الشرق اليوم- حملت التصريحات الأخيرة للقائد العام للمنطقى الوسطى في الجيش الأمريكي،الجنرال كينيث ماكينزي جونيور، في زيارته الأخيرة للعاصمة بغداد، الأسبوع الماضي، وتحديدا تلك المتعلقة بتطورات المشهد العراقي، أكثر من رسالة ودلالة.
حيث أشار ماكينزي إلى أن “هناك قرارا عراقيا مرتقبا لبقاء القوات الأميركية، للمساعدة في مواجهة تنظيم داعش”، مشيدا، في الوقت عينه، بـ”مداهمة البوعيثة” أواخر شهر حزيران الماضي، حيث اعتقل جهاز مكافحة الإرهاب 14 منتسبا إلى الحشد الشعبي بتهمة الإعداد لهجوم صاروخي على المصالح الأميركية في العاصمة ومحيطها)، فـالتحديات التي يواجهها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عديدة، ولا تقتصر فقط على مواجهة داعش، بل أيضا كبح جماح الميليشيات، في إشارة منه إلى فصائل المقاومة العراقية، المحسوبة على طهران.
وفيما اعتبر ماكينزي المفاوضات العراقية – الأميركية (من المرجح أن تكون الجولة الثانية للحوار الاستراتيجي في الأسابيع القليلة المقبلة، مع زيارة الكاظمي للعاصمتين الإيرانية والأميركية) أشبه بـالتفاوض على لغم أرضي، خصوصا أن الهدف منها جدولة انسحاب القوات العسكرية الأجنبية (وتحديدا الأميركية) المنتشرة على طول الخريطة العراقية، فقد أكد ضرورة (مساعدة الكاظمي… عليه أن يجد طريقة إلى حل ما… سنحصل على حلول أقل من مثالية، وهي ليست جديدة في العراق).
إعراب ماكينزي عن ثقته بأن الحكومة العراقية ستطلب من القوات الأميركية البقاء في البلاد، رغم تأكيد كل من بغداد وواشنطن ضرورة الالتزام بالقرارات التشريعية والتنفيذية الداعية إلى جدولة الانسحاب (هذه القرارات كانت ردا عراقيا رسميا على اغتيال قوات الاحتلال الأميركي نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، وقائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ورفاقهما، مطلع العام الحالي)، يحمل أكثر من دلالة، ويمكن أن يقرأ وفق مسارات ثلاثة:
- رغم تأكيد الحكومتين، الشهر الماضي، أن قوات الاحتلال الأميركي لا تسعى إلى بناء/البقاء في قواعد دائمة، بالتوازي مع دعوات المسؤولين الأميركيين إلى البقاء لمواجهة داعش، إلا أن ذلك يشي بأن الانسحاب لن يكون على دفعة واحدة بل على دفعات؛ ما يعني تقسيم الدفعات على مدى سنتين كما يرجح البعض. وبذلك، فإن الكاظمي قد ينهي ولايته الحالية من دون أن ينجز الانسحاب الكامل، فثمة من يقول إن المساعدة الأميركية للكاظمي تكمن في إنجاز هذا الاستحقاق في فترة حكمه، لإعطاء دافع له، مع التماس جميع المعنيين بالمشهد العراقي أن الرجل يسعى للظفر بالولاية الثانية.
- لن يفرط الجانب الأميركي في الميدان العراقي بسهولة. سيقابل أي انسحاب تعزيز للنفوذ السياسي ـ الأمني في البلاد. هنا، قد تختلف، أو تبقى، تسميات الوجود: الناتو/ التحالف الدولي/ المستشارون/ الشركات الأمنية… ما يعني أنه ما من انسحاب كامل بالمعنى الحرفي، بل تنظيم للوجود أو إعادة التموضع، في المرحلة الأولى، على أن تكون المرحلة الثانية تحقيق جملة من الأهداف، هي «تقليم أظافر الحشد، والفصائل» بشكل حاسم. إنجاز المرحلة الثانية يقابلها انسحاب أميركي مماثل لانسحاب العام 2011.
- ينتشر في العراق، حاليا، أكثر من 5000 جندي أميركي. الإدارتان، الأميركية والعراقية، ترفضان الكشف عن العدد الفعلي والدقيق لهؤلاء. واشنطن تسعى إلى الإبقاء عليهم لـ”ردع النفوذ الإيراني”، لكنهم، في الوقت عينه، أقرب إلى أن يكونوا “فرائس سهلة الاصطياد”، من قِبل الفصائل المحسوبة على طهران، ما يعني ضياعا في الحفاظ على الوجود. فالجيش الأميركي يخشى جديا من سقوط قتيل في العراق، وقد حاول إرساء معادلة “الدم بالدم” باغتياله المهندس سليماني. في المقابل، لا تخشى الفصائل ما تخسره منذ ذلك الوقت. بالتالي، فإن المعادلة التي صيغت باتت فارغة المحتوى.
وعليه، فإن خيار الانسحاب لن يكون سهلا، أما البقاء فأصعب وبكلفة أكبر، مع جنوح الفصائل للمواجهة العسكرية على المواجهة السياسية، وقد لمحت إلى ذلك غير مرة. هنا، تبرز الحادثة التي وقعت، في الساعات الماضية، جنوب البلاد، هجوم على قافلة دعم لوجستي للقوات الأميركية. ثمة من قال إن مسلحين اعترضوا الناقلات وأضرموا النار فيها، في وقت نفت فيه وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، علمها بأي هجوم استهدف مصالحها هناك.
رسائل الميدان، عمليا، ترجمة للتعقيدات السياسية. ثمة من يقول إن أسهم الانسحاب إلى تراجع، وهذا سيرفع من أسهم “المواجهة” المباشرة وغير المباشرة في الأسابيع المقبلة. الجواب النهائي في حوزة الكاظمي وحلقة ضيقة جدا من فريق يؤمن بـ”العمل بعيدا عن الأضواء”، وتحقيق “توازن ما” بين واشنطن وطهران لنجاح التجربة. الأخيرة، تكتفي راهنا بالمراقبة، وهذا ما يدعو إلى التساؤل أيضا.
المصدر: NRT