BY: Michael Brigent – Arab News
الشرق اليوم- من المقرر أن يزور رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، واشنطن قريباً، رغم أنه لم يُحدد له موعد ولم توجه إليه دعوة حتى الآن. لذلك فهو يحاول جاهداً قول كل الأشياء الصحيحة من أجل تأمين لقاء مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
العراق في وضع أسوأ مما كان عليه قبل أسبوعين. وخلال الأسبوع الماضي، اندفع بندان إلى رأس القائمة في جدول أعمال زيارة الكاظمي إلى الولايات المتحدة: هجمات كتائب حزب الله المستمرة على الولايات المتحدة والعراقيين، ودعوات الكاظمي لإجراء انتخابات مبكرة، والتي لن تسمح كتائب حزب الله وحلفاؤها في مجلس النواب العراقي بحدوثها.
والبند الرئيسي في جدول أعمال ترامب هو أن يفعل الكاظمي شيئاً حيال الميليشيات التي يفترض أنه يقودها بصفته القائد العام للقوات المسلحة في العراق. حيث أن الميليشيات التي تقع تحت سلطة جهاز الأمن الحكومي تشن هجمت ضد الأفراد الأمريكيين في العراق الموجودين هناك للمشاركة مع حكومة بغداد في ضمان إلحاق هزيمة دائمة بتنظيم داعش. وقد أصبحت تلك الميليشيات الآن تمثل تهديداً للولايات المتحدة والعراقيين أكثر من داعش.
ويريد ترامب معرفة ما إذا كان لدى الولايات المتحدة شريك في العراق، وهو على استعداد لسحب القوات الأمريكية من العراق إذا استمر هذا “الشريك” في تخييب التوقعات. فالجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء يبحثون عن سبب لإنهاء هذه التجربة، ولن يكون ذلك دون ثمن بالنسبة لبغداد وطهران.
ويشير إجراءان قام بهما مجلس النواب الذي يقوده الديمقراطيون إلى فك الارتباط إذا لم يتغير شيء. حيث صوت الديمقراطيون على خفض تمويل مهمة الولايات المتحدة في العراق بمقدار 145 مليون دولار، وتمكن النائب الجمهوري جو ويلسون، من تمرير تعديلين يضمنان عدم وصول دولار أمريكي واحد إلى أي مؤسسة في العراق يمكن للميليشيات الحصول على الأموال من خلالها، ما يعني أن وزارتي الدفاع والداخلية ستكونان الأكثر تضرراً.
والولايات المتحدة موجودة في العراق من أجل التعامل مع تنظيم داعش بموجب تفويض من الأمم المتحدة، لكن التهديد الأكبر للقوات الأمريكية يأتي من الميليشيات التي تدفع الحكومة العراقية رواتبها، ومن المفترض أنها تسيطر عليها. وتُعد كتائب حزب الله جماعة إرهابية مدرجة، وهي تشن هجمات على الأمريكيين وتقتل العراقيين وتهدد الكاظمي الآن بالاغتيال، حيث تعهدت بمحاسبة رئيس الوزراء على مقتل قاسم سليماني، ومؤسس كتائب حزب الله، أبو مهدي المهندس، في غارة أمريكية بطائرة مسيرة في أوائل يناير.
وقد تجاهل الكاظمي التهديدات على حياته، لكنه ليس على استعداد لمواجهة الميليشيات القوية. ويعتقد معظم العراقيين -وكذلك تشير الأدلة- أن كتائب “حزب الله” هي الميليشيا المسؤولة عن اغتيال مستشار رئيس الوزراء، والمحلل الخبير هشام الهاشمي، الشهر الماضي. ويقول مراقبون عراقيون: إن حياة الكاظمي ستكون معرضة للخطر إذا لمّح مجرد تلميح بأن كتائب حزب الله مسؤولة عن اغتيال الهاشمي.
ولهذا السبب بالضبط يجب على الكاظمي أن يتصدى للميليشيات؛ إذ لا يجوز لأي كيان داخل قوات الأمن العراقية أن يهدد علانية بقتل رئيس الوزراء دون أن يكون لذلك عواقب. وإذا كان الحال كذلك في العراق -حيث لا يستطيع القائد العام للقوات المسلحة استخدام قوات الأمن العراقية لمواجهة ميليشيا تابعة للحرس الثوري الإيراني- فيجب على الولايات المتحدة إذا أن تسحب كل الدعم، وتضع الحكومة العراقية في موقف غير مواتٍ اقتصادياً، مع مواصلة دعم الحلفاء التقليديين والجدد في العراق الكبير.
وسوف يؤثر سحب الدعم المالي الأمريكي للحكومة العراقية ومعاقبة المؤسسات العراقية – حيث تقوم مجموعات مثل كتائب “حزب الله” بتمرير الدولارات الأمريكية إلى طهران- على إيران والأحزاب السياسية الموالية لها في العراق. كما أن المتظاهرين يطالبون الكاظمي بمحاسبة الميليشيات، ويريدون من الولايات المتحدة إنهاء دعمها للوضع القائم، ويريدون إجراء انتخابات جديدة لوضع حد لتدخل إيران في شؤون العراقيين، ويريدون ذلك الآن على الفور.
ومن المكونات الرئيسية لوضع الكاظمي المؤقت كرئيس للوزراء هو الدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة، واعتقال المسؤولين عن قتل المتظاهرين العراقيين، وكبح جماح الميليشيات الموالية لطهران. وقد قال الأشياء الصحيحة بالفعل، لكن أفعاله وتقاعسه هي المهمة.
دعونا ننظر إلى العراق قبل زيارة الكاظمي إلى الولايات المتحدة: عاد المتظاهرون مرة أخرى إلى الشوارع مطالبين بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتوفير المياه والكهرباء وفرص العمل، وتحرير العراق من التدخل الإيراني.
