب بريطانيا، لكن بذل دومينيك راب جهوداً متجددة للانخراط والعمل سوف يعيدنا إلى الحظيرة. فالتيارات الجديدة التي تتدفق عبر الشرق الأوسط سوف تؤثر علينا جميعاً. ولا يمكن لبريطانيا العالمية أن تفوت هذه الفرصة للتجارة وإقامة استثمارات جديدة، فقبل أن يسافر الإسرائيليون والعرب إلى نيويورك، سوف يتوقفون في لندن. فماذا نعرض عليهم؟

شاهد أيضاً

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

العربية- هدى الحسيني الشرق اليوم– يقول أحد السياسيين المخضرمين في بريطانيا، المعروف بدفاعه عن حقوق …