الشرق اليوم- في أول زيارة خارجية له، بعث رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، برسالة واضحة مفادها أن الوقت قد حان لطهران لمعاملة العراق كدولة، وليس تابعا.
وفي المؤتمر الصحفي للكاظمي مع الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بدا روتينيا، لكن هذا الانطباع الأوليّ لم يدم، فقد أقر الكاظمي أمام الصحفيين بدور إيران في مساعدة بلاده على هزيمة تنظيم “داعش”، لكنه قال أيضا: إن العراق وقف مع إيران للتغلب على أزمتها الاقتصادية وتحول إلى سوق للمنتجات الإيرانية، ودعا إلى تعاون شامل بين البلدين لضمان استمرار تبادل الخدمات.
وعلقت سعاد الصالحي التي كتبت التقرير من بغداد بأن الربط بين المساعدة الاقتصادية العراقية لإيران بمساعدة إيران في محاربة تنظيم الدولة، ورسم الخطوط بين بغداد وطهران، يشير إلى تحول جذري في الخطاب العراقي الرسمي تجاه إيران بشكل خاص والسياسة الخارجية العراقية بشكل عام.
ونقل التقرير عن القيادي في تيار الحكمة الداعم للكاظمي، فادي الشمري، أن لدى البلدين حاليا فرصة عظيمة لتحقيق الاستقرار واحترام قواعد العلاقة بطريقة متوازنة، مضيفا: أن عراقا قويا ومستقرا وسيدا يمكن أن يلعب دورا مهما في المنطقة على جميع المستويات، ويمكن لإيران الاستفادة من ذلك كثيرا.
وأشار التقرير إلى أن 17 عاما من المنافسة بين الولايات المتحدة وإيران واللاعبين الإقليميين الآخرين سببت فوضى في العراق وقوّضت أمنه، مع استمرار نفوذ كل جانب من خلال الشبكات التي تخترق جميع الخدمات الحكومية والتشريعية والقضائية والأمنية.
وفي غضون ذلك، يضيف التقرير: أدت سلسلة من الحروب والعقوبات الاقتصادية والإهمال والفساد إلى شل الاقتصاد العراقي وجعله يعتمد بشكل كامل على النفط، ويبدو أن جزءا من خطة الكاظمي يعتمد على استعادة السيطرة على المعابر الحدودية والموانئ، وتأمين بيئة جذابة للاستثمار الأجنبي.
المعابر الحدودية
ونسب التقرير إلى مسؤول أمني عراقي كبير اشترط عدم الكشف عن هويته القول: إن كلا الهدفين يعنيان بالضرورة الحد من سيطرة الفصائل المسلحة والقادة السياسيين والأمنيين المرتبطين باللاعبين الدوليين في العراق والمنطقة، خاصة إيران والولايات المتحدة والسعودية.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن المعابر الحدودية في الجنوب والشرق تخضع للسيطرة الكاملة للفصائل المرتبطة بإيران، وفي الشمال يسيطر عليها الحزبان الكرديان الكبيران القريبان من إيران وأميركا في الوقت نفسه، وفي الغرب تقع تحت سلطة مشتركة نسبيا بين فصائل شيعة وقوى سنية مرتبطة بطهران وواشنطن.
وقال المسؤول الأمني الكبير: إن تهريب الأسلحة والعملات الصعبة والبضائع المختلفة يتم علانية عبر المعابر الحدودية من العراق وإليه، “وما لم يتحقق من خلال الرشوة يتم من خلال التهديدات والتخويف”.
وأضاف المسؤول: إن السيطرة على المعابر الحدودية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تطوير التفاهمات مع الدول المجاورة واللاعبين المحليين والإقليميين، والمفاتيح هي إيران وأمريكا وهذا ما يدركه كل القادة العراقيين بمن فيهم الكاظمي.
ولفت إلى أن إعادة العلاقات مع إيران والولايات المتحدة والسعودية هي محاولة مبكرة من قبل الكاظمي لتجنب الانهيار الاقتصادي المتوقع ودرء الهيجان الشعبي الذي يصاحب التأخير في رواتب ملايين العراقيين.
نفوذ اقتصادي
وقال التقرير: إن العقوبات الأمريكية المنهكة تركت اقتصاد إيران في حالة احتضار ودفعته للاعتماد بشدة على العراق المجاور، إذ تعتمد طهران على حلفائها العراقيين للحفاظ على موطئ قدمها الاقتصادي في العراق، من خلال إغراق البلاد بالسلع الإيرانية، ومنع إقامة أي صناعة أو زراعة تنافسية، وتهريب العملة الصعبة، وبيع النفط عبر موانئ ومرافق العراق، وتهديد وطرد المستثمرين الأجانب.
