الرئيسية / الرئيسية / العراق.. ميليشيات أقوى من الدولة

العراق.. ميليشيات أقوى من الدولة

بقلم: د. باهرة الشيخلي

الشرق اليوم- ما زالت قضية مداهمة قوات مكافحة الإرهاب، ليلة 25 و26 يونيو الماضي، مقرا لكتائب حزب الله جنوبي بغداد، تتفاعل في الشارع العراقي، وبينت الإجراءات، التي اتخذتها حكومة الكاظمي بإطلاق سراح المعتقلين من الميليشيات، الذين ألقي القبض عليهم، في المقر المذكور، أن الأمر لا يعدو إلّا أن يكون لعبة إيرانية لترسيخ نفوذ طهران في العراق وإظهار أن ميليشياتها أقوى من الدولة العراقية، بل إنها هي التي تقود هذه الدولة وتسيطر على مفاصلها جميعا.

بات معروفا للجميع أن واحدة من بديهيات الواقع، التي وضعت مقدماتها حكومة الجعفري سنة 2005 أن الأولوية للميليشيات، فأصبح فيلق بدر ذراع البطش بالتعاون مع هادي العامري وجبر صولاغ، وأسس لذلك لاحقا وأقام قواعده نوري المالكي، ففي عهده، أصبح تغوّل الميليشيات سافرا، وكان ملجأ الجادرية محطتها الأولى، قبل أن تمدّ خطوطها إلى مؤسسات الدولة وتفرض سيطرتها. وقد استعان المالكي بها في تصفية خصوم ولاية الفقيه، وكان لها دور في تصفية الطيارين العراقيين، واختطاف العشرات من صقور القوة الجوية وتغييبهم، لتفتح جبهة عريضة شملت أصحاب الكفاءات والخبراء والعلماء في الطاقة النووية والتصنيع العسكري والأطباء وأساتذة الجامعات.

ثلاثة عملوا على استحداث الحشد هم، محمد رضا السيستاني، نجل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، ورئيس الحكومة، حينها، ونوري المالكي، وقائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، بعد أن حددوا للحشد ثلاث مهمات؛ الأولى، الحفاظ على حكومة آل البيت في العراق، حسب وصف المالكي، والثانية مواجهة داعش، والثالثة ضمان الأمن الإيراني والدفاع عن مصالح طهران في العراق.

كان واضحا أن إعلان المتحدث باسم الحكومة العراقية أحمد ملا طلال، عن معلومات استخباراتية وردت عن محاولة لاستهداف مناطق حساسة وممثليات دولية، وأن جهاز مكافحة الإرهاب تعامل، بنحو سريع، مع تلك المحاولة، وأمر القبض صدر بحق شخص واحد، وعند المداهمة تم القبض على 13 شخصا كانوا موجودين معه، و”تم الإبقاء على اعتقال المطلوب، والإفراج عن البقية”، كان بهدف حفظ ماء وجه الكاظمي، بعد ظهور الميليشيات بمظهر القوي أمام الحكومة وأجهزتها، بحيث زحفت قوات هذه الميليشيات للسيطرة على المنطقة الخضراء، مركز الحكومة المحصن.

كشفت حادثة مداهمة مقر لكتائب حزب الله، في منطقة الدورة جنوبي بغداد، أن هناك حلفا لم يكن منظورا بين الفساد والسلاح المنفلت، وإلى هذا أشارت الكاتبة السياسية سلمى الجنابي، عندما قالت “إن ما حدث، خلال الأيام الأخيرة، التي انكشف فيها الكاظمي أمام تحالف السلاح المنفلت مع عصبة السياسيين الفاسدين المرتبطين بالاستخبارات الإيرانية ومشروعها العنصري التوسعي، مستفيدين من خراب المؤسسة الأمنية الرسمية واختراقها وعدم انضباطها، أكد ما كنت قد ذهبت إليه وتوقعته من وجود تحالف بين الفساد والسلاح المنفلت، لكن مع هذه الدلائل كلها على فشل الكاظمي، سأبقى أنتظر مع الذين ينتظرون الإصلاح، مع أنني لا أرى أيّ دليل عليه”.

