الرئيسية / الرئيسية / العراقيون يجددون مطلب محاكمة مختار حزب الدعوة

العراقيون يجددون مطلب محاكمة مختار حزب الدعوة

بقلم: د. باهرة الشيخلي

الشرق اليوم- تتصاعد المطالبات الشعبية، وخصوصاً في ساحات التظاهر والاعتصام، بتقديم رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي إلى المحاكمة لأسباب عديدة وتهم متعددة، في مقدمتها تسليمه الموصل إلى داعش وتبديده ثروات العراق وجرائم القتل الواسعة، التي حصلت في سنوات حكمه الثماني.

الوقائع القانونية، وحدها، تكفي، كما يقول المطالبون، لأن يقدم “مختار” حزب الدعوة إلى محكمة جرائم الحرب، بدءاً باتفاقيات جنيف الأربع ولائحة حقوق الإنسان الأممية.

فصل رئيس النزاهة السابق “جرائم المالكي”، عبر دراسة توثيقية لـ30 قضية، بخلاف الجرائم الجنائية، ومن بينها مجازر الزركة، والحويجة، وسبايكر، والموصل، والرمادي، إلى جانب تهمة التطهير الطائفي، التي قادها بنفسه في حزام بغداد.

الأمر الثاني، الذي تستند عليه المطالبات، هو أن من حق كل عراقي أن يطالب بمحاكمة مختار الدعوة، الذي تسبب لوحده بسرقة ثروة العراق وهدرها، وهو المتهم الرئيس في اختفاء مبلغ الأربعمئة مليار
دولار، عداً ونقداً، كما أن من حق كل عراقي أن يقاضي مختار الدعوة لسعيه المحموم، خلال ولايتيه إلى تدمير البلاد وإفقار الشعب، وبتهمة تحطيم سمعة بلاد الرافدين وتشويه مركزها التاريخي والحضاري والإنساني.

هو من أوصل العراق إلى أدنى المستويات الدولية، ففي عهده عدّت بغداد أسوأ المدن في العالم، وتحت ولايتيه وضع بلد الكتابة في خانة الأمية، 30‎ في المئة. وفي عهده عُدّ العراق من الدول الفاشلة والفاسدة.. كما أنه من ابتدع جيشاً موازياً للقوات المسلحة العراقية من ميليشيات الجريمة المنظمة ومافيا الفساد تحت عنوان “الحشد الشعبي”.

هذه المطالبات ليست جديدة، فقد بدأت سنة 2011، عام الحراك الشعبي في التحرير، وأكدتها ثورة أكتوبر 2019، وكان النائب الكردي في البرلمان عادل نوري، العضو في اللجنة البرلمانية المشكلة للتحقيق في أسباب سقوط الموصل، طالب في يونيو 2015 بتقديم نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، إلى المحكمة الجنائية الدولية، بسبب ما أسماه “مسؤوليته” عن سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل، وما اتبعها من سقوط أجزاء كبيرة من محافظات ديالى، وكركوك، وصلاح الدين، والأنبار، مستدركاً “إلا أن المحاكم في العراق لن تكون حيادية في محاكمته، ولذلك نطالب بمحاكمته في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي”.

وكان قائد القوات البرية العراقية السابق، الفريق علي غيدان، أدلى باعترافات للجنة حول مسؤولية المالكي في سقوط الموصل بيد مسلحي التنظيم، مفيداً بأن القادة العسكريين تلقوا أوامر من رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة وقتها بالانسحاب من الموصل خلال هجوم تنظيم الدولة على المدينة في يونيو 2014، وهو الأمر الذي أدى لفرض التنظيم سيطرته الكاملة عليها.

المفارقة أن موقع وكالة براثا للأنباء، المقربة من المجلس الأعلى الإسلامي بقيادة عمار الحكيم، نشر مقالاً اعتبر فيه أن قرار المالكي بسحب قواته من مدينة الموصل، وبغض النظر عن دوافعه، كان الشرارة التي أحرقت العراق وأعادته عقوداً إلى الوراء.

وبحسب كاتب المقال فإن المالكي “خان الأمانة مرتين، أولاهما عندما أصدر أمر الانسحاب، وثانيهما عندما فشل في إعداد جيش يدافع عن العراق، بالرغم من إنفاقه لمبلغ 200 مليار دولار على الأمن والدفاع، ذهب معظمها إلى جيوب حيتان الفساد في العراق”.

لكن الغريب أن المالكي سوّغ احتلال الموصل، خلال حضوره فعاليات ذكرى مرور سنة على فتوى المرجعية الشريفة، وإعلان الجهاد الكفائي، وتأسيس الحشد الشعبي، بالقول “إن السؤال عن سقوط الموصل لا يوجه إليّ، بل يوجه إلى كل من شارك في المؤامرة، من خلال جعل قطعات عسكرية كبيرة تنسحب من مواقعها وثكناتها” وكأنه لم يكن القائد العام للقوات المسلحة والآمر الناهي في كل شيء!

وأبرز المؤاخذات عليه أنه انفرد باتخاذ القرارات المصيرية دون الرجوع أو التشاور مع حلفائه في التحالف الوطني، وهمش جميع أطراف العملية السياسية، وضرب بعرض الحائط ما نصت عليه اتفاقية أربيل، التي بموجبها استحوذ على صولجان حكم الولاية الثانية، وأنه رفض أن يجلس أمام مجلس النواب، بكبرياء، لأنه يعتقد أنه فوق الديمقراطية!

والغريب أنه أصر على إهانة المؤسسة العسكرية عندما أعلن قائلاً “إن هذا الجيش ليس بمقدوره أن يدافع عن العراق ولا قدرة لديه لخوض المعارك الكبرى!” ولا ندري لماذا سكت عن هذه الحقيقة كل سنواته الثماني في رئاسة الحكومة وهو القائد العام للقوات المسلحة، وما الذي منعه من تطويره ليكون أهلا،ً بحسب وجهة نظره، للدفاع عن العراق.

في وقتها، أعلن رجل الدين الشيعي البارز والأمين العام لحركة الوفاق الإسلامي الشيخ جمال الوكيل، على قناة البغدادية الفضائية، أن المرجعية العليا في النجف لا تعارض محاكمة نوري المالكي على جرائمه ضد الشعب العراقي، وأولاها تفريطه بالموصل وتمكينه تنظيم داعش من السيطرة على ثلث مساحة العراق، مؤكداً أنه سيستمر في المطالبة بمحاكمة المالكي.

لكن ما ينجي المالكي من الحساب، هو رفض إيران تقديمه إلى المحاكمة، حتى أن الولي الفقيه الإيراني، علي خامنئي، هدد بتدمير العراق إذا قدّم المالكي إلى المحاكمة، معتبراً إياه “الخط الأحمر”، بحسب قيادي بارز في التيار الصدري العراقي، الذي ذكر أن خامنئي بعث برسالة إلى الساسة العراقيين والمرجعيات الدينية الشيعية في مدينة النجف، تحمل في مضمونها التحذير بلهجة شديدة من محاسبة المالكي.

ونشط مكتب المرشد الإيراني في حماية المالكي، بإجراء اتصالات مع رئيس الوزراء، حينها، حيدر العبادي، ومع زعيم كتلة الأحرار مقتدى الصدر، ورئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم، ورئيس المؤتمر الوطني أحمد الجلبي، وأبلغهم رفض خامنئي لأي مساس بالمالكي، كما أبلغ قيادات حزب الدعوة رفض أي محاولة لإقصاء المالكي عن زعامة الحزب.

واعترفت مصادر في التحالف الوطني، أن إيران هددت بوقف دعمها للحرب على تنظيم الدولة وتحويل جهود الميليشيات التابعة لها، مثل عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، إلى حمل السلاح ضد الحكومة، وتحويل المحافظات الوسطى والجنوبية إلى ساحات حرب.

لا يخفى أن حماية إيران للمالكي مردّها أن الأخير جزء أساس من النفوذ الإيراني في العراق، وأسهم في تعزيزه خلال السنوات الثماني، التي كان فيها رئيساً للحكومة، وأن محاكمة المالكي ستضعف نفوذها، وربما تطال سياسيين آخرين ضمن هذا النفوذ من وزراء ومسؤولين، فضلاً عن أن المحاكمة، لو تمت، ستظهر المليارات، التي منحت لإيران وسوريا.

يقول السفير العراقي السابق عدنان مالك، في رسالة تلقيتها منه، إن هناك أكداساً من الأدلة من الوثائق والشهود، التي يمكن أن تكون قضية مشروعة لعرضها على أية محكمة دولية أو محلية.

ومن الأدلة تسليم المالكي المحافظات العراقية الشمالية والغربية إلى داعش، ومجزرة سبايكر، والفساد والإثراء الشخصي، وتأجيج الطائفية وتشجيع ثقافة الكراهية، والقتل على الهوية، إلى جانب ملف المغيبين قسرا، وإصدار التشريعات غير الدستورية، والفساد الإداري، وسوء إدارة موارد الدولة، وتنفيذ أجندات أجنبية إيرانية لتقسيم العراق، والفشل في حماية سيادة العراق، وغيرها الكثير. وكلها تهم تمنح الحق لأي مواطن عراقي ليتقدم بطلب محاكمة المالكي أو غيره.

إن المطالبات بتقديم المالكي ومن هم على شاكلته إلى محكمة عادلة لن تهدأ وستستمر حتى يتم تحقيقها، ولعل ما أقدم عليه رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي من اعتقال عناصر ميليشيات ليلة 25 – 26 من هذا الشهر، أنذر بالإسراع بتقديم المالكي إلى المحاكمة، فأوعزت إيران إلى ميليشياتها بمهاجمة المنطقة الخضراء، واحتلال مقرات حكومية وتهديد الكاظمي.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …