BY: Marc Galeotti – The Moscow Times
الشرق اليوم- حتى كتابة هذه السطور، لا يزال “أليكسي نافالني” يصارع للبقاء على قيد الحياة بعد تسمّمه على ما يبدو غداة مغادرته مدينة “تومسك”، حيث يظن الكثيرون أن ما أصابه من تخطيط الكرملين، لكن تبرز حقيقة مزعجة أخرى: لم يعد الاغتيال السياسي حكراً على الدولة في عهد فلاديمير بوتين.
لا يمكن استبعاد تورط الكرملين طبعاً، لكن لطالما زعم نافالني شخصياً أنه لا يزال على قيد الحياة لأن موته يطرح مشكلة أكبر على النظام، ولم تتغير هذه الحقيقة على الأرجح، حتى أن الدولة الروسية تبدو متفاجئة بما حصل.
في البداية، اعترف الأطباء بتعرّض نافالني لشكلٍ من التسمم ثم تكلموا عن اختلال توازن السكر في دمه، ففي البداية أعلنت الشرطة أن المسألة بسيطة ثم اعترفت بوجود آثار غير متوقعة لمادة كيماوية. فقد كان نافالني ممنوعاً من السفر على اعتبار أن سفره يُعرّض سلامة الآخرين للخطر، ثم اعتُبر سفره تهديداً لسلامته الشخصية، وفي البداية أيضاً أكدت نشرات الأخبار أنه لم يتعرض للتسمم ثم زعم كبير الإعلاميين ديمتري كيسيليوف أن الأمريكيين أو البريطانيين سمّموه.
مثل هذه الأحداث تكررت حين نظّم رئيس شركة “روسنفت”، إيغور سيتشين، “اغتيالاً” سياسياً ضد وزير التنمية الاقتصادية، أليكسي أوليوكاييف، في عام 2017 بعد إلباسه تُهَم الفساد والحكم عليه بتمضية ثماني سنوات في مستعمرة عمالية تخضع لنظام صارم.
فهذا الوضع هو جزء من الآثار الجانبية القاتلة لنظام “الأدهقراطية”، ومن المعروف أن نظام بوتين في جوهره غير مؤسسي، حيث يرغب الجميع في إرضاء الرئيس وتكون الاستفادة من المسؤولين أهم من الأدوار والمسؤوليات الرسمية.
وهذا الوضع يوسّع هامش المرونة والمبادرات لكن على حساب الازدواجية والتحكم بمقاليد السلطة، بحيث تتحرك الشخصيات الطموحة بدافعٍ من مصالحها الشخصية وتقوم بما يريده بوتين بحسب قناعاتها أو تجد طرقاً أخرى لتبرير مصالحها وإثبات تماشيها مع مصالح الدولة.
في قضية نافالني، يكثر الأعداء المحتملين: هل هو شخص كان نافالني يجري تحقيقاً عنه واكتشف فيديوهات تفضح فساده الرسمي، ثم افترض المرتكب أن الكرملين سيسامحه على تحركه المباشر؟ أم شخصية سياسية كانت تخشى تكتيكات نافالني الانتخابية أو افترضت أن الكرملين سترغب في إخراجه من المعادلة؟ أم أن المذنب هو واحد من أكبر وحوش النظام، مما يعني أنه مسؤول لا يهتم برأي الرئيس الذي ضعفت صلاحيته بكل وضوح في الفترة الأخيرة أو يظن أنه يستطيع الاتكال على تساهل رئيسه معه؟
ما من معلومة مؤكدة حتى الآن، مع أن جميع الحقائق تنكشف دوماً في التاريخ الحديث، حيث يشير الوضع القائم في مطلق الأحوال إلى واحد من أخطر جوانب نظام بوتين وأكثرها إثارة للقلق، لا سيما حين يبدو الرئيس بحد ذاته عاجزاً أو أقل استعداداً لأداء دور صانع القرار الأساسي وكبح جماح الجهات الأكثر إجراماً داخل نظامه.
الدولة القاتلة ظاهرة مريعة، لكن يمكن رصد خطوطها الحمراء دوماً وقد تتعرض للمحاسبة في نهاية المطاف، لكنّ الدولة التي تسمح لمجموعة واسعة من اللاعبين والمصالح بتنفيذ عمليات قتل من دون حسيب أو رقيب تُعتبر أكثر اضطراباً لأن الخطوط الحمراء قد تكون غير مرئية ومتداخلة ومتبدّلة، وتصبح المحاسبة في هذه الحالة أكثر صعوبة.