الشرق اليوم– كشف ضباط أميركيون تفاصيل جديدة عن محاولة اقتحام للسفارة الأميركية في بغداد، قامت بها بعض الفصائل المسلحة المقربة من طهران نهاية العام الماضي، وذلك ردا على غارة أميركية استهدفت أحد مقراتها.
وذكر تقرير لمجلة أميركية، أن “أحد الضباط الأميركيين المكلفين بحماية سفارتهم في بغداد، ويدعى مايكل يوهي، أفاد بان الموالين للفصائل المسلحة بدأوا بإلقاء قنابل المولوتوف على الجدار المحيط بالسفارة، في محاولة على ما يبدو لإشعال النار في مستودع وقود السفارة، ثم حاولوا فتح بابين بالقوة على جانبي البوابة الشمالية الشرقية للمجمع”.
وأضاف يوهي، وهو محارب قديم بالجيش يبلغ من العمر 43 عاما من فريدريكسبيرغ بولاية فيرجينيا، انه “اندفع نحو بوابة السفارة في أقصى الشمال للانضمام إلى الضباط الذين يدافعون عن السفارة، في محاولة لصد عشرات الأشخاص من الفصائل الذين نجحوا في اقتحام الأبواب”.
وتابع ان “ضباط الأمن الدبلوماسي كانوا يعلمون أن رجال الفصائل العراقية بدأوا مسيرة لتشيع عناصرهم بالقرب من وسط العاصمة، على طريق على الجانب الآخر من نهر دجلة، مقابل المنطقة الدولية التي تضم السفارة والمكاتب والمساكن الحكومية العراقية الرئيسية”، مبينا انهم “كانوا في حالة تأهب، لكنهم لم يكونوا قلقين بشكل خاص، واعتقدوا أن قوات الأمن العراقية ستمنع الفصائل من عبور الجسر شديد الحراسة الذي يمثل المدخل من وسط المدينة إلى المنطقة الخضراء، ولكن قبل الساعة 10:30 بقليل من ذلك الصباح، تلقى الضابط بأمن السفارة جون هيوي، 41 مكالمة من مسؤول أمني عراقي كان صديقا له، قال له إن الفصائل تقترب من الجسر، ولا يوجد شيء يمكننا القيام به”.
وقال هيوي، إن “المسؤولين سمحوا للمتظاهرين بالمرور، ببساطة، ففي البداية بد امسلحو الفصائل وكأنهم يخططون لمظاهرة سلمية، ونصبوا الخيام واللافتات السياسية، وعلقوا أعلامهم على مبنى سكني عبر شارع الكندي، أحد الأبراج العديدة في المنطقة الحكومية المحمية”.
واكد التقرير أنه بعد ذلك توجه الضابط توماس كورتزويل، إلى البوابة “الزرقاء” كجزء من خطة الأمن المصممة للدفاع عن السفارة، فشاهد عناصر الفصائل يحضرون شاحنات بها خيام، وقال ” حسنا، سيبقون هنا لفترة من الوقت ، لكن سرعان ما أصبح مجمع المباني السكنية، الذي يواجه السفارة، قاعدة عمليات فعلية لمزيج من الفصائل الموالية لإيران، وبدا واضحا لضباط الأمن الدبلوماسي أن أعضاء الفصائل قد خططوا بعناية للهجوم، بعد وقت قصير من نصب خيامهم، بدأوا بشكل منهجي في تدمير الكاميرات الأمنية الخارجية للسفارة”.
وقال إيان ماكينزي، وهو ضابط شرطة سابق في ولاية ميسوري، “كانوا يتجولون بأعمدة كبيرة ويكسرون الكاميرات للحد من رؤيتنا لما كان يحدث من الخارج، في هذا الوقت كان الأميركيين داخل السفارة في حالة تأهب قصوى، واتبعوا مجموعة من بروتوكولات الطوارئ كانوا يتدربون عليها تحسبا لمثل هذه الظروف”، وفق ما نقلته المجلة الأميركية.
وانضم العميل الخاص للأمن الدبلوماسي إيفان تسورومي، الذي قاد قوة الرد السريع في السفارة في ذلك اليوم، لرؤية الحشد بشكل أفضل، في ذلك الوقت، لم يكن العنف قد بدأ، ولكن تسورومي شاهد الآلاف يتجمعون في الخارج، بعضهم يحمل أعلاما وبعضهم يحمل أسلحة، كان معظمهم من الشباب في أوائل العشرينات من العمر، وكان بعضهم يرتدي زي قواتهم.
