بقلم: محمد خلفان الصوافي
الشرق اليوم- أمام المراقبين مدخلان لتقييم مرحلة حكومة رئيس الوزراء العراقي الجديد، مصطفى الكاظمي، التي مر عليها شهران فقط منذ حصولها على ثقة مجلس النواب العراقي (البرلمان).
فإما أن نقيمها من خلال الإجراءات التي قام بها والتي نعتقد أنها كسرت “تابوهات” كانت محرمة ولم يتجرأ على مسها كل من جاء إلى رئاسة الحكومة على مدى 17 سنة الماضية، أو نقرأها من خلال المشككين ومن المترددين الذين يحاولون تقويض والتقليل من القرارات التي اتخذها حتى الآن.
بالنسبة للقراءة الأولى فهي تمثل النصف الممتلئ من “الكوب الوطني” للدولة العراقية المختطفة من النظام الإيراني، والمتغول في كل مفاصل المجتمع العراقي. النظرة الثانية تجسد النصف الفارغ من هذا الكوب، لأن ما قام به الكاظمي فعلاً خطوات كبيرة وإن كانت دون المتوقع بالنسبة للبعض، ولكن لو اعتبر أنه ما يزال في بدايات حكومته، واستلمها وهي مثقلة بالأزمات السياسية، والاقتصادية، والأمنية ولحقت بها الأزمة الصحية العالمية، ممثلة في فايروس كورونا فإن الأمر اعتيادي.
مواجهة ميليشيات الحشد الشعبي واعتقال أفرادها خاصة تلك الموالية لإيران في العراق هو حدث كبير، ومن المهم وضع أكثر من خط تحت كلمتي حدث كبير، لأنه لم يجرأ أحد حتى على محاولة فعل ذلك، مع أنهم يدركون أن هذه الميليشيات هي أساس كل الفساد الإداري في العراق، فكيف به وهو يصر على عدم دخول قائد فيلق القدس الجديد، إسماعيل قاآني، العراق دون تأشيرة، رغم أن الجميع يدرك أن المسؤولين الإيرانيين كانوا يدخلون العراق دون ترتيبات مسبقة ويتجولون ويعقدون لقاءات مع المسؤولين العراقيين دون موافقة رئيس الحكومة.
قبل الكاظمي كاد العرب، قبل الشعب العراقي، أن ينسوا أن العراق دولة أساسية في العالم العربي، وأنه كان يمثل يوماً البوابة الشرقية له وأن إيران الفارسية كانت تحسب له حساباً قبل أن تتخذ قراراً يمس العرب قبل العراق.
مع الكاظمي، تغير الوضع، هناك اليوم حالة من الانتشاء بعودة الدولة العراقية وفرض هيبتها، وهناك تفكير بهموم الإنسان العراقي، الأمر يحتاج فقط إلى بعض الوقت. أما الملامح العامة واضحة خاصة وأن تلك الملامح مزعجة لأذرع إيران السياسية في العراق، الذين بدأوا يمارسون هوايتهم في التعبير عن القلق الذي يشعرون به، وهو قتل الأبرياء كما فعلوا مع المحلل السياسي هشام الهاشمي، فهذه أفعالهم التي قاموا بها في لبنان مع الوطنيين، واليوم يكررونها في العراق.
لا نريد أن يخيم جو التشاؤم الذي يحاول البعض إشاعته ونشره، لأننا إذا ركزنا على ذلك لن نرى الإنجازات التي تحققت، وهي كثيرة، ولن نرى الانتعاش الذي يعيشه العراقي، وصار يشعر بأن قائده يدرك معاناته، ويفكر بتحسين ظروف حياته، ولن ننتبه إلى الإجراءات التي يقوم بها لفرض النزاهة للقضاء على “دولة الفساد” المتغلغلة في العراق، ولا حتى تلك الجولات التي يقوم بها على أطراف الدولة العراقية للوقوف على المنافذ الحدودية، التي يستغلها ممن اعتادوا الفوضى أن ينهبوا أموال العراقيين، لخدمة أجندات إيرانية متورطة في أزمات مع المجتمع الدولي.
القضاء على كل أشكال الفساد والأزمات الموجودة في العراق، أمر مهم جداً وضروري، وهو هدف كل الحكومات في العالم، ولكن في حالة العراق الأهم هو عودة الروح السياسية الوطنية والقومية بعد طول غياب، لأن هذا معناه وضع حجر الأساس لاستعادة الدولة العراقية بحضارتها الإنسانية وتركيبتها العرقية، والدينية، والطائفية التي أبهرت العالم كنموذج في التعايش المشترك، لذا من المهم ألا نقلل من أهمية ما يقوم به الكاظمي، لأن هذا ما ينتظره منا الطرف الإيراني والأطراف الكارهة للعراق.
ربما لم يشغل البعض سوى الاقتصاص من السياسيين، الذين جاروا على العراق وشعبه، وربما تمكن منهم حماس، مع وصول شخصية مثل الكاظمي، واعتقدوا أنه يمسك عصاً سحرية، يغير بها ميراث 17 عاماً في أقل من شهرين، لذلك لم يروا أن أي إنجازات قد تحققت، رغم أنها عديدة.