وكانت مثل هذه الأعمال مدمرة للاقتصاد العراقي، وتركت البلاد عرضة للخطر عندما انخفضت أسعار النفط في وقت سابق من هذا العام، وفي غضون ذلك، انخفض حجم التبادل التجاري مع إيران بنسبة 40% خلال الأشهر الستة الماضية، وفقا لمصادر حكومية.
ومضى التقرير يقول: إن زيارة ظريف، التي بدت غريبة في توقيتها، تهدف ظاهريا إلى “تهنئة” الكاظمي على توليه منصبه وإظهار تنسيق رفيع المستوى بين الحكومتين العراقية والإيرانية.
وتضمنت الجلسة الأولى مناقشة تفاصيل زيارة الكاظمي المرتقبة لطهران، وتم التأكيد له على أنه سيستقبل بكرم الضيافة بصفته رئيس وزراء دولة صديقة، ولإثبات ذلك، سيستقبله المرشد الأعلى “الذي لم يلتق مسؤولا لمدة ستة أشهر باستثناء شخص واحد، في مقر إقامته”.
وأضاف التقرير: أن ما حدث في الجلسة المغلقة ليس واضحا لكنه دار حول ما تريده إيران من العراق وما يريده العراق من إيران.
وأوضح أن الإيرانيين يريدون ضمانات من الكاظمي بأن حكومته لن تقطع علاقاتها بالكامل مع إيران، أو تتبع حلفاءها أو تغلق حدود العراق أمام البضائع الإيرانية.
ونسب إلى سياسي عراقي أن طهران تريد أيضا ضمان استمرار تدفق العملة الصعبة إليها عبر العراق ورفع مستوى التبادل التجاري لضمان بقاء إيران شريكا رئيسيا في السوق العراقية.
وقال المستشار داود: “كان الكاظمي صريحا في محادثته مع الإيرانيين، وأبلغهم بأنه يفهم مصالح إيران واهتماماتها، ولكن يجب أن يفهم الإيرانيون أيضا أن مصالح العراق تتطلب تنويع علاقاتها في المنطقة والعالم”.
وأبلغهم الكاظمي أيضا بأنه سيضمن أن العراق لن يكون نقطة الانطلاق لأي اعتداء على إيران وأن العراق لن يكون جزءا من أي تحالف ضد إيران، لكنه يحتاج أيضا إلى الأمن للحفاظ على الأسواق العراقية وجذب المستثمرين الأجانب، ويريد أن يضمن مصالح سائر حلفائه في العراق محمية.
وقال داود: إن الإيرانيين لديهم القدرة على تهدئة التوترات الحالية بشكل كبير بين الكاظمي والفصائل المسلحة المدعومة من إيران، مشيرا إلى أنه يمكن للجانبين عمل الكثير معا، “إذا أراد الإيرانيون الحصول على ما يطالبون به، فعليهم أن يوقفوا السلوك الطفولي لبعض حلفائهم في العراق”.
رسائل مختلفة
وأورد التقرير أن الأحداث في طهران بعد 48 ساعة من لقاء ظريف شهدت تبادل العديد من الرسائل الخفية بين الطرفين.
لم يرافق الكاظمي إلى إيران أي من المسؤولين العراقيين المعروفين بقربهم من إيران، كما هو معتاد في الزيارات المماثلة التي يقوم بها رؤساء الوزراء، باستثناء مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي. ويشتهر الأعرجي بعلاقاته المعتدلة والمتوازنة مع الولايات المتحدة ودول الخليج.
كما حمل الكاظمي هدايا تشريفية معه إلى خامنئي، بما في ذلك خاتم مزين بفص كبير من العقيق الأحمر، ونسخة نادرة وثمينة من القرآن الكريم وعباية مطرزة من النجف.
وكانت العباءة، بحسب داود، بمثابة إظهار للاستقلال، مما يشير إلى أن أولئك الذين يرتدون عباءة النجف يخضعون للإشراف الديني للسيستاني المرجع الأعلى للشيعة في العراق، بدلا من خامنئي.
وبينما كان الإيرانيون حريصين على إظهار ترحيبهم الحار المبالغ فيه بالكاظمي لإعطاء الانطباع بأن السعوديين رفضوا استقباله، لذلك احتضنه الإيرانيون لأنهم ملجأ العراقيين الوحيد.
المصدر: MIDDLE EAST EYE