بقلم: فاروق يوسف
الشرق اليوم- لم يكن المقصود من جريمة اغتيال هشام الهاشمي وسط بغداد التخلص من صوت كاتب وطني حر ينادي باستعادة هيبة الدولة وضبط واحتواء الميليشيات الإيرانية بسلاحها الفالت، بل كان المقصود وضع الحكومة العراقية التي يتزعمها لأول مرة منذ الاحتلال الأميركي رجل لا يحظى برضا إيراني أمام حائط أصم.
في ظاهرها تبدو عملية الاغتيال الآثم جوابا على العملية التي ألقت الحكومة من خلالها القبض على عدد من مقاتلي تلك الميليشيات منعا لقيامهم بإطلاق صواريخ على المنطقة الخضراء وهي منطقة الحكم والسفارات غير أنها في جوهرها تنطوي على رسالة غاضبة مفادها أن على الحكومة ألا تكرر المحاولة وتترك الميليشيات في حالها، من غير أي مس بوجودها العسكري وبمصالحها الاقتصادية.
وإذا ما اكتفينا بالنظر إلى المشهد العراقي مثلما تبلور بعد أكثر من سبعة عشر عاما من الانفلات الأمني فإن كل التوقعات ستكون يائسة من جهة قدرة الحكومة على القبض على الجناة وتقديمهم إلى القضاء من أجل أن ينالوا عقابهم العادل. غير تلك النظرة قد تخون الحقيقة. ليس لأن الحكومة قوية بذاتها بل لأن هناك إرادة شعبية يسندها تعاطف عالمي قد استحدثت واقعا مجاورا سيكون بمثابة قوة ضغط لن تتمكن الميليشيات من الصمود أمامها.
ذلك الواقع المجاور الذي لا يمت بصلة إلى الدولة العميقة التي تأسست قواعدها أثناء حقبة نوري المالكي التي استمرت ثماني سنوات هو ما يشكل الملاذ الآمن لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في حربه الخفية ضد تلك الميليشيات التي أطلق عليها تسمية “العصابات” وهي التسمية التي تليق بها. ذلك لأنها بالرغم من انتسابها إلى الحشد الشعبي غير أنها تتصرف بمعزل عن أوامر الحشد حين يتعلق الأمر بمصالحها.
ما صار يُسمى في العراق بالميليشيات الولائية دأبت على التعامل مع الحكومة بطريقتين. فهي جزء من الحشد حين يتعلق الأمر برواتب منتسبيها وهي ليست كذلك حين تقوم بتنفيذ عملياتها الخاصة المرتبطة بشكل مباشر بإملاءات تصدر عن الحرس الثوري. وقد تكون زعامة الحشد متواطئة مع تلك الميليشيات في ذلك المجال لكي تبدو كما لو أنها ليست على علم بما يحدث.
غير أن ما حدث هذه المرة سيكون مختلفا وقد تكون جريمة اغتيال الهاشمي واقعة مفصلية في علاقة الدولة بدعاة استمرار اللادولة التي سعى الهاشمي إلى فضح رؤوسها والمستفيدين منها. فالكاظمي اليوم ليس مطالبا بالقبض على القتلة فحسب بل سيكون عليه أن ينهي ظاهرة العودة إلى المربع الأول التي صنعت ما صار يُسمى بالمتاهة العراقية.
فالقاتل ليس مجهولا هذه المرة.
غير أن القبض على قاتل الهاشمي وتقديمه إلى المحاكمة سيكون خطوة في الطريق الصحيحة. أولا لأنها ستنهي ظاهرة الاغتيال السياسي وثانيا لأنها ستوقف عمليات الابتزاز السياسي وثالثا لأنها ستعري تلك الميليشيات من شرعية وجودها باعتبارها جزءا من الحشد الشعبي.
سيكون الأمر صعبا. مَن قال ذلك؟
ستكون المواجهة حاسمة ما بين حكومة ترغب في استعادة المبادرة لبناء الدولة المغيبة وبين قوى كانت ولا تزال مستفيدة من الفوضى التي كانت أساسا للادولة التي أمعنت في الفتك بالعراقيين وسرقتهم والضحك عليهم. تلك مواجهة قد تبدو لأول وهلة غير متكافئة لصالح الميليشيات غير أنها ليست كذلك بعد اغتيال الهاشمي الذي أطلق صيحة العراقيين كما لم يحدث من قبل.
وهب الهاشمي في موته شرعية لحكومة الكاظمي ستستعملها في فرض هيبة الدولة وإنهاء ظاهرة السلاح الفالت. تلك شرعية يقف وراءها العراقيون والمجتمع الدولي. وهو ما لا يمكن أن تصمد أمامه الميليشيات التي هي اليوم في أضعف حالاتها بعد فشل إيران في الدفاع عن نفسها.