BY: Matthew Lynn – Spectator
الشرق اليوم- العاملون في قطاع السيارات سيدفعون ثمناً باهظاً، فالبلد سيفتقر إلى أسواقه الأساسية، ووزارة الخزانة ستغرق في عجز مالي في ظل تراجع فواتير الضرائب، والمزارعون سيخسرون الإعانات التي كانوا يستفيدون منها، فعلى مر الجدل الطويل والمؤلم حول انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سمعنا مراراً أن عدداً كبيراً من الجماعات سيدفع ثمن تلك الخطوة، لكن بعد تبلور ذلك الانسحاب، حصلنا أخيراً على جواب حاسم: لا بد من دفع ثمن معيّن، لكنّ دافعي الضرائب في ألمانيا، لا بريطانيا، سيتكبدون تلك الكلفة، وتتّضح هذه التداعيات في أسوأ وقت على الإطلاق.
في اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة نوقشت الميزانية الخاصة بالسنوات السبع المقبلة، وبوريس جونسون ليس ممتناً لوضعه الراهن، لكنه ليس مضطراً على الأقل لتحمّل الإهانة التي ترافق عقد تسوية خفيّة في بروكسل ثم مواجهة عناوين صحافية غاضبة بغض النظر عن نتائج الصفقة محلياً، بل إنه يستطيع نقل هذه المهمة المريبة إلى أنجيلا ميركل.
وفق تقرير في صحيفة “دي فيلت” الألمانية، تخطط المفوضية الأوروبية لزيادة المساهمة الألمانية إلى الاتحاد الأوروبي بمعدل 13 مليار يورو، أي بنسبة 42%، إذ تدفع ألمانيا في الوقت الراهن 31 مليار يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي، لكنّ المبلغ السنوي في الأعوام السبعة المقبلة سيرتفع إلى 