بقلم: إبراهيم الزبيدي – العرب اللندنية
الشرق اليوم- بعد سنواتٍ من التحدي والمشاكسة والمكابرة والعناد، وبالتحديد منذ أن حلّ الرئيس الأميركي الصعب على إيران، دونالد ترامب، محلَّ الناعم الرقيق معها، باراك أوباما، وبفعل تغيّر المواقف والمصالح الأميركية والدولية والإقليمية، طفح الكيل بالنظام الحاكم في إيران، ولم يعد قادرا على أن يخفي جراحه ويكتم أنينه، فراح يعاتب أصدقاءه الذين أكلوا من خيره ثم طعنوه في ظهره، وتخلوا عنه وتركوه وحيدا يصارع ضراوة عقوبات ترامب وكورونا، ونقمة شعبه، وبغضاءَ شعوبٍ عديدة قريبة وبعيدة ذاقت منه ومن ميليشياته الأمرّين.
فمن الذي ضربه على يده وقال له أن يختار مناطحة الثيران الأكبر منه، والأقوى، والأشد ضراوة؟
ثم سؤال آخر، لماذا لم يقرأ الولي الفقيه ومعاونوه، بحنكة وواقعية وتواضع، حقيقة التحولات الدراماتيكية الاستراتيجية التي حدثت في الواقع الدولي في العقد الأخير، والتي أجبرت حتى أقرب أصدقائهم إليهم، كالصين وروسيا، على مسايرة أميركا وتفضيل مصالحهم معها، وعلى التخلي عن إيران والإيرانيين، ولو على مضض؟
والحقيقة أن ما يسمّى بـ”المجتمع الدولي” لم يُدلل نظاما آخر أكثر مما دلل النظام الإيراني، ونافقَه، وسكت عن مروقه واستهانته بالقيم والمقاييس والقوانين والأعراف السماوية والدنيوية كلها على مدى أربعين سنة، وأغمض عينيه عن قمعه لمواطنيه في الداخل، وعن تمويله للعشرات من الجماعات الإرهابية ورعايتها وتسليحها، وعن قيامه، علنا، بغزو دولٍ عربية مستقلة ذات سيادة فاحتلها وأذلّ أهلها وقتل من أبنائها وبناتها العشرات والمئات والألوف، وسرق خيراتها، وأقلق أمن المنطقة والعالم، بحرسه الثوري مباشرة وعلنا، أو بواسطة عصاباته المبثوثة في شرق المعمورة وغربها، شمالها وجنوبها، دون حساب ولا عقاب.
ولو حسبنا بعجالة حجم الأموال التي هطلت على الخزينة الإيرانية، من أول يوم هبط فيه الخميني من طائرة أقلّته من فرنسا على أرض مطار طهران عام 1979، وخصوصا في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لعجزَت أجهزة الكمبيوتر نفسها عن إحصائها.
يقول موقع، بريتبارت نيوز، إن إدارة أوباما سمحت للنظام الإيراني بالحصول على نحو 150 مليار دولار كانت مجمّدة تم الإفراج عنها بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015. كما قدمت للنظام الإيراني، نقدا، ملياري دولار، بعد ذلك.
هذا إضافة إلى المداخيل الداخلية الضخمة العديدة المتنوعة، وإلى الأموال الأخرى الطائلة التي قام بتهريبها إليه جواسيسه العراقيون والسوريون واللبنانيون، ردا لجميله، ووفاءً منهم لوليّهم الفقيه الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، وملأ خزائنهم بالمسروقات والمحرّمات.
ولكن كل تلك التلال الهائلة من الأموال تبخرت، وأهدر جلُـها، هباءً، على اقتناء البوارج والصواريخ والطائرات المسيّرة وكواتم الصوت، وعلى إنشاء مفاعلات نووية سيأتي يوم وتقصفها طائرة مجهولة، وعلى عصابات وأحزاب وإذاعات وفضائيات لم تعطِ إيرانيا جائعا واحدا كسرة خبز، وعلى احتلال غبي لعواصم عربية أبيّة يعلم بأنها لم تصبر، من قبل، على محتلٍ أقوى منه وأغنى وأشد.
تُرى، أما كان في إمكان النظام الحاكم في طهران، بما حصل عليه من أموال تسدّ عين الشمس، أن يجعل من إيران جنة الله على أرضه، وأن يفتح للمواطن الإيراني القلوب والجيوب في دول المنطقة والعالم، بالتجارة والاقتصاد والثقافة والعلوم والفنون، لو استبدل سياسة التحدي والتعدي ونشْرِ المآتم والحرائق والمشانق بسياسة التآلف والتفاهم والتعايش السلمي مع دول الجوار والعالم؟ أما كانت المنطقة، اليوم، وليست إيران وحدها، بألف ألف خير؟
وأخيراً، طفح الكيل، وفَقَد الرئيسُ الإيراني، حسن روحاني، قدرته على الكتمان، فأطلق لسانه بالحقيقة مُعاتبا الأصدقاء الذين لم يعودوا أصدقاء.
يقول في تصريحات بثها التلفزيون الرسمي “لم تقل لنا دولةٌ صديقة واحدة إنها، في هذا الوقت، ومع انتشار فايروس كورونا، والمصاعب، ومن أجل الإنسانية، سنقف معكم في وجه أميركا”.
وقبله اعترف نائبه، محمد باقر نوبخت، في كلمة له خلال اجتماع لجنة التنمية والتخطيط في محافظة همدان، وفقا لوكالة الأنباء الإيرانية “إرنا” إننا “الآن في وضع ظالم جدا، حيث لا نتمكن من بيع قطرة واحدة من النفط مقابل الغذاء أو الدواء”.
وفي مسعى لتعويض الخسائر اضطر النظام إلى التضييق على المواطنين بالمزيد من الضرائب والرسوم والغرامات، الأمر الذي فاقم عليه النقمة الشعبية من الداخل، مع تكاثر المعاول المدمرة، من الخارج. وقد تُطبق الكماشة، عاجلا أم آجلا، على ما بقي من قدرته على الصمود، وربما على البقاء.
أما المصيبة الأعظم فهي أنه، برغم كل هذه الأزمات والعثرات والبلاوي المتعددة الخانقة، يصرّ على سعيه لامتلاك السلاح النووي. أليست مهزلة؟ شحاد وخنجرُه في حزامه، كما يقول المثل الشعبي في العراق.
فقد أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أخيرا أن “مخزون اليورانيوم المخصب الذي تخفيه سلطات إيران يتجاوز الحد المنصوص عليه في اتفاق 2015 النووي المبرم مع القوى الكبرى بعشر مرّات”.
وهنا لا بد لنا أن نسأل الولي الفقيه، كيف لا يَتوقع، إذا ما اقترب، فعلا وليس قولا فقط، من امتلاك قنبلة نووية أن تُغافله طائرة مجهولة فتحرق له مفاعلاته في ليلة مظلمة؟
وكيف لا يتوقع أن تظهر قنبلة نووية في الإمارات، وأخرى في السعودية، وهو يعلم بأن المال موجود، والباعة موجودون ومستعدون؟
وهنا وفي نهاية الحساب والكتاب ستكون إيران، حكومة وشعبا، قد اكتشفت، أخيرا، أن أربعين سنة من هدر الأموال والدماء والجهود لحيازة سلاح نووي قد ذهبت أدراج الرياح، ولم يجنِ منها المواطن الإيراني سوى الجوع والمرض والخوف وقلّة الناصر والمعين؟ أليس هذا عمى بصر وبصيرة، وقلة عقل ودين؟