الرئيسية / الرئيسية / (نحن) و(هم)

(نحن) و(هم)

بقلم: محمد عبد الجبار الشبوط

الشرق اليوم- يُكثر العراقيون من استخدام ضمير الجمع الغائب (هم) وما يتصل به من الأفعال الخمسة المعروفة، فيما يتسم بالغموض ضمير المتكلم الجمع (نحن).

يفترض أن يشير الضمير نحن الى الجماعة البشرية، المجتمع، الأمة، الجمهور، الشعب. وهذه كلمات تستخدم بكثير من التسامح للاشارة الى سكان البلد المعروف في وثائق عصبة الأمم سابقا والأمم المتحدة حاليا باسم العراق، المملكة العراقية، الجمهورية العراقية، جمهورية العراق.

ينسب الى ملك العراق الأول الملك فيصل قوله: إنه لم يجد مصداقا لهذه الكلمات في هذه المنطقة. فهذا “الشعب” الذي جاء الملك فيصل لحكمه مؤلف من جماعات بشرية، أطلق عليها مؤسسو الجمهورية الثالثة عنوان “مكونات” وهي لفظة استخدمها دستور عام 2005 في مادته التاسعة التي تقول: “تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييزٍ أو إقصاء”. وبهذه المادة يكون دستور الدولة قد الغى مبدأ المواطنة، ورضي الذين صوتوا لصالح الدستور بذلك، لأنهم ليسوا مواطنين، إنما هم أفراد في مكونات. المواطن ينتمي الى الوطن، فيما ابن المكون ينتمي الى القومية أو الدين أو الطائفة. 

يستحيل إقامة دولة حضارية حديثة بدستور يقصي المواطنة! تقاسم الناس “الوطن” على أساس عرقي أو طائفي أو حتى ديني في بعض المناطق. فهناك مناطق عربية وأخرى كردية وثالثة تركمانية. وهناك مناطق شيعية وأخرى سنية؛ بل توجد أيضا مناطق مسيحية. لتكوين أمة أو شعب لا بد من توفر حد ادنى من الاندماج المجتمعي. والاندماج يتحقق عن طريق العيش المشترك في نفس المناطق، أو التزاوج المختلط، أو الروابط الاقتصادية المتداخلة. ويتحقق ذلك ربما بالاستناد الى فكرة رينان عن الأمة، التي تقترح معنى التاريخ الخاص: “الذكرى الخاصة بجماعة من الناس أنهم صنعوا بعض الأشياء سوية، وأنهم يريدون صنع أشياء أخرى في المستقبل”، كما يقول فرناند دومون في كتابه “الايديولوجيا”. عراقيا، نستطيع أن نعتبر ثورة العشرين أول مفردة في ذاكرة عراقية مشتركة. فقد كانت حدثا قام به العراقيون بهذه الصفة. لكن يبدو أن الأمور لم تجرِ على ما يرام بعد ذلك. فقد انفصلت الذاكرة العربية عن الذاكرة الكردية، وانفصلت الذاكرة السنية عن الذاكرة الشيعية، والذاكرة الإسلامية عن الذاكرة العلمانية، وفي هذه الاخيرة كما في التي سبقتها ذاكرات فرعية كثيرة، متصارعة فيما بيننا، وكتبت بعض صفحاتها بالدم والظلم والاضطهاد والتشريد والتعذيب. وبهذه الانفصالات، تبدو الأن ثورة العشرين هي المفردة الاخيرة في ذاكرة العراقيين المشتركة.

حسنا، إذا كان التاريخ لا يسعفنا  بمساحات واسعة من الذاكرة المشتركة، فلم لا نرسم صورة للمستقبل نوحد إرادتنا من أجل صنعها، ونعلن نحن العراقيين أننا نريد أن نصنع ذات الشىء في المستقبل، يستوعب كل العراقيين، يوحدهم ويجمعهم ولا يفرقهم أو يشتتهم. هذا يستلزم  أمرين: أولا؛ التخلي عن الأشياء الخاصة الأصغر، التي قد يحلم بها كل مكون لنفسه، وثانيا؛ بناء فكرة أو هدف اكبر قادر على أن يوحد العراقيين ويجمعهم. ولبناء هذه الفكرة سوف أستعير نموذج جاك ميرلو بونتي المؤلف من عنصرين هما: “المستند العقلاني” و”البعد القيمي”. فأما المعادل الموضوعي للأول فهو المركب الحضاري المؤلف من خمسة عناصر في مقدمتها الشعب (الإنسان، المجتمع)، والوطن (الأرض)؛  والمعادل الموضوعي للثاني هو منظومة القيم الحضارية العليا الحافة بالمركب الحضاري.

 وعلى أساس هذين المبدأين أطرح فكرة الدولة الحضارية الحديثة التي يمكنها أن تكون هدفا أوسع من الأهداف الأضيق التي اشتغلت عليها شرائح منفصلة من العراقيين وتصارعت بسببها،  وخلقت ذاكرات منعزلة عن بعضها البعض الأمر الذي أعاق ويعيق اندماجهم في أمة واحدة أو شعب واحد.

يتبع…

شاهد أيضاً

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

العربية- هدى الحسيني الشرق اليوم– يقول أحد السياسيين المخضرمين في بريطانيا، المعروف بدفاعه عن حقوق …