وتابع تسورومي، بالقول “لقد كانوا منضبطين للغاية وكان لديهم جدول أعمال، بعد أكثر من ساعة بقليل من وصولهم، تجمعوا عند الطرف الشمالي الشرقي من مجمع السفارة، وبدأوا في إلقاء زجاجات المولوتوف في مستودع وقود السفارة الموجود داخل الحائط، على أمل إشعال حريق من شأنه أن يؤدي إلى انفجار هائل”، وأكد ضباط أمن السفارة أنه كان هدفا استراتيجيا بالفعل.
وعاد هيوي، ليقول “كنا نتفادى الصخور، وقنابل المولوتوف بشكل مدهش. على الأقل كانوا يحاولون مراوغتهم. أصيب كل ضابط وعضو في قوات أمن السفارة، فقد كان عناصر الفصائل يقذفون السفارة بقطع من الطوب أو الأرصفة التي كسروها خارج السفارة أو صخور جلبوها معهم، وبعضها سقط على أفراد الأمن وعلى خوذتهم العسكرية، مما أصابهم بقطع وكدمات في الوجه والذراعين والساقين، ولم يتضح على الفور عدد المهاجمين الذين كانوا يواجهونهم أو ما الذي كانوا يحاولون القيام به”.
وأضاف انه “كان من الصعب جدا قراءة الموقف لأننا جميعا على الأرض كان لدينا الكثير من العمل للقيام به، لكننا لم نتمكن حقا من رؤية ما كان يحدث في الخارج”.
وبحسب المجلة الأميركية فقد عمل الضباط على افتراض أن المتظاهرين خططوا لاقتحام المجمع، حيث قال تسورومي، “كنا قلقين من أن يمكن أن يحدث مثل الذي حدث في إيران 1979، حيث تم احتلال السفارة واحتجز 98 أميركيا”، وأشار إلى ان “الفرق أننا كان لدينا عدة مئات من الأرواح التي كنا مسؤولين عنها، وربما لن نتمكن من الإخلاء في الوقت المناسب إذا لم نتمكن من صد هؤلاء الأشخاص”.
وتابعت المجلة انه “بعد مهاجمة محطة الوقود، تحرك المتظاهرون عبر محيط السفارة إلى هدفهم التالي: المدخل الشمالي الشرقي، المعروف رسميا بالبوابة الحمراء، وهو أحد المداخل الثلاثة التي سيهاجمونها في ذلك اليوم، تحصن الموظفون الموجودون داخل المدخل الأمني الذي يشبه علبة الدواء في البوابة، كما نص بروتوكول الطوارئ، لكن المتظاهرين تمكنوا من فتح بابين بالقوة على جانبي البوابة الفولاذية”.
وبينت انه “على الفور، شكل 10 أفراد من أمن السفارة نصف دائرة حول عناصر الفصائل الذين دخلوا إلى الداخل، وحاولوا طردهم، أطلقوا النار بمجموعة من الأسلحة غير الفتاكة، وقنابل الغاز المسيل للدموع؛ والكرات اللاذعة، وهي كرات مطاطية كثيفة تطلق من قاذفات القنابل اليدوية، وعادة ما تستهدف الأرض لترتد وتضرب المتظاهرين في الركبتين أو الأمعاء، وبالفعل نجحوا في إجبار الموجة الأولى من المهاجمين على العودة إلى الشارع، ولكن سرعان ما اقتحمت موجة ثانية من حوالي 50 شخصا”.
وأشار تقرير المجلة إلى ان ” الضابط هيوي كان قلقا من أن فريقه على وشك أن يتم تجاوزه، وإذا حدث ذلك، فقد كان قلقا من استمرار فريق الأمن كانت مباني السفارة أعلاه تستدعي استخدام القوة المميتة، والتي كان يخشى أن تؤدي إلى إطلاق النار من رجال الفصائل المسلحين الذين رآهم في الشارع، والذين كانوا حريصين على عدم الاقتراب من مجمع السفارة، حيث قال أطلقنا ضربة قوية حقا من الذخائر الأقل من الفتاكة على الحشد ، لكن المشاغبين استمروا في القدوم”.
وتابع انه “في ذلك الوقت شاهد هيوي قوات مكافحة الإرهاب العراقية تشق طريقها من الشارع عبر عناصر الفصائل، وكانوا يحاولون إخراجهم من المجمع، وقال في تلك المرحلة، أصبح واضحا جدا بالنسبة لي أننا بحاجة إلى استعادة السيطرة مع إعطاء قوات مكافحة الإرهاب العراقية بعض المساحة للعمل في طريقهم عبر الحشد وإقناعهم بالخروج من المجمع، وبالفعل تمكن أمن السفارة بالتعاون مع قوات مكافحة الإرهاب العراقية من طرد رجال الفصائل”.
وبين انه “بعد دفع المتظاهرين خارج أسوار مجمع البوابة الحمراء، انتقل المتظاهرون إلى بوابتين أخريين، المدخلان الأزرق والقنصلي، ودمروا مباني الاستقبال الخاصة بهم، ثم استخدموا سقفا معدنيا بالخارج كمنحدر للتسلق فوق حائط، ولكن لم يتمكن المتظاهرون من دخول مجمع السفارة بنفس الأرقام الموجودة عند البوابة الحمراء، لكنهم استمروا في المحاولة لساعات”.
ووفقا للضابط تسورومي، فقد “كان ما تبقى من اليوم نوعا من الهجمات المتقطعة. فقد قاموا بإلقاء المزيد من القنابل الغازية وآلاف الصخور بحجم لعبة البيسبول، والمهمة الدفاعية كانت بمثابة ماراثون، وكنا وحدنا هناك دون أي مساعدة لمدة 10 ساعات تقريبا، فقط نعمل بشكل خلاق”.
وبحسب التقرير فان “ما لم يستطع هؤلاء الضباط معرفته في منتصف القتال على الأرض هو أن الجيش الأميركي كان لديه فرق على أهبة الاستعداد في العراق والخليج وأوروبا وحتى في الولايات المتحدة لإجلاء الدبلوماسيين إذا لزم الأمر، ففي واشنطن، كان كبار المسؤولين في وزارة الخارجية، بمن فيهم وزير الخارجية مايك بومبيو ومبعوث إيران برايان هوك، يشاهدون الحصار من عدة كاميرات بقيت داخل السفارة”.
ونقلت المجلة الأميركية عن مسؤولين عراقيين قولهم، انهم “عملوا بأسرع ما يمكن لتهدئة الموقف، الذي يصرون على أنه أكثر رمزية من كونه خطرا حقيقيا على من في الداخل”، وقال أحد مساعدي رئيس الوزراء آنذاك عادل عبد المهدي، إن “الضربات الجوية الأميركية ضد الفصائل المسلحة، والتي نفذت دون إخطار رئيس الوزراء، خلقت مستوى من الغضب داخل الرتب الحكومية كان يجب التعامل معه بحذر”.
وأوضح التقرير أنه وقتها لم يكن لدى ضباط الأمن الدبلوماسي المكلفين بالدفاع عن مجمع السفارة المترامي الأطراف الذي تبلغ مساحته 104 فدانات على الضفة الغربية لنهر دجلة، أي وسيلة لمعرفة أن قوات الأمن العراقية، المكلفة بالحفاظ على الجزء الخارجي من السفارة، سوف تستسلم وتسمح للمتظاهرين من الموالين للفصائل بالتدفق إلى المنطقة الدولية التي تضم المجمعات الدبلوماسية والعسكرية الأميركية الرئيسية.
وبين أنه “على مدار 10 ساعات نجح فيها أفراد الأمن بالسفارة بصد هذا الهجوم، كان كل ما يدور بتفكيرهم وهو كيفية منع تكرار مأساة اقتحام السفارة الأميركية في بنغازي الليبية في أيلول 2012، والذي أودى بحياة السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين”.
وأشار التقرير إلى ان الضباط الستة، الذين قادوا فريق الاستجابة للطوارئ في السفارة المكون من حوالي عشرين متعاقدا أمنيا في ذلك اليوم، رشحوا لجوائز تطبيق القانون الفيدرالية لشجاعتهم، ولأنهم نجحوا في صد الهجوم دون أن يفتح أي من عشرات المارينز المتمركزين على الأسطح النار على الفصائل، لأن ضباط الأمن الدبلوماسي وفرقهم والقادة العسكريين الأميركيين يعلمون أن خطوة واحدة خاطئة يمكن أن تحول المشهد إلى حمام دم، وتسبب في اندلاع معارك مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران.
وتم ترشيح فريق أمن بغداد بأكمله لجائزة البطولة التي تمنحها وزارة الخارجية لحفاظهم على هدوئهم في مواجهة خصم كان يحاول حثهم على العنف، وفق ما ذكرته المجلة الأميركية.