بقلم: د. ماجد السامرائي
الشرق اليوم- يتوهم من يعتقدون أن الأحزاب الإسلامية الشيعية في العراق ستستسلم بسهولة في معركتها ضد ثورة الشباب الممثلين الحقيقيين لشعب العراق، بل إن هذه الأحزاب تعتقد بأن معركتها بدأت ولن تخسرها رغم علامات الهزيمة الفاضحة والجرائم التي ارتكبتها عبر أدواتها الميليشياوية المسلحة، والتي أكدّت أن تلك الأحزاب لا تنتمي إلى أبناء العراق وإلى الحدود الدنيا من معايير العمل السياسي الدكتاتوري أو الديمقراطي، وأن قادتها لا يخجلون من الأوصاف السلبية، من فساد واستبداد وتسليم العراق لإيران التي استعادت أحلامها الإمبراطورية بعد احتلاله عام 2003، بل هم يعتزون بتلك الأوصاف.
لا وجه للمقارنة بين حال البلد في ظل حكمهم الحالي وما كان عليه قبل 2003، منذ تأسيس دولته عام 1921، رغم كل ما قيل ويقال عن دكتاتورية نظام صدام حسين، (1968 – 2003)، من كلام إعلامي كان مدفوعا بهدف إسقاطه بشراكة رخيصة بين واشنطن وطهران، وما زالت دوافعه تتجدد لتبييض وجوه قادة هذه الأحزاب “كمناضلين من ورق” لاستمرارهم بالحكم.
كان العراق، قبل سلطة هذه الأحزاب، موحدا آمنا، واستطاع النظام حينها، رغم الحصار الظالم لأربعة عشر عاما، توفير الحدّ الأدنى من معيشة الناس بكرامة وأمان. وكان الفساد في أجهزة الحكم محرّما ولا وجود لجميع مظاهر التدمير الاقتصادي والاجتماعي التي تسود حاليا في البلاد.
كان الأجدر بقادة هذه الأحزاب الاعتراف بالخطايا بحق الشعب، وإعلان اعتزالهم العمل السياسي، والاكتفاء بما نهبوه وما أصبحوا عليه من حياة باذخة لهم ولأسرهم في القصور، في حين يبحث بعض أطفال العراق عن الطعام بين أكوام القمامة، ويقاوم بعضهم الآخر الأمراض المستعصية والموت الذي يفتك بهم، ويعاني شبابه البطالة، حيث شمل الفقر ثلث سكان العراق وفق شهادة ممثلة الأمين العام جانين هينيس بلاسخارت الأخيرة أمام مجلس الأمن.
تعتقد هذه الأحزاب، خصوصا حزب الدعوة العنوان الرئيسي للسقوط والفشل، أنها قادرة على تجاوز منعطف الإزاحة التاريخية بالتحدّي بأساليب مزدوجة تجمع بين مسلسل القتل والاختطاف وبين السخرية والإهانة الأخلاقية والسياسية لثورة شباب أكتوبر. ولا تجد في التطورات الأخيرة برئاسة مصطفى الكاظمي للوزارة خطرا جدّيا يهدد وجودها ووجود ميليشياتها، لكنها تضع تدابير ذات مخرجات نوعية غير تقليدية في المواجهة السياسية واللوجستية، وملف وجود القوات الأميركية على أراضيه واحد من مظاهر المواجهة رغم سذاجته وانكشاف صلته بالوضع الإيراني الحالي مع الولايات المتحدة.
الثورة الشبابية البيضاء فرضت استحقاقات جدّية أمام رئيس الوزراء، بهدف إزاحة هذه الأحزاب من قيادة البلد، عبر انتخابات مبكرّة بشروط الثورة، وليس بشروط الأحزاب كما يجري حاليا، حيث حوّلت الأحزاب موافقتها إلى تدابير ماكرة للتعاطي مع التبكير الزمني بما يؤمّن لها المستلزمات الفنيّة والقانونية واستثمار خبرتها في التزوير وشراء الأصوات، ولتستفيد من فقدان الانتفاضة لمتطلبات الانتخابات، ولتعود مرّة أخرى كما تعتقد “منتصرة” على خصمها شعب العراق عبر انتخابات تجري بثوب جديد.
