بقلم: زيد نجم الدين
الشرق اليوم- مع إعلان السيد الكاظمي عن الموعد المقترح لإجراء الإنتخابات النيابيه المبكرة في السادس من تموز 2021 ، بدأ بعض الاخوة الناشطين والسياسيين والمهتمين بالشأن المحلي تقديم الوعظ والنصيحه للشباب المتظاهر في المحافظات العراقية لتنظيمِ أنفسهم في كيانٍ سياسي يخوض الإنتخابات القادمة على أمل أن يكون لدى الساحات تمثيل برلماني مدعوم و مؤيد من الشباب المنتفض ويأخذ هذا الكيان على عاتقهِ الضغط من داخل قبة البرلمان العراقي لتحقيق أهداف حركة تشرين الإحتجاحية و بنفس الوقت يكون للمحتجين تمثيل برلماني وصوت مسموع داخل قبة البرلمان.
ربما تكون الدعوات أعلاه خالصة عن نوايا صادقة تريد لحركة الاحتجاج الاصلاحيه التوفيق والنجاح بعد ما خاضت سلسله من ملاحم التضحيه والفداء بغية تغيير الواقع المأساوي وإصلاح ما أفسدتهُ أعراف السياسه العراقية في الفترة الماضيه، لكن دعونا قبل كل شيء نلقي نظرة سريعه على إحداث ثورة تشرين وكيف بدأت وكيف هيَ اليوم، وكم تعرضت خلال المسيرة إلى محاولاتٍ لحَرف المسار والتوظيف في إتجاهاتٍ معينة بعيده عما تصبو إليه الإرادة الوطنية والشعبية، وفي نفس السياق شهدنا الكثير من الشخصيات التي كانت تعد من رواد الحراك الشعبي والتي سرعان ما انزلقت مسرعه لتحجز لها مقعداً حول مائدة السلطة متوسدةً بذلك رقاب المتظاهرين وألامهم، فلم تكن التظاهرات بالنسبة لهؤلاء إلا وسلية جيده للوصول لما يطمح له أولائك الوصوليون والمهووسون بلباس السلطه.
التظاهر والاحتجاج السلمي حق يتمتع به كل مواطن عراقي وفق ما اجاء بالمادة 38 من الدستور ، كذلك التظاهر عمل تطوعي لا يترتب عليه أي أجر لقاء التظاهر ، لكن قد تنتج عنه مكاسب تخص الشريحه او المجموعة التي تبنت التظاهر وهذه المكاسب تختلف تبعاً لعنوان أو أهداف التظاهرات، لذلك ان الصفة التي يعمل ضمنها المتظاهر هيَ صفة تطوعية ذات بعد تضحوي لتحقيق هدف أو إقرار حق يعتقدهُ و يتبناه المتظاهر.
في قضية تظاهرات تشرين المسألة قد تختلف بعض الشيء عن شائع التظاهرات، فالمتظاهر التشريني لا ينتظر الحصول على مكسب شخصي كوظيفه أو راتب تقاعدي أو منحه أو إمتياز خاص ، بل إن أدافهُ و تضحياتهُ تتمحور حول عنوانٍ سامي صاغهً الشباب المنتفض في ساحات التظاهر وهو “نريدُ وطناً” هذا العنوان الذي يلخص كل مطالب المتظاهرين النبيله والبعيده عن المنافع الشخصية، لذلك أستطيع أن أقول أن أهم عوامل القوه لدى المتظاهرين السلميين هي صفتهم التطوعيه والتضحويه النبيلة ذات الطابع الفدائي وهي ذاتها التي جذبت تعاطف المجتمع مع هؤلاء الفتيه الذين لا ينتظرون منافع شخصيه سوى رؤية وطنهم عزيز منعم بخيراته.
وانطلاقاً من ذلك نرى إن الإنخراط في أي برنامج سياسي يمثل المتظاهرين أو مدعوماً منهم يرفع عنهم صِفَتهم المعنوية كمتظاهرين مستقلين ويُحولهم الى تيار سياسي ذو قاعده جماهيريه تتمتع بتمثيل سياسي وبرلماني وكما هو الحال عند بعض التيارات السياسية-الجماهيرية الفاعله بالعراق، وهذا الشيء في الحقيقه يمثل إجهاض لمسيرة الحراك الاصلاحي في العراق لأن التعاطف الجماهيري والشعبي مع حركة الاصلاح والايمان بما تطرح من خطوات اصلاحيه مقرون باستقلالية المتظاهرين وصفتهم التطوعية التضحوية، ودخولهم في معترك السياسة يجعلهم جزء من المشهد السياسي المضطرب وبذلك ترفع عنهم صفتهم المعنويه، لا سيما، أن طريق الاصلاح ما زال طويلاً ويتطلب منا خوض المزيد من المعارك المطلبية الشرسه خصوصاً بما يتعلق بتعديل الدستور وبعض القوانين الاخرى محل الرفض الجماهيري.
وفي الختام أريد أن أحذر الاخوة المتظاهرين مِن أن بعض الشخصيات السياسية التي تفاعلت ايجاباً مع المتظاهرين في الفترة الماضية تحاول اليوم ان تدفع بأتجاه تأسيس كيان سياسي يحمل صفة تمثيل ساحات التظاهر في الانتخابات القادمه، لذلك أجدد تحذيري للأخوه المتظاهرين من الانزلاق في مثل هكذا منزلق خطير رَصفَ لبناتهُ مجموعه من السياسيين المتزلفين الذين لم يتركوا مائده من موائد السلطه الى وكانوا قد جلسوا عليها واعتاشوا منها، فشهداء تشرين ليسوا جسراً أو معبراً للطامحين بالفوز في الانتخابات القادمه بل هم جسرا لبناءِ وطنٌ طالما حلموا به، ولا يفوتني أن أذكر أن هذا لا يمنع أن يتبنى أي سياسي قضية تشرين و مطالبها، لكن دون أن يُصَدر نفسه ممثلاً عنها حتى لا تتحمل التظاهرات اسقاطاته السياسية وميوله وقناعاته الشخصيه.