الرئيسية / الرئيسية / تعقيبات على زيارة الكاظمي لإيران

تعقيبات على زيارة الكاظمي لإيران

بقلم: إبراهيم الزبيدي

الشرق اليوم- من الثابت تاريخيا أن الرئيس الراحل عبدالرحمن عارف، حين زار طهران في العام 1967، قال لشاه إيران أكثر مما قاله مصطفى الكاظمي لحسن روحاني بعشرات المرات. فقد كان صادقا ومخلصا في إصراره على ضرورة تعزيز العلاقة الوثيقة بين البلدين والشعبين، وفي رغبته الأكيدة في زيادة التفاهم والتلاحم ومضاعفة التبادل التجاري والثقافي والسياحي بين الشعبين الجارين الصديقين، إلى أبعد الحدود.

ولكن لم يغضب منه ولم يعتب عليه أحد، وذلك لأنه كان رئيسا حقيقيا ممتلئا ثقةً بنفسه وبالوطن الذي يتحدث باسمه، ومُحترِما لمركزه، وأمينا على كرامة شعبه إلى أبعد الحدود. فلم يخلع نعليه في حضرة الشاه، ولم يخاطبه بعبارة (سيدي القائد) ويداه معقودتان على صدره، ولم يسمح له بأن يحثَّه، بصيغة الأمر، على مصادقة هذه الدولة ومعاداة تلك، ولا على رعاية هذا الفريق من العراقيين دون ذاك.

والعراقيون المنزعجون، اليوم، من مصطفى الكاظمي لم يعتبوا على رؤساء الوزراء السابقين، إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبدالمهدي، رغم أنهم رأوهم مطأطئين رؤوسهم في حضرة المرشد الأعلى الإيراني، وهم صاغرون مثل تلاميذ المدارس الابتدائية في حضرة المدير يتلقون تعليماته وأوامره بكامل الذلة والمسكنة، وذلك لأنهم في عيون العراقيين إمعات بلا كرامة ولا وطنية، جلسوا في مقعد الرئاسة بإرادة قاسم سليماني وموافقة الولي الفقيه.

أقدم الكاظمي على اتخاذ قرارات جيدة، وقام بإجراءات إيجابية رغم قلتها، منها إعادة بعض الموظفين المدنيين والعسكريين المطرودين من قبل حكومة عادل عبدالمهدي، بسبب عدم ولائهم للحشد الشعبي وللنظام الإيراني

ولكنهم يعتبون على الكاظمي لأنه، منذ أن نجح المتظاهرون في طرد سلفه عادل عبدالمهدي وأنعموا عليه بالرئاسة، وهو يطلق كل يوم وعداً يريد به أن يقنعهم بأنه الرجل المناسب القادم في الوقت المناسب، لتحقيق أحلامهم في العزة والكرامة والسيادة والاستقلال.

ولكن جميع وعوده باستعادة هيبة الدولة، ومحاكمة قتلة المتظاهرين، وقطع دابر الفساد، واستعادة الأموال المسروقة، وضبط سلاح الميليشيات الوقحة المتمردة على الدولة، برئيسها ووزرائها وجيشها وشعبها، وإبعاد العراق عن معارك الدول الأجنبية على أرضه، لا تتحقق، أبداً أبداً، ما دامت إيران هي الحاكمة في العراق، والحامية للميليشيات، والناهبة للأموال، والمنتهكة للسيادة والكرامة الوطنية، والمخالفة لجميع الأصول.

وكان يمكن أن يكون أمرا عاديا حين يعرض الكاظمي على حسن روحاني وعلي خامنئي يده ممدودة بغصن زيتون، ويمنيهما بالسمن والعسل، لو كانت إيران هي غير إيران التي يعرفها هو نفسه أكثر من غيره من العراقيين.

كان من واجبه، وقد وجد نفسه في حضرة الآمر الناهي في ما يخص العلاقة مع العراق، أن يطلب منه عدم التدخل في شؤون العراقيين، وعدم حماية المطلوبين للعدالة من المختلسين وقتلة المتظاهرين والعابثين بأمن المواطن ورزقه.