من أخطر برامج تلك الأحزاب في الأيام المقبلة التي تسبق الانتخابات المبكرّة، إذا ما تحققت والتي يقودها رئيس حزب الدعوة نوري المالكي، فتح أبواب الفوضى الأمنية وسط وجنوب العراق تحت عنوان “المؤامرة على الشيعة” من أعدائها التقليديين، أميركا والبعثيين، المتمثلين حاليا حسب ادعاءاتهم بالحراك والثورة الشعبية، رغم الحقائق الدامغة برفض الشيعة لقياداتهم وعدم صلتهم بأي من الأحزاب المناوئة للنظام الحالي وبحقيقة صداقة المالكي للأميركيين الذين نصبوه في السلطة بعد إزاحة رئيسه إبراهيم الجعفري، الذي أهدى وزير دفاع المحتل الأميركي دونالد رامسفيلد سيف علي الكرار، وهيأ فصائل الميليشيات الولائية للدخول في صدامات مفتعلة تفتح أبواب الحريق الكبير والانفراد بدخول الانتخابات.
اللعبة المرتبطة بهذا الجهد الميداني الخطير هي زج عدد من الاستعدادات المسبقة في ميدان الانتخابات، لكي لا تخرج من قبضة الأحزاب الإسلامية، وفي مقدمتها تحييد سلطة الكاظمي ومنعه من فتح ملفي الفساد ومخاطر الميليشيات الإيرانية في العراق، خاصة بعد عودته من واشنطن، ومشاغلته بإعلانات غير ذات أهمية حول تشكيل لجان تحقيق والأحاديث الإعلامية الشخصية حول إعادة سيادة القانون وملاحقة المجرمين التقليديين، دون مساس فعلي بما حصلت عليه تلك الميليشيات من مكاسب بعد أن نجحت في الهيمنة على مواقع التأثير السياسية والأمنية.
من الاستعدادات، التي دخلت مرحلة التطبيق منذ أسابيع، اختراق جسم ثورة الشباب في ميادين التحرير ببغداد والناصرية وغيرها من قبل بعض الناشطين الشباب المنتمين إلى أبرز الكيانات الشيعية، خصوصا أنصار مقتدى الصدر الذي سيعاود لعبته التقليدية في مناصرة “الكادحين” رغم عدائه التاريخي مع المالكي وتوافقه مع هادي العامري.
من بين الفعاليات السياسية التي تقودها الأحزاب حاليا بروز دعوات لتشكيلات سياسية حزبية تغلف نفسها بحراك الثورة الشعبية، القسم الأكبر منها مدعوم وموّجه من قبل الأحزاب التقليدية ذاتها لاختراق قطاع الشباب، والخروج المفتعل لبعض قادة الأحزاب الشيعية من الخط الثاني من بطون تلك الأحزاب وبعض كوادر الحشد الشعبي، وطرح عناوين وشعارات جديدة جذّابة تتلاءم مع الهوى الشعبي العام الهدف منها اختراق الانتفاضة وإنهاء فعاليتها المقبلة في الانتخابات.
كانت عمليات اختراق الثورة، وما زالت، من أبرز المخاطر التي تهدد استمراريتها في الأيام المقبلة من خلال دعوة شبابها إلى انتخابات مبكرة، ولسان حال هذه الأحزاب المستكبرة يقول لهم “تريدون انتخابات مبكرة تفضلوا خذوها، ولكنكم ستكونون تحت أجنحتنا، فالمال والسلاح بأيدينا، وأنتم عزّل ليس لديكم سوى شعارات المعارضة وطرد إيران من العراق”.
هناك فرصة تكتيكية أمام قيادات وكوادر ثورة تشرين للمحافظة على زخمها وفق خيارات لا تفقدها مكانتها عند العراقيين، وذلك بالتشديد على قانون انتخابات لا يعطي الفرص الجديدة لذات الأحزاب لتعيد سطوتها، وفضح لعبة المال السياسي والضغط على الكاظمي لتوفير البيئة الآمنة للانتخابات، وعدم الخضوع لإغراءات المال والجاه التي تقدمها الأحزاب، فشباب الثورة لم ينتفضوا للحصول عليها. إذا لم تتوفر هذه الشروط، لا قيمة لانتخابات تكرّس بقاء أولئك المتسببين في دمار البلد.
لا يهم شباب الثورة كما لا يهم العراقيين من يتولى السلطة بعد حل البرلمان وإلغاء جميع المواد الدستورية والقوانين التي كرست الهوية الطائفية والعرقية للعراق، ما يهمهم هو أن تكون المواطنة الهوية العراقية الحقيقية.
لا خيار أمام الثوار الذين قدموا الشهداء وفتحوا أملا جديدا للعراقيين بعد سنوات الإحباط سوى الصمود لإفشال لعبة الانتخابات بثوبها الجديد.