الشرق اليوم- تداهم إقليم كردستان العراق انتفاضة شعبية، على غرار تلك التي اندلعت خريف العام الماضي في مدن وسط وجنوب العراق، ولم تخمد بعد بشكل نهائي رغم التراجع النسبي في زخمها.
ورغم الوضع شبه المستقل الذي يحظى به الإقليم الكردي الواقع بالشمال العراقي، إلّا أنّ الأوضاع السائدة فيه لا تقل سوءا عن تلك الموجودة في عموم العراق وهي ناتجة عن نفس الأسباب من فساد وهدر للمال العام وسوء تصرّف في الموارد.
ويعاني إقليم كردستان، كما هي حال باقي المحافظات العراقية، من أزمة مالية حادة أثرت بشكل كبير على صرف رواتب الموظفين بصورة منتظمة بسبب تراجع إيرادات النفط الناجمة عن تدني أسعاره، فضلا عن تأثيرات تفشي فايروس كورونا على النشاط الاقتصادي والوضع الاجتماعي.
وأسفرت صدامات شهدتها محافظة السليمانية بين محتجين وقوات الأمن عن سقوط عدد من الجرحى. وخرجت مجاميع من شباب المحافظة إلى الشارع احتجاجا على سوء الخدمات والبطالة وأضرموا النيران بمدخل مقر الحكم المحلي في قضاء كلار في السليمانية.
وبادرت قوات الأمن بإطلاق الرصاص الحي لتفريق المحتجين ما تسبب في إصابة خمسة منهم على الأقل بجروح.
ويهيمن على مقاليد الحكم في كردستان العراق الحزبان الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، اللذان تحوّلا إلى حزبين عائليين، حيث يتبع الأول أسرة آل البارزاني بقيادة مسعود البارزاني الرئيس السابق للإقليم، فيما يسيطر على الثاني ورثة الرئيس العراقي الأسبق جلال الطالباني.
ويقول معارضون لحكم الأسرتين إنّ أفرادهما يتحكّمون بمقدّرات الإقليم كما لو أنّها ملكية خاصّة لهم، كما يتهمونهم بالفساد والمسؤولية عن سوء الأوضاع الاجتماعية.
وحمّل المحتجون في شعاراتهم الأحزاب السياسية مسؤولية الفساد والأزمة الاقتصادية في الإقليم، بينما ردّت السلطات بإدانة ما قالت إنّه أعمال تخريب للمرافق والممتلكات العامة رافقت الاحتجاجات.
واعتبر رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني، أنّ إحراق وتخريب الممتلكات والمال العام وممتلكات المواطنين يدخل في خانة الإجرام، متوعّدا مرتكبي جرائم تدمير المباني العامة والخاصة بأن يطالهم القانون.
لكنّ الحكومة الكردية أشارت في المقابل إلى أنّ البارزاني أجرى اتصالا هاتفيا مع المسؤولين المحليين في السليمانية لمناقشة الوضع الصحي والخدمي في المحافظة.
ويقول متابعون للوضع في إقليم كردستان العراق إنّ حكومته لا تمتلك الكثير من الخيارات لإخماد موجة التظاهر في حال اشتدت وبلغت الزخم الذي بلغته مثيلتها في مدن وسط وجنوب العراق في أوقات سابقة، خصوصا وأنها لا تمتلك الوسائل المادية للاستجابة لمطالب المحتجّين.
وما عمّق أزمة الإقليم عملية التدقيق التي أصبحت السلطات المركزية في بغداد تمارسها قبل تحويل حصته من ميزانية الدولة، إذ تشترط بغداد التزام أربيل بتسليمها العائدات المتأتية للإقليم من بيع النفط الخام قبل أي عملية تسليم للمستحقات. كما تشترط إثبات السلطات الكردية وصول الرواتب إلى مستحقيها الفعليين وعدم تحويل قسم من الأموال إلى موظفين وهميين.
ويحذّر مراقبون من اتباع أسلوب القمع الذي طبّقته السلطة المركزية العراقية ضد المحتجّين، والذي لم يكن فاعلا في إخماد الانتفاضة الشعبية رغم ضراوته ومشاركة الميليشيات المسلّحة في تنفيذه باختطافها وقتلها قادة الحراك الاحتجاجي والناشطين البارزين فيه.
وغير بعيد عن ذلك الأسلوب، دشّنت السلطات الكردية حملة ضد وسائل الإعلام التي تغطي الاحتجاجات المناهضة للحكومة، بحسب صحافيين ومدافعين عن حقوق الإنسان في الإقليم.
ومن جهتها دعت المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان في العراق، الاثنين، سلطات إقليم كردستان والمتظاهرين، إلى الحوار وضبط النفس.
وجاء ذلك في بيان صادر عن المفوضية المرتبطة بالبرلمان عقب أحداث العنف والمواجهات بين المحتجين وقوات الأمن في السليمانية.
وأضاف البيان أنّ “المفوضية تنظر بقلق للتظاهرات في الإقليم، وتبدي أسفها على الأحداث المصاحبة لها، خصوصا الصدامات التي خلفت سقوط العديد من الجرحى في صفوف المتظاهرين وقوات الأمن”.
كما طالبت المفوضية حكومة الإقليم “بإيجاد حوار مشترك مع المتظاهرين والنظر في مطالبهم المشروعة والمنادية بالقضاء على البطالة وصرف رواتب الموظفين وتحسين المستوى المعيشي”.
ودعت قوات الأمن بالإقليم إلى “اتخاذ أقصى درجات ضبط النفس والمتظاهرين إلى الالتزام بضوابط التظاهر السلمي والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة”.
ويظهر امتداد الاحتجاجات من جنوب العراق ووسطه إلى شماله انتشار حالة الغضب الشعبي بين مختلف سكان مناطق البلاد رغم الاختلاف الجزئي في أوضاعهم ودرجة معاناتهم.
وكانت مدن إقليم كردستان قد شهدت شتاء سنة 2017 تظاهرات حاشدة للمطالبة بتحسين المعيشة وصرف الرواتب المتأخرة. وتم إحراق مقار الأحزاب الكردستانية في تلك المدن. واستخدمت القوات الأمنية العنف لتفريق المتظاهرين ما أدى إلى مقتل وجرح عدد منهم.
وفي ربيع العام الموالي شهدت مدن وبلدات الإقليم احتجاجات شعبية على نظام الادخار الحكومي للرواتب. بعد أن لجأت حكومة الإقليم إلى هذا النوع من “الادخار” الإجباري لعجزها عن توفير الرواتب كاملة.
المصدر: العرب اللندنية