وحين شكره على مساعدة حرسه الثوري في محاربة داعش، كان عليه أن يُذكره بعدم وجود فرق بين قاتلٍ يصلي ويداه مسبلتان، وآخر يصلي ويداه معقوفتان على صدره. فالإرهابي إرهابي، مهما كان لونه وجنسه ودينه وطائفته وشعاراته، بقبعة كان أو بربطة عنق أو بعمامة. ولا فرق بين سني وشيعي يحمل مفخخة خارج الدولة والقانون، ولا فرق، أيضا، بين شيعي وسني يَسقط ضحيةً لصاروخ يأتيه من السماء.

فلولا “المجاهدين” الموالين لنظام الولي الفقيه، لما أصبح العراق مقصدا لكل من هب ودب من الإرهابيين العرب، والأجانب، الوافدين عليه من أرجاء الدنيا الواسعة، بعد أن كان اجتياز أحدهم لحدوده أشبه بالانتحار.

وحين شاركت ميليشيات الحشد الشعبي الجيش العراقي وقوات التحالف الدولي في تحرير مدن في ديالى وصلاح الدين من داعش، ماذا حدث؟ وكيف تصرفت مع أهلها؟ وهل سمحت لهم بالعودة إلى منازلهم؟ أم بقي الحال على حاله، واستُبدل الاحتلال الداعشي باحتلال الجارة العزيزة إيران؟

العراقيون المنزعجون، اليوم، من مصطفى الكاظمي لم يعتبوا على رؤساء الوزراء السابقين، إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبدالمهدي، رغم أنهم رأوهم مطأطئين رؤوسهم في حضرة المرشد الأعلى الإيراني

نعم، لقد أقدم الكاظمي على اتخاذ قرارات جيدة، وقام بإجراءات إيجابية رغم قلتها، منها إعادة بعض الموظفين المدنيين والعسكريين المطرودين من قبل حكومة عادل عبدالمهدي، بسبب عدم ولائهم للحشد الشعبي وللنظام الإيراني، ومحاولته إعادة سلطة الدولة على بعض المنافذ الحدودية، وإلغاء الازدواجية في الرواتب.

ولكنه أحبط أعماله بإطلاق سراح المعتقلين من حزب الله في ما عرف بخلية الصواريخ، وبتعيينه فالح الفياض رئيسا لهيئة الحشد الشعبي، وإعادة تعيين موفق الربيعي، وتعزيز سلطة حنان الفتلاوي، وتسليم المعابر الحدودية لصهر نوري المالكي، وعدم إحالة أيٍ من قتلة المتظاهرين على العدالة، وعدم إلقاء القبض على المتهمين باغتيال الشهيد هشام الهاشمي، وعدم إطلاق سراح نزلاء السجون السرية التابعة للميليشيات، وعدم محاسبة أصحاب الرؤوس الكبيرة الذين اختلسوا أموالا طائلة وتسببوا في إفلاس الخزينة، وبزيارته لمقر الحشد الشعبي، وبارتدائه زي الحشديين.

وأخيرا سوَّد صحيفة أعماله بدخوله على (سيده القائد) علي خامنئي حافي القدمين، مستسلما، فاتحا عقله وقلبه وأذنيه لتعليمات الولي الفقيه، ليرد عليه بأن توجيهاته أوامر.

فهل، بعد كل هذا، يمكن أن يبقى العراقيون متفائلين بمقدمه، مثلما كانوا، ومنتظرين على يديه ربيع العدالة والسيادة والكرامة والخلاص من الفقر والجهل والمرض، ومن السلاح المنفلت، ومن الفساد والعبودية والاحتلال؟

شاهد أيضاً

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

العربية- هدى الحسيني الشرق اليوم– يقول أحد السياسيين المخضرمين في بريطانيا، المعروف بدفاعه عن حقوق …