بقلم: مازن صاحب
الشرق اليوم- تعتمد الدول المتحضرة على توصيف منهجي لاستشراف المستقبل لذلك تضع رؤية مستقبلية في الأدنى لخمس عقود مقبلة ثم تبرمج هذه الرؤية بخطط استراتيجية متفقة الأهداف متوالدة الإنجاز يكون البرنامج الحكومي أمام مجلس نواب منتخب وسلطة تنفيذية قادرة على إجراء التعديلات المطلوبة للمضي بهذه الرؤية … هكذا هو حال الهند وتركيا وإيران ومصر واثيوبيا ومنظومة مجلس التعاون الخليجية ناهيك عن رواندا ودول الاتحاد السوفياتي السابق وأيضا دول حلف وارشو … ولعل ابرز رؤية واضحة ومباشرة هي رؤية إسرائيل ومشروعها للشرق الأوسط الكبير.
كل منها اتفق أهل والعقد لرسم معالم واقع الأجيال المقبلة وأساليب الدفاع عن هذا الحق الذي ربما يغتصب حقوق شعوب أخرى وهكذا بقيت القراءة الأصح لإنجاز تلك الرؤية المطروحة ليس لنقاش تاريخي يشتر إثام وخطايا خلافاته بل في خلق وبلورة هندسة إدارة السياسات العامة للدولة وتعظيم مواردها للوصول الى أقرب نقطة تبعد التهديد وتنحز الأهداف الاستراتيجية … هذا ما فعلته الدول الأوروبية الأوحد بعد حربين عالميتين!!
يمضي عالم الغد قدما نحو التخلص من انبعاث غاز الكاربون من خلال تقليل الاعتماد على النفط ومشتقاته في النقل العام فضلا عن العمل على إيجاد وسائط نقل بطاقة بديلة جعلت كبريات شركات صناعة السيارات تخصص ما بين الربع إلى النصف من انتاج السيارات تعتمد ما يعرف بالطاقة النظيفة.. وهذا يعني احتمالات واسعة الطيف تجعل من رؤية الدول التي تعتمد ريع النفط أمام استحقاقات كبرى لردم فجوة المعرفة بين ميراث سوء إدارة ثروة النفط وبين خلق مسارات انتاجية كبرى تحقق الاصلاح الشامل المنشود للدولة.
بعد هذه المقدمة التوضيحية الموسعة ..يطرح السؤال كيف يمكن للعراق أن يواجه مثل هذا الاستحقاق القريب في وقوعه والبعيد عن التفكير الإيجابي لاهل الحل والعقد في الاحزاب المتصدية للسلطة؟؟
لعل أبرز إجابة تطرح إجابات عراقية تتمثل في استراتيجية التنمية المستدامة 2030 المقرة من قبل وزارة التخطيط وغير الملتزم بها في البرامج الحكومية ولا في قوانين الموازنة العامة .
المثال الثاني ما ظهر في التعامل مع جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط مقابل متوالية الزيادة في اعداد الموظفين وامتيازات الدرجات الخاصة والعدالة الانتقالية .. بما حول الدولة إلى شبح اقتصادي يقترب من وصف دكان يبيع النفط ليوزع رواتب … فانتهى حال العراق إلى مشروع دولة تبحث عن القروض بل وعن المعونات الطبية من دول الجوار!!!
المثال الثالث أن مفاسد المحاصصة وما تضمنه تطبيق الديمقراطية التوافقية من أخطاء التاسيس الدستورية جعلت العراق الجديد مجموعة كيانات متعارضة ومتشابكة تبحث عن مصالحها وفق اجندات الاحزاب وليس بالضرورة بوجود رؤية عراقية بامتياز تمثل المنفعة الإنتاجية للمواطن الناخب والمنفعة العامة للدولة لنتطلق في برامج تطبيقية إجرائية مبتكرة ومتجددة يمكن أن تواكب قافلة التحولات الدولية .
المثال الرابع .. حين تسأل أي خبير اقتصادي حكومي هل استعد العراق لمرحلة ما بعد النفط؟؟ ياتيك الجواب نعم من خلال العودة إلى أمنا الأرض فالعراق أرض السواد والزراعة نفط دائم ؟؟!!
وفي هذه الإجابة رؤية بعيدة المدى ولكن من دون الحد الأدنى المطلوب لوضع برامج واقعية يمكن أن تؤسس لمستقبل منظور لا سيما في أفعال الفساد السياسي حينما تستورد المنتجات الزراعية من دول الجوار لأسباب سياسية ولا يتم تفعيل برامج زراعية تكون فيها المنتجات العراقية على خط المنافسة في الجودة والأسعار .
وهناك أمثلة أخرى ..كلها تؤكد حقيقة عدم القدرة والرغبة على الخروج من ريع النفط إلى فضاء الصناعات الوطنية وفق معطيات السوق الاجتماعي المفتوح … فيما تبقى مفاسد المحاصصة قلقة على امتيازات أمراء طوائف المكونات القومية والطائفية… يتقاتلون فيما بينهم فضاع الملك .. ولم يبق غير اثام وخطايا تاريخ الفشل المتوالد ازمات متجددة تحفز على محو العراق وفق مخطط إسرائيلي معروف …ولله في خلقه شؤون!!!!