الرئيسية / الرئيسية / الفشل ينتظر ظريف في بغداد

الفشل ينتظر ظريف في بغداد

بقلم: د. باهرة الشيخلي

الشرق اليوم- منذ إعلان طهران أن وزير خارجيتها، محمد جواد ظريف، سيزور بغداد، حتى ضجّ الشارع العراقي بعدم الترحيب بهذه الزيارة وبالضيف المفروض.

تتزامن زيارة ظريف، التي أعلنت طهران أنها ستتركز على “بحث الملفات المشتركة وأزمة كورونا”، وأنه “سيلتقي الرئاسات الثلاث والقيادات السياسية، مع الزيارة، التي سيقوم بها رئيس الوزراء في العراق مصطفى الكاظمي إلى المملكة العربية السعودية”، ما دعا باحثين وخبراء سياسيين إلى الإعراب عن اعتقادهم أن المهمة الخفية للزيارة هي الضغط على الكاظمي للتوسط بينها وبين الرياض ومحاولة إقناع القيادة السعودية بالعمل على الطلب من أميركا تخفيف الضغط الخانق على طهران، التي تعاني من أزمات كانت ستكون أكثر تأثيراً عليها لولا المليارات العراقية، التي تتدفق عليها بمساعدة وكلائها وجيشها (الحشد الشعبي) في العراق، وبأكثر من أسلوب وطريقة.

أبدى اتحاد تنسيقيات الثورة العراقية امتعاضه ورفضه للزيارة، التي سيقوم بها ظريف للعراق، وأصدر متظاهرو وثوار ساحات الاعتصام في بغداد والمحافظات بياناً عدّوا فيه هذه الزيارة تدخلاً شاملاً في الشؤون الداخلية العراقية، وقال البيان صراحة “لا أهلا ولا سهلا بمن لا يمكن للعراق أن يحصل منهم على فائدة غير تصدير الفتن والمؤامرات الخبيثة والسعي إلى تدمير العراق وإفراغه وإنهاكه”.

دعا المتظاهرون والمعتصمون، الحكومة العراقية إلى مطالبة الإيرانيين “باحترام حقوق الجيرة واحترام العراق والعراقيين وسحب أياديهم القذرة من العراق وإعادة حقوق العراق وممتلكاته المسروقة عندهم وإطلاق سراح المعتقلين والمختطفين العراقيين في سجونهم وإطلاق سراح كل أسرانا الموجودين لديهم، منذ عشرات السنين والمسجلة أسماؤهم في الصليب الأحمر الدولي”، وفقاً لنص البيان.

هذا الموقف لم يكن مقتصراً على المتظاهرين، بل إن جميع العراقيين يعتبرون أن هذه الزيارة تشي بخطر جديد على بلدهم، فانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي عبارة “لا أهلا ولا سهلا بك أيها العجمي غير الظريف على أرض عاصمتنا بغداد يوم الأحد”.

الواقع، أن ما تحقق في عهد الكاظمي من اتفاقيات مع إيران ربما يكون أكثر مما تحقق في عهود سابقيه، فقد أبرمت حكومته عقداً للنقل الخاص في مطار بغداد الدولي وسيكون السائقون كلهم من الحرس الثوري الإيراني، وأجرت اتفاقية تفاهم حول منطقة مجنون وآبارها النفطية، بالرغم من أن الخبراء النفطيين كلهم يؤكدون عدم وجود آبار نفطية مشتركة، البتة بين العراق وإيران، أما على صعيد التدخل في الشأن الوطني، فإن طهران الآن تقيم داخل العراق ممثلة بجيشها (الحشد الشعبي)، ومنذ 2011 يعدّ هادي العامري ونوري المالكي وفالح الفياض وعادل عبدالمهدي مجلس أركانها في العراق، هذا بخلاف حصر الاستيراد للمواد الغذائية بإيران، واستمرار تدفق المليارات على ولاية الفقيه، فما يدفعه العراق لإيران سنويا مقابل الكهرباء يعادل نصف ميزانية دولة الصومال.

إن قادة المليشيات هم الوكلاء الأقوياء لإيران في العراق، ولذلك فإن حكومة الكاظمي مجبرة على أن توقع على بياض كل ما يصدر منهم، كما يقول دبلوماسي عراقي عمل في إيران، ويضيف: إن البلد منزوع الإرادة والاستقلال وأصبح السيد علي خامنئي ولي أمره، منذ أن ضخّ المالكي أموال العراق إلى خزينة طهران الخاوية (2006 – 2014).

إن زيارة وزير الخارجية الإيراني للعراق ستكون زيارة سياسية واقتصادية، فالمتوقع أن يحمل ظريف إلى رئيس الوزراء في بغداد رسالة موجهة إلى الإدارة الأميركية، ربما تنطوي على رغبة إيران بإجراء مفاوضات سرية مع ترامب بعد الضربات القاتلة، التي تلقتها طهران، كما تنطوي على ملف آخر قد يعبر عن انزعاج الملالي من الخطوات، التي بدأ يتخذها الكاظمي والموجهة ضد الميليشيات الفاسدة، والتي تنذر بقطع ما تجنيه إيران من خيرات العراق بفعل هذه الميليشيات، والتوقع الثالث أن ظريف سيطالب بدفع المستحقات المطلوبة من العراق ثمن الكهرباء والنفط المكرر والغاز، لأن إيران بحاجة ماسة إلى السيولة النقدية، بالرغم من أن الوزير الإيراني سيتظاهر بأنه يؤيد الخطوات “الإصلاحية” للكاظمي، بغلق المنافذ الحدودية وعدم استيراد منتجات إيران، إلا أنه سيهدد من طرف خفي أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء الضرر بمصالحها الحيوية.

يدعم قولنا هذا ما رجّحه المحلل والخبير السياسي، مجاهد الطائي، وهو أن حلفاء طهران في العراق، يثيرون الأزمات للحيلولة دون توقيع بغداد لاتفاق مع واشنطن، وتأكيده على تويتر أن “حلفاء طهران يستعدون من الآن لتحشيد أنصارهم شعبيا وميليشاوياً وسياسياً لإسقاط حكومة الكاظمي”.

وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة “مدارات الثورة”، الموجهة إلى ساحات التظاهر والاعتصام في بغداد، أن حكام إيران وجدوا في الكاظمي ضالتهم، وصاروا يمررون سياساتهم ومصالحهم تحت غطاء معاداته لفظياً من قبل عملائهم وذيولهم في العراق، بل صاروا وبما عرفوا به من خبث وازدواجية، يعمدون إلى توظيفه مراسلاً، ينقل رسائلهم ويتبنى مواقفهم مع من يتوهمون أنه يختلف عن غيره من سياسيي الغفلة وسلطة الخراب والمخربين.

كتب لي الدكتور ريمون جورج، سكرتير جمعية الصداقة العراقية الأميركية، رسالة ذكر فيها أن العراق والولايات المتحدة الأميركية على أبواب اللقاء الثاني للحوار الاستراتيجي المتوقع انعقاده، قريباً، على الرغم مما تشوبه المرحلة من غيوم قد يعقبها رعد، مشيراً إلى أن إدارة مصطفى الكاظمي تواجه ضغوطاً إيرانية من جانب الكتل والجهات الميليشياوية، التي أسهمت بحصوله على مهمة رئاسة الوزراء المؤقتة، وضغوط أخرى من جانب الولايات المتحدة، التي أعربت عن عدم ارتياحها من تصرفاته في تنفيذ قرارته الأخيرة، التي دلت على ضعف أدائه في قيادة المواجهة الفعلية لإرهاب الميليشيات وبطشها وآخرها اغتيال الخبير الأمني الدكتور هشام الهاشمي واستمرار الانتهاكات والاعتداءات على المتظاهرين السلميين بالرغم من وعوده بالوقوف إلى جانب مطالب المتظاهرين.

إن زيارة محمد جواد ظريف وزير خارجية النظام الإيراني إلى بغداد تهدف، أولاً وأخيراً، إلى الضغط على شخص الكاظمي لكي لا يمتثل إلى الأجندة الأميركية باتخاذ أي إجراءات جذرية تكون سبباً في حرمان إيران من نفوذها في العراق، من خلال التلويح له بسحب الثقة منه عن طريق مجلس النواب، وفِي الوقت نفسه، إقناع، أو بالأحرى إجبار، الكاظمي على إشراك رموز تمثل النفوذ الإيراني الفعلية للمشاركة ضمن الوفد العراقي في لقاء الحوار الاستراتيجي لأن النظام الإيراني غير مطمئن للكاظمي وليست له الثقة به بما قد يقدم من تنازلات لا تخدم أجندته، ومن ضمنها استمرار بقاء القوات الأميركية.

الواقع، أن نظام الولي الفقيه الإيراني بات يشعر أن عملية تحجيمه قد بدأت حيث يسعى الأميركان إلى إعادته إلى حدود اللعبة المتفق عليها وضمن أصولها في ما يخص الملف العراقي، خاصة بعد تمادي النظام الإيراني في محاولة قضم العراق لصالحه حصراً، واستبعاد شريكه الأميركي، وهنا برزت نقطة التقاطع بين شركاء الاحتلال، وزيارة ظريف إلى بغداد لا تعدو عن كونها محاولة لتجميع أتباع طهران في بغداد وحشدهم لدفعهم إلى اتخاذ موقف لصالح إيران بعيداً عن أميركا، وهي محاولة، إن نجحت، فسوف تنعكس نتائجها وبالاً على العراق وتكون ضد مصالحه، والمتوقع أن زيارة ظريف ستواجه الفشل، كون عملاء طهران لن يقووا على الوقوف علناً ضد المصالح الاستراتيجية الأميركية، فضلاً عن القيمة الكبيرة للعراق في المنظور الأميركي، ولهذا أرسل الإيرانيون وزير خارجيتهم ليطلبوا من الكاظمي إيصال رسالة سلام وتعاون إلى الأميركان، من خلال زيارته المرتقبة إلى كل من الرياض وواشنطن، مع التأكيد له، في الوقت نفسه، أنهم الأقوى منه ومن أميركا في العراق وأن الهدوء في بغداد يمرّ من خلالهم، ولكن بشروط منها، التعاون مع الإدارة الأميركية ضد أعداء النظام الإيراني من المعارضة الداخلية والخارجية للنظام والانفتاح الاقتصادي عليها.

ختاماً فإن التوقعات جميعها تشير إلى أن محاولات إيران كلها للتزلف إلى أميركا ستبوء بالفشل وأن إرادة أميركا هي التي ستتحقق، فيما ستبقى إيران تنفخ في قربة مثقوبة وتذهب محاولاتها أدراج الرياح.

شاهد أيضاً

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

العربية- هدى الحسيني الشرق اليوم– يقول أحد السياسيين المخضرمين في بريطانيا، المعروف بدفاعه عن حقوق …