وما زال المتظاهرون العراقيون يتعرضون للقتل والتعذيب، والخطف مقابل الفدية، والاختفاء والاعتقال على يد المليشيات وقوات الأمن. وهكذا فإن القوات التي تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة العراقية تعمل خارج إرادته عن سابق تصميم.
وقد طالب الكاظمي بإجراء تحقيقات في أعمال العنف التي استهدفت المتظاهرين. واعتقل أعضاء الميليشيات في مناسبتين باستخدام القوات الخاصة العراقية، لكن ما لبث أن أطلق سراحهم خلال 48 إلى 72 ساعة. وجاء ذلك بعد ضغوط قوية من طهران وكتائب “حزب الله” وتحالف الفتح” الذي يقوده هادي العامري زعيم منظمة بدر.
ورئيس الوزراء الآن في وضع يمكن التنبؤ به: ليس لديه السلطة لفعل أي شيء ضد أولئك الذين وضعوه في السلطة. إذ أن إيران تسيطر على النظام البرلماني العراقي منذ انتخابات 2018. وكان لديها سيطرة رخوة على حزب الدعوة الذي يقوده نوري المالكي، لكنها تعززت مع وصول الميليشيات إلى السلطة في عام 2018 عندما تغلب تحالف الفتح على تحالف النصر الذي يقوده رئيس الوزراء آنذاك، حيدر العبادي.
وقد خسر العبادي -الذي كان القائد العام خلال الحملة ضد تنظيم “داعش”- الفضل في هزيمة التنظيم لصالح الميليشيات التي كان يقودها سليماني من خلال المهندس والعامري. ومن المفارقات أن لقب “رجلنا في بغداد” أعطي للكاظمي من طهران والرياض، وواشنطن أيضاً.
ومنحت انتخابات 2018 الأحزاب السياسية المرتبطة بطهران السيطرة على مجلس النواب العراقي. ورغم أن تحالف سائرون الذي يقوده مقتدى الصدر، حل في المرتبة الأولى، إلا أن طهران لم تشعر بالقلق، لأنها دائماً ما أظهرت القدرة على دفع الصدر لدعم موقفها. فجمع ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي، وتحالف الفتح الذي يقوده العامري، الصدر والعبادي وعمار الحكيم زعيم تيار الحكمة لتشكيل أكبر كتلة في البرلمان، المعروفة باسم كتلة البناء.
وترتدي الميليشيات الآن البدلات الرسمية في مجلس النواب؛ فهم يمتلكون السيطرة ولهم السيادة. والبرلمان هو الذي سيقرر ما إذا كان سيجري إصلاح انتخابي وانتخابات مبكرة، وليس رئيس الوزراء. لكن هناك سبباً لدعم الميليشيات للكاظمي: إنهم ليسوا قلقين حياله، لأنهم يمتلكون القوة كلها.
تريد الولايات المتحدة والعراقيون انتخابات مبكرة حرة ونزيهة، لكن إيران لا تريد ذلك. والعراقيون على استعداد للموت من أجل التحرر من الأحزاب السياسية والدينية الفاسدة التي تعطي الأولوية لمصالح طهران بدلاً من مصالحهم. وينبغي على الولايات المتحدة الاعتراف بالتضحيات التي قدمها العراقيون الذين استرداد السيادة من إيران من خلال تسليط الضوء على الفظائع التي ارتكبتها الميليشيات وقوات الأمن العراقية.
وتريد واشنطن وبغداد أن يتصدى الكاظمي للميليشيات الموالية لإيران، بينما لا تريد إيران ذلك. وقد ولت الحجج الضعيفة التي تقول: إن التصدي لوكلاء إيران سوف يلم شمل العراقيين حول العلم دعماً للميليشيات، وبات هذا المنطق قديماً ومستنزفاً ومفضوحاً بعد مقتل سليماني والمهندس. فلم يلتف العراقيون حول العلم، بل طالبوا بدلاً من ذلك أن تستهدف الولايات المتحدة المزيد من زعماء الميليشيات.
ويجب على الولايات المتحدة أن تطالب الكاظمي بمواجهة الميليشيات التي تهدد قواتها وسيادة العراق، ويجب على البيت الأبيض أن يطالب الكاظمي بإجراء انتخابات مبكرة حرة ونزيهة. لكن إيران لديها موقع أقوى من الولايات المتحدة في كلتا الحالتين، إذ لديها كلمتها من خلال اختراق ميليشياتها للأجهزة السياسية والأمنية العراقية. لكن الولايات المتحدة لديها نفوذ اقتصادي يمكن أن يقوض الاقتصاد العراقي وينهي استخدام طهران للعراق كنظام لدعم حياتها الاقتصادية.
ويجب على الكاظمي أن يستعين بمجموعة موثوقة داخل قوات الأمن العراقية على استعداد لمواجهة الميليشيات واعتقال قادتها، والأهم من ذلك، إبقاؤهم قيد الاعتقال رغم ضغوط إيران وشركائها العراقيين. وسيزيد ذلك من دعمه في العراق، ويمنحه نفوذاً ضد تحالف الفتح في مجلس النواب. أما إذا لم يتخذ الكاظمي أي إجراء، فيجب على الولايات المتحدة أن تتخذ قراراً يكون مكلفاً للحكومة العراقية.
والكاظمي أمام خيارين: إما أن يبتعد بالعراق عن إيران، أو أن يلقى نفس معاملة إيران. والولايات المتحدة أيضاً أمام خيارين: إما أن تتعامى عن استيلاء إيران على العراق، أو أن تستمع إلى الشعب العراقي الذي يطلب مساعدتها في تصحيح مسار العراق.