كثيرون يشاركون الجنابي في ما ذهبت إليه، بل إن وزير الكهرباء الأسبق أيهم السامرائي يؤكد، في مقال كتبه، أن حزب الله العراقي كان يهدف إلى إحياء المشروع الطائفي الإيراني، الذي قبرته ثورة الشباب العراقي في أكتوبر الماضي، فهو يشير إلى أن كتائب حزب الله كانت تخطط، في ليلة إلقاء القبض على عناصرها وبعض قادتها لقصف “السفارة الأميركية ومطار بغداد، ومن ثم يضربون مرقد الإمام الكاظم ويتهمون السنة كالمعتاد، وكما عملوها سابقا في عهد الجعفري، عندما فجروا مرقد الإمام علي الهادي في سامراء، وحصلت نتيجتها الحرب الأهلية وسرقة الحضرة هناك من أهلها أشراف سامراء، وإعطائها إلى صاحب الزمان الجديد، «حرامي بغداد ومريض كورونا حاليا»، الصدر المنتظر ولصوصه سرايا السلام. وبعدها، كما تعرفون أدخلوا الدواعش الخامنئيين العراق في يونيو 2014، ليدمروا بعدها خمس محافظات مع قتل وجرح وتشريد أربعة ملايين من أهلها، رغم ذلك لا يزال المالكي المسؤول عن كل تلك الجرائم، يتحكم بحزبه ويتآمر على رئيس الوزراء الحالي الكاظمي”.

ويحذر السامرائي الكاظمي من أن إدارة ترامب تفكر الآن بالرد على فعله، الذي وصفه بالمشين، والذي لا مبرر له مطلقا، ويذكّره بما كتبه ضابط المخابرات المركزية الأميركية السابق مايكل بريغينت من ‏أن “دور الولايات المتحدة في التدريب والإرشاد والشراكة في العراق لا معنى له إذا كان للإرهابيين الذين (نقبض عليهم) نفوذ على شريكنا (الحكومة العراقية) أكثر من تأثيرنا”.

ويقول مخاطبا الكاظمي “هكذا تفكر أميركا، اليوم، برغم أنها لم تعلنه إلى الآن، كيف تعقل أنت دولة الرئيس أنهم (الأميركان) سيوقعون معك اتفاقية استراتيجية، تنقذ العراق من أعدائه المدمرين أمثال إيران الملالي وميليشياتهم وحرسهم وتعيد إليك سيادتك على كل أرضك، التي سرقها جيرانك من الجنوب إلى الشمال، كيف تعقل أن الأميركان يستثمرون في أرضك ويبنونها، كما بنوا كوريا واليابان وأوروبا وأنت مع عدوهم؟”.

الإجراء الثاني، الذي كان من المؤمل أن يتخذه الكاظمي ضد الميليشيات الإيرانية، هو تخليص المنافذ الحدودية العراقية الجوية والبرية والبحرية من تلك الميليشيات، التي تذهب إيراداتها إلى جيوب قادتها ومنها إلى الخزينة الإيرانية لدعمها. وقد أعلمني أستاذ الاقتصاد السياسي محمد طاقة، في رسالة وجهها إليّ، أن الفساد طال المنافذ الحدودية للعراق، والتي يبلغ عددها 22 منفذا، ثمانية منها أساسية، على امتداد الحدود العراقية مع الدول الست المحيطة بالبلاد.

وبسبب انعدام التنمية في العراق، منذ 2003، أصبح البلد يستورد حاجاته من الخارج، إذ تقدر واردات العراق بمليارات الدولارات، وجميع هذه المنافذ الحدودية تسيطر عليها الميليشيات والأحزاب السياسية الموالية لإيران، وهي التي تتحكم بالموارد المالية المتأتية من الرسوم الجمركية، فهي تستولي على أكثر من 90 في المئة من تلك الإيرادات، ولم يدخل منها إلى خزينة الدولة سوى أقل من 10 في المئة فقط.

إذا علمنا، حسب تقديرات أولية، أن الإيراد السنوي لهذه المنافذ، في حال حصلت، بعيدا عن الفساد، يصل كحد أدنى إلى 30 مليار دولار سنويا، وهو مبلغ مهمّ جدا للميزانية يمثل ثلث المبالغ المتأتية من النفط، عرفنا أحد أسباب انهيار الاقتصاد العراقي وتبدد موارده.

إن لسرقة هذه الإيرادات تأثيرا كبيرا على الاقتصاد العراقي، وبالأخص على الميزانية العامة للدولة. ولا يمكن إصلاح هذا الفساد طالما تتحكم بمقدرات البلد، مجموعة فاسدة، تنفذ أجندات أسيادها الذين أتوا بها، ولا علاقة لهذه المجموعة بمصلحة العراق.

وهكذا فإن الحديث عن أيّ إصلاح في العراق، يغدو حديث خرافة، إذا لم تتحرر البلاد من هيمنة الميليشيات الموالية لإيران ومن النفوذ الإيراني، وهو هدف ما زالت ثورة الشباب العراقي التحررية تسعى إلى تحقيقه.

شاهد أيضاً

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

العربية- هدى الحسيني الشرق اليوم– يقول أحد السياسيين المخضرمين في بريطانيا، المعروف بدفاعه عن حقوق …