الشرق اليوم- أعادت وكالة “ناس” العراقية، نشر الحوار الذي أجراه الخبير الأمني الراحل هشام الهاشمي مع جمال جعفر (ابو مهدي المهندس) النائب السابق لرئيس هيئة الحشد الشعبي، والذي اغتيل مطلع العام بغارة أميركية قرب مطار بغداد.
وأجرى الهاشمي الحوار في كانون الثاني من العام 2019، أي قبل نحو عام من اغتيال المهندس، وفيه يوجه الهاشمي 9 أسئلة مفصّلة عن هوية الحشد المستقبلية، وعلاقته بالدولة مابعد نهاية الحرب ضد داعش، والسلاح، والانتهاكات وعدد من الملفات.
ويجيب المهندس بشكل مستفيض، ويعبر عن رؤاه في عدة شؤون تتعلق بالحشد، كما يرسم خطاً فاصلاً بين ما يسميها “الفصائل” وبين الحشد الشعبي، وذلك تعليقاً على اشتباك فصيل مسلح مع القوات الأمنية في منطقة شارع فلسطين آنذاك، وهو ما يعتبره المهندس حينها عملاً “من فعل الفصائل وليس الحشد الشعبي” ويدعو “الدولة” إلى فرض القانون على الجميع، فيما يؤكد أن لا إشكال في فرض القانون على تلك الفصائل إلا لدى “الأوساط الإعلامية المتحيزة”.
وتناقش المتحاوران حول قضية القوات الأميركية في العراق، ومسألة رواتب منتسبي الحشد الشعبي.
وفي الحوار، تحدث المهندس للمرة الأولى عن رغبته بإجراء “مراجعات وتصفية وتطهير” في الحشد الشعبي، الأمر الذي توقع أن يقود إلى “التضحية بالكثير من الأصدقاء”.
نص الحوار:
الهاشمي: اين تضع تجربة الحشد الشعبي بين تجربتي الحرس الثوري الايراني وحزب الله اللبناني؟ هذا السؤال الذي يثار في ذهن المراقب للتجربة العراقيّة في التحشيد والتعبئة الشعبية المسلحة التي شهدت حضورا ومشاركة واسعة للجمهور الإسلامي الشيعي بعد فتوى مرجعية النجف في 13 حزيران 2014 بما أثار القلق من أن “تستخدم هذه التعبئة” طائفيا وسياسيا وتبتعد تدريجيا عن مشروعها الدفاعي الأوسع في حماية مكتسبات النظام السياسي العراقيّ بعد عام 2003.. كيف تعلقون؟
المهندس: الحشد لن يقاتل خارج حدود الوطن الا بأمر من القائد العام للقوات المسلحة، وسوف يدافع عن كل ارض في الوطن، وتجربة الحشد هي تجربة عراقية بامتياز، وهي تختلف عن تجربة حزب مقاوم في دولة بدون قانون صريح، وبين تجربة قوات ثورية تأسست مع تأسيس النظام وبكيان له كامل أدواته التنظيمية، وكلف بمسؤولية حراسة مكتسبات الثورة في الجمهورية الإسلامية الايرانية، فالحشد جاء ليقاتل بعد انهيار المنظومة الدفاعية العراقيّة امام هجمات داعش وشرع له قانون، فهو لم يأت من حزب بلا قانون، ولَم يؤسس ابتداء مع النظام الجديد والدولة في كامل قوتها، اكيد كانت فكرة تأسيس قوة شعبية لحماية حزام بغداد قد اُخذ بها قرار في آذار 2014 وبدأ العمل بها، لكن فتوى المرجعية هي من منحت الحشد هذا التمايز والخصوصية.
الهاشمي: هل اختطفت الانتهاكات صورة إنجازات الحشد الشعبي؟
المهندس: الحشد الشعبي نشأ جهاديا مؤمنا بالدفاع عن العراق.. وأي تعبئة شعبية مسلحة تجاوزت مرحلة المعارك تكون بحاجة الى دخول ميادين جديدة ومراجعات ومعالجات.. صحيح أننا سنضحي بالكثير من الأصدقاء حينما نقوم بهذه التصفية وتطهير صفوف وألوية الحشد من تلك الثغرات وأننا سنواجه الكثير من العقبات لكن الطريق شاق وهناك حاجة للوقت والصبر الجميل، والتصدي للشأن العسكري الوطني لا بد له من ضريبة، وسوف يكون لنا الكثير من الخصوم.
الهاشمي: صف لنا هوية الحشد الشعبي؟
المهندس: رغم أن هيئة الحشد الشعبي هي هيئة وطنية عسكرية مسلحة، لكنها تتمتع بشخصية ثقافية وطنيّة وخدمية واجتماعية، ينبغي أن تكون رسالتنا واضحة.. ونحن نرى أننا معنيون بالالتزام بالقانون ومعاقبة المسيء ونصرة المظلوم، هناك 350-400 منتسب للحشد في المواقف والسجون ولدينا قاض يتبع مجلس القضاء الأعلى، والمحاكم بدأت تحاكم المسيء. حماية أوضاع العراقيين السياسية والاقتصادية والثقافية تقع ضمن مسؤولياتنا، ومعنيون بمسألة ضمان الحريات العامة فى البلد كما نص عليها الدستور وكلها أمور تتطلب من هيئة الحشد الشعبي عدم الدخول بالمجال السياسي، ويجب دعم حق الجميع بالمنافسة والاحتكام الى صناديق الإقتراع.
الهاشمي: الحشد في عام 2018 اخذ يميل الى صناعة اقتصاده الخاص على حساب اقتصاد الدولة واقتصاد الشعب، نسمع كثيرا من شهادات الثقات ان قيادات في الحشد من المتورطين بالاقتصاد على حساب سمعة الحشد؟
المهندس: ألوية هيئة الحشد الشعبي هي التي تخضع لقانون العقوبات عند المخالفة، وهناك فصائل مسلحة خارج ألوية هيئة الحشد، ينبغي ان تتعامل معها الدولة العراقيّة، فهي خارج هيكلية هيئة الحشد وقانونها، وهذا التفصيل لا يمنع من الاعتراف بوجود من يتربح اقتصاديا تحت عنوان هيئة الحشد الشعبي، وهناك حملة للمتابعة والتطهير قد اكمل منها قرابة 60% ومع الوقت يتم تجاوز هكذا خروقات. الحشد لا شأن له بالهيئات الاقتصادية التي في نينوى وصلاح الدين، هي في الغالب لفصائل خارج منظومة الحشد، وقد داهمنا بعضها واعترضت علينا احزابهم السياسيّة.
أما بالنسبة الى التهم الأخرى فقد يظهر التراجع فيها مع الوقت لكن الأمر لا يعود إلى عدم كفاية الأدلة والوثائق أو إلى عجز في قدرة أمن وقانونية الحشد عن تقديم المسيء الى القانون، بل لأن المجتمع العراقي كله – والحشد جزء منه- مشغول هذه الفترة بالجدل السياسي حول انسحاب القوات الأميركية من سوريا، وبعض القضايا مثل عودة نازحي جرف النصر “الصخر” تحتاج الى قرار وطني، وأخرى الى قرار محلي عشائري مثل يثرب.. لكن بعد انتخابات 2018 قد لا يعود المجتمع لطبيعته وقد تحدث تحولات لعدة مجالات سياسية واجتماعية.
الهاشمي: لكن هل في وعيكم وأنتم تتوسعون في دخولكم لصدام مع مصالح أميركا وحلفائها في العراق، أن مدخل المجتمع الأساسي هو العمل الخدمي وتحسين أدوات الدولة ومؤسساتها ومكافحة الفساد وتقليل نسب البطالة والفقر، وليس المقاومة المسلحة لطرد الأميركان والأتراك والفصائل المسلحة من جنسيات غير العراقيّة، وأن قوات هيئة الحشد الشعبي محصلة المتطوعين الذين استجابوا لفتوى طرد داعش من مدن العراق؟
المهندس: البرلمانيون الوسطيون المنسجمون مع رؤية الحشد الشعبي يمارسون العمل السياسي التشريعي وهم يدركون أن الوسيلة الوحيدة للحفاظ على سيادة العراق تكون بإصدار قانون او تشريع بإخراج القوات المسلحة الأجنبية من العراق، وهذا لا يسبق بالدعوة الى المقاومة والأعمال الأخرى داخل العراق، ونحن نؤمن أن السياسة الأميركية تجاه الحشد الشعبي نحو التصعيد والعمل على حله، ونعتقد أنه حان الوقت لنعطي بديلا فى المجال السياسي يوازي الأعمال القتالية الدفاعية التى نقوم بها.
الهاشمي: لديكم تنوع في ألوية الحشد الشعبي بين شيعي وسني ومسيحي وعربي وتركماني وايزيدي وشبكي وكاكائي.. كيف تنظرون إلى هذا التنوع الكبير داخل هيئة الحشد الشعبي، هل هو تنوع بالأفراد دون القيادات؟
المهندس: هذه التعددية الثقافية موجودة في جميع صنوف منظومة الدفاع الوطنية العراقية وليس فى ألوية الحشد فحسب رغم بروز هذا التنوع والاندماج الثقافي فى الفترة الماضية داخل هيئة الحشد.. صحيح أننا كنا في فترة من الفترات نرى في المقاتل المتطوع الجنوبي والفراتي أولوية، لكن بعد معركة آمرالي وفِي وقت مبكّر دخل هذا التنوع، والأمر مازال يتطور الى توازنات بحسب الحاجة الميدانية.. ثم كادت تقع مشكلات ابان معركة تحرير الموصل، حيث فتح التطويع المناطقي كوحدات شعبية ساندة دون الرجوع الى قيادة هيئة الحشد، وايضاً وقعت لنا مشكلات تمثلت بضغط الإعلام الخارجي على مقاتلي الحشد في معارك شرق تكريت، الاميركان ايضا كانوا يضغطون على القيادة المشتركة العراقية ويطالبون بانسحابنا كما حدث في معركة تحرير مركز تكريت وبيجي. منتصف عام 2015 بدأنا قبل الذهاب الى اَي معركة نوسع العلاقات العامة مع أطراف النزاع من شيوخ العشائر والأعيان والحكوميين والسياسيين، ولهذا لم يؤشر على الحشد الشعبي اَي انتهاك في معارك تحرير الحضر وتلعفر والمحليية والقيروان والبعاج وحتى شمال نهر الفرات وكل قرى غرب الثرثار، وأخذنا قرارا ان لا ندخل مدن الفلوجة والرمادي.
بخصوص المختطفين من في معركة الصقلاوية، فقد اجرت القيادة المشتركة تحقيقا حول دعوى اختطاف 670 اثناء معركة الصقلاوية وأخبرونا بنتيجة هذا التحقيق انه لا تفاصيل تؤكد تلك الدعاوي، وتاليا لا نقف امام مسؤولية الدولة في التحقيق بهذا الموضوع من حيث ابعاده الإنسانية والقانونية.
مشكلات احتياجات هيئة الحشد مِن حاجتهم الى توحيد زيهم العسكري، واعطائهم معسكرات خارج المدن، واعادة تأهيلهم وتدريبهم وانضباطهم وفق التعليمات الخاصة بالحشد. الحشد قدم نحو 8200 شهيد وقرابة 17500 جريح في معارك التحرير بالضد من داعش، وقريبا تصدر تعليمات تم الاتفاق عليها بعد المشاورة مع رئيس الوزراء ا.عبد المهدي وتوصلنا الى شبه حلول – دون مؤتمرات صحفية طبعا ولا حوارات تلفزيونية.. لقد فهم الجميع أن المعركة ليست بين المتدين الشيعي المقلد لفتوى السيستاني.. بل بين العراقيين وبين التوحش التكفيري الذي يسعى لتقسيم المجتمع ولتطرفه واخراجه عن عادته وتقاليده وثوابته لهذا الهدف أو ذاك.. وقد صار الجميع يدرك الآن أن ألوية الحشد ينبغي أن ترشد وتسير في اتجاه واحد وهو العمل تحت مظلة القائد العام للقوات المسلحة أسوة بباقي أصناف القوات المسلحة الوطنية.
الهاشمي: ماذا عن التوتر بينكم وبين رئيس الوزراء السابق، وما هي حقيقة العلاقة بينكم وبقية المجموعات السياسية الأخرى؟
المهندس: لم يكن هناك توتر من هذا النوع مع رئيس الوزراء السابق أو بقية المجموعات السياسية، وهذا راجع إلى المنهجية التي اُدير بها الخلاف والاستفزاز الذي وقع.. على سبيل المثال فقد ركزنا جميعا على قضية عدم حل او دمج ألوية الحشد الشعبي وحتى استقر الامر كما خططنا له وفق التشريع والقانون.. كما أن مسألة ضبط ومحاسبة العناصر المسيئة العاملة ضمن ألوية الحشد التي طرحت فى المؤتمرات الأمنية الخاصة مع رئيس الوزراء، جرى معالجة الكثير منها، ولا توجد عندنا بشكلها المعروف كما أن الذين باشروها تمت محاسبتهم قانونيا ولم يقف معهم قيادي من الحشد أو أي شخص ذي بال في المجتمع العراقي.
أما تحالف النصر فعلاقتنا بهم جيدة ولله الحمد نبين لهم فى حدود المسؤولية والقانون ونستفيد من نقدهم وخبرتهم ونضج قادتهم لأنها أمور نحن نحتاج اليها لحفظ الهوية الوطنية للبلد.
الهاشمي: البعض يأخذ عليكم عدم تمكنكم من انجاز تقدم ملموس على الأرض فى هذه الملفات مثلما هو الحال في قضية رتب الحشد ونوع السلاح وهل هم قوة مناطقية او اتحادية أو قضية الرواتب والمخصصات القتالية وما هي قصة مصانع الصواريخ الباليستية التي تهدد اسرائيل والسعودية؟
المهندس: فعلا مسألة الرواتب والمالية كانت معقدة بسبب الخلاف السياسي داخل البرلمان وتم تجاوز ذلك. وقعت عرقلات كبيرة أثرت فيها بشكل واضح، لكن عموما هنالك تطور في حل تلك المشكلات.
أما مسالة مصانع السلاح، فالحشد نجح بإعادة تأهيل تلك المصانع ونجحت كوادر الحشد الهندسية بصناعة صواريخ قصيرة المدى واُخرى متوسطة ليس لتهديد السعودية او أَي كيان اخر، وإنما لسد فراغ عدم وجود سلاح جو لقوات الحشد فاستخدام الصواريخ لسد ذلك الفراغ، فالموقف منها واضح جدا لدى العسكريين والقيادة العراقيّة، فنحن دعمنا مطلع عام 2015 هذا النشاط وضغطنا وشجعنا كل الخطوات التي اتخذت في سبيل عودة التصنيع العسكري العراقي.
الهاشمي: تكرر حدوث اشتباكات بين بعض ألوية الحشد والقوات الأمنية مثلما حدث في شارع فلسطين بين احد الفصائل وقوة من عمليات بغداد.. ما هو موقفكم منها؟
المهندس: الإشكالية أن هذا الاشتباك هو من فعل الفصائل وليس فعلا يحسب على هيئة الحشد، وبالتالي على الدولة ان تتعامل مع هكذا اشتباك ووفق القانون السائد، أطروحاتنا المعلنة ينبغي ان يطبق القانون على الجميع ولا يوجد إشكال في هذا الموضوع على الإطلاق إلا في الأوساط الإعلامية المتحيزة.