بقلم: أ.د نبأ الدلوي
الشرق اليوم- وردت على مسامعنا الكثير من أنواع اﻷميات؛ مثل أمية القراءة والكتابة، وأمية العلم والمعرفة، واﻷمية الثقافية، واﻷمية السياسية واﻷمية الدينية
لكننا اليوم نعيش ظاهرة اﻷمية اﻷخلاقية .
إذ أننا عندما نرى جيل اليوم من اليافعين وتعاملاتهم الاجتماعية وسلوكياتهم الشخصية تتضح لنا معالم الأمية الأخلاقية في السلوك اليومي لهم. وهي تعكس النسق اﻷخلاقي والتربوي السلبي الذي ساد في مجتمعنا وأنتج لنا هذا النوع من الجيل. وكذلك الظروف التي أدت الى هذه النتيجة المأساوية
فالإنسان اليوم أصبح سجين غرائزه باحثاً عن اللذة والمتعة بأي وسيلة، وهو ينحدر نحو الهاوية بدون توقف أو ردع. وأصبحت النزعة العدوانية سائدة كخطاب متداول بين الأفراد، خطاب العنف والدم رائج بكثرة بسبب أو بدونه، كتعبير عن رفض الواقع المعيشي أو الرأي المخالف بسلاح العنف اللفظي والمادي.
وأصبحنا نشاهد جرائم بشعة في وضح النهار واعتداءات سافرة على المنشآت العمومية ولم يقتصر خطاب العنف والسلوك الغير مقبول على عموم المواطنين، بل انتقل إلى الطبقة السياسية والنخبة المثقفة، إذ أصبحت المنابر الإعلامية واجهة لتبادل الشتائم والالفاظ البذيئة وحتى التهديد بالاستئصال بعيداً عن التحاور المعقول والمنطق العقلي وتقبل الرأي الآخر، والبحث عن الحلول للمشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
للأسف المجتمع أصبح مسرح كبير لكل المظاهر الاخلاقية السلبية الضاربة لكل القيم النبيلة عرض الحائط، فلا صداقة أصبحت رمز للوفاء، وغلبت الانتهازية والنفعية على طباع البشر، المصلحة الذاتية فوق مصلحة المجموعة. والبحث عن أسهل الطرق للنجاح بدون تعب أو اجتهاد وذلك لسيطرة غريزة الأنا على شخصية الفرد، وطمس معالم العقلانية في سلوكه الحياتي اليومي.
والمصيبة الأكبر أن المدرسة الأولى والحاضن الأول للفرد وهي العائلة تعرضت الى تحطيم وتفكيك فقد أصبحت في وقتنا الحالي فاقدة لكل أهلية ورمزية قيمية أو أخلاقية وصورة سيئة داخل المجتمع، بتفككها مادياً ومعنوياً وقد ساهمت التكنولوجيات الحديثة. ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في تهشيم صورة الأب التاريخية، فلم يعد الأب الشخص القوي والملهم لصغاره، بل قل احترامهم له وأصبح الأبناء خارج السيطرة الأبوية ليكون الشارع هو الحاضن والمربي وتكون دروس الرذيلة، الغش والانتهازية أولى الدروس التي يتلقاها الفرد لنحصل على نتيجة وخيمة وكارثية ويتحول قانون الغابة هو السائد، البقاء للأقوى وأي قوة، إنها قوة تحطيم الأفضل، قوة تمجيد السارق والفاسد على حساب المتفوق والمثقف الذي أصبح بلا قيمة ولم يعد يحمل صفة الأنموذج. ويوم بعد يوم يزداد الوضع إسوداداً وبشاعة، وأصبحنا نعيش انقلاب قيمي وأخلاقي ساهم بتدهور التعليم مساهمة فعالة وسبب انتكاسة رهيبة للحالة الاجتماعية، بالإضافة لابتعاد الفرد عن المصادر التي تدعوه إلى الاستقامة وتحدد له سبل الرقي الفكري والأخلاقي. والتمسك بمبادئ الخير والفضيلة والعدل التي هي من صميم الأخلاق بغض النظر عن ديانة أو مذهب يعتنقه الفرد، بل إن الأخلاق هي أهم أسباب نهضة الأمم والشعوب ورقيها وازدهارها. وما قامت الحضارات وازدهرت في الأرض إلا لأنها رفعت شعار الفضيلة والعدل، ورفع الظلم عن الفقير والمساواة بين الناس…
فالأخلاق هي جزء أساسي وجوهري في حياة الشعوب، وعند تدهور المبادئ الأخلاقية عند الشعوب سيؤدي حتما إلى فساد الأمم وزوال بريقها وألقها وأسباب قوتها وعزها.