بقلم: د. باهرة الشيخلي
الشرق اليوم- ثلاثة أحداث شغلت العراقيين، الأسبوع الماضي، يرتبط بعضها بالآخر، وكانت محط نقاشاتهم واستنكارهم، هي زيارة وفد حكومي إلى لبنان لعقد اتفاقيات اقتصادية، واغتيال الخبير الأمني الباحث هشام الهاشمي، وإدراج المفوضية الأوروبية، العراقَ ضمنَ قائمةِ الدولِ التي تشكلُ مخاطرَ مالية على الاتحادِ الأوروبي، بسببِ ما وصفته بالقصورِ في مكافحةِ غسيلِ الأموالِ وتمويلِ الإرهاب.
الرابط الذي يجمع الأحداث الثلاثة هو الإرهاب وغسيل الأموال، اللذان يتجسدان في نهب المسؤولين الثروات، والإرهاب الميليشياوي السائد في الحياة العراقية، منذ عام 2003، وبهذا فلن يستطيع وزيرُ الخارجيّةِ العراقي، فؤاد حسين، إقناع نظرائِهِ الأوروبيّينَ أن العراق بريء مما اتهمه به الاتحاد الأوروبي، ولن تكون لرسالته، التي بعث بها إليهم، يحثهم فيها على رفضِ قرارِ مُفوّضيّةِ الاتحادِ الأوروبيّ إدراجَ العراقِ ضمنَ قائمةِ الدولِ عاليةِ المخاطر، أي أهمية أو تأثير.
أما زيارة وفد عراقي إلى لبنان لدعم اقتصاده المنهار بسبب السياسات الإرهابية لحزب الله فقد جنّبنا السياسي والباحث العراقي وعضو الوفد إلى لبنان، حسن العلوي، مشقة الخوض فيها، حين عبّر عن استيائه من التفاهمات، التي أبرمها الوفد العراقي، في زيارته الأخيرة إلى العاصمة اللبنانية بيروت، محذراً من منح المسؤولين اللبنانيين أية امتيازات، غير أن هناك ما لم يستطع العلوي قوله، أو أنه تحاشاه لحسابات تهم وضعه.
قال العلوي، عبر تسجيل صوتي، انتشر بين العراقيين، إنه “حاول منع إبرام أية اتفاقات مجحفة بحق العراق”، مضيفاً أن “الجماعة جاؤوا لمنح امتيازات عجيبة إلى الحكومة اللبنانية، امتيازات مالية وأولوية للبضائع اللبنانية، وتصدير مواد زراعية إلى العراق، وخضار وطعام”.
لبنان، وفق ما قاله العلوي “بلا قرار واحد، والمحاصصة السياسية تفتك بمؤسساته، أما أنا فاشتركت في اللقاءات، وكنت (أتعارك) مع الوفد العراقي، وأحاول منعهم من منح امتيازات، فالعراقيون أولى، واللبنانيون أكثر رفاهاً منّا بكثير مقارنة بالدخل، وكان حديثي أمام رئيس الوزراء اللبناني”.
ما لم يقله العلوي أن الوفد ذهب ليقدم امتيازات وتسهيلات إلى حزب الله، الذي يسيطر على الحكومة اللبنانية، بدلاً من طهران، التي لا تستطيع، باقتصادها المنهار، دعم حزب الله، والتساؤل، الذي يفرض نفسه: كيف لبلد منهار اقتصادياً أن يدعم بلداً منهاراً اقتصادياً؟
تشير معلومات البنك الدولي إلى أن عدد سكان العراق بلغ 38.5 مليون نسمة، وأن خط الفقر محدد بـ3.2 دولار في اليوم. وذكر وزير التخطيط الأسبق سلمان الجميلي سنة 2016 على حسابه في فيسبوك، أن الفقر في العراق ازداد بنسبة 30 في المئة، والبطالة 20 في المئة.
من جانبها، تشير إحصاءات وزارة التخطيط، إلى أن نسب الفقر في المحافظات العراقية سنة 2018 تراوحت بين 1.2 في المئة في السليمانية، و52.5 في المئة في المثنى.
وتتوجب الإشارة هنا، إلى أن الفقر والبطالة ازدادا في المحافظات الجنوبية بسبب السرقات وليس الإرهاب، الذي لم يمتد إلى الجنوب. رغم تزعم أحزابها بالبرلمان والوزارات منذ 2003.
تبديد الثروات العراقية يجري منذ الاحتلال بصيغ وطرق كثيرة، لعل أهونها رواتب من نسميهم جماعة رفحاء، وهي رواتب مزدوجة تتقاضاها الجماعة مقابل “جهادها” ضد النظام السابق، وبلغت حسب مصدر في وزارة المالية، 2 تريليون و67 مليار دينار تقريبا.
يقول الدكتور محمد طاقة، وهو عضو اللجنة الاستشارية في اتحاد الاقتصاديين العرب، عضو الهيئة الإدارية لجمعية الاقتصاديين العراقيين: ذهب الوفد المفاوض من العراق إلى لبنان ولديه توجيهات من إيران عليه تنفيذها، لأن العملاء لا يعملون لمصلحة بلدهم، وإنما لمصلحة أسيادهم، يقدمون العون إلى حزب الله، الذي يعاني من الضائقة المالية، وعدم تمكن إيران من الاستمرار بدعمه بسبب وضعها الاقتصادي، فالاتفاق سيكون ضد مصلحة الشعب العراقي، الذي يعاني من الجوع والقهر والاضطهاد، فهو، بالتحديد، تحويل أموال العراق إلى لبنان، مقابل سلع بائرة وغير مفيدة وغير ضرورية للعراقيين، وهذه الأموال ستذهب، بالتأكيد، إلى جيوب اللصوص والأحزاب السياسية الإيرانية، وكذلك لتمويل الميليشيات الموالية لطهران.
ولم تمر مهمة هذا الوفد إلى لبنان مرور الكرام، كما يقال، فقد هاجمت صحيفة “مدارات الثورة” اليومية الموجهة إلى المتظاهرين الوفد وأهدافه وقالت إن “ما شاهدناه في تشكيل وفد حكومة الكاظمي إلى لبنان، الذي ضمّ أكثر من وزير ولكل وزير من يتبعه من موظفين، لا مسوّغ لهم جميعاً، وكان يمكن أن يقوم بهذه المهمة مسؤول بدرجة مدير عام”.
ولم تغفل الصحيفة الهدف الحقيقي للوفد بقولها إن “ما أثار استغراب المتابعين واستنكار المواطنين، الهدف، الذي أعلن عنه من هذه الزيارة، كما نجد من الضرورة أن نشير إلى أن هذه الزيارة مصممة أن يكون هدفها الأساس هو دعم الحكومة اللبنانية المنهارة اقتصادياً واجتماعياً في خدمة لحزب الله وأسياده في طهران”.
ثالثة الأثافي هي اغتيال الخبير الأمني الباحث هشام الهاشمي، الذي خلّف مقتله ردود أفعال محلية ودولية، وأثبت أن الإرهاب تجذر في العراق، منذ احتلاله، وهو إثبات لما ذهب إليه الاتحاد الأوربي، مؤخراً.
مجمل القول إن حكومة الكاظمي، كما سابقاتها السبع، خرجت من تحت عباءة الولي الفقيه الإيراني والإمبراطور الأميركي.. التجهيل والفساد والإرهاب، ثلاثية افتتح بها الحاكم المدني الأميركي بريمر عهد الاحتلال البغيض، ونظّر لها المجلس الانتقالي، وعمقت أدواتها منظومة الحكام الستة: إياد علاوي، إبراهيم الجعفري، نوري المالكي، حيدر العبادي، عادل عبدالمهدي، ثم مصطفى الكاظمي، وسابعهم وكيل إيران الأقدم وراعي مصالحها هادي العامري، وبرفقتهم الوزارات، والبرلمان، بدوراته من دون استثناء، ورؤساء الدولة وبرفقتهم كلاب الصيد من الميليشيات وفرق الموت، وكان الناتج المتحقق حتى الخامس من يوليو 2020، طبقاً للأرقام، انقضاء الأمل: 40 في المئة تحت خط الفقر، 38 في المئة البطالة، و90 في المئة الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة كافة، وأفول الدولة وقيام دولة الميليشيات الكبرى، وانتهاء التعليم وتدمير التعليم العالي..
إنه الزمن العراقي الأخير.
شاهد أيضاً
أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!
العربية- هدى الحسيني الشرق اليوم– يقول أحد السياسيين المخضرمين في بريطانيا، المعروف بدفاعه عن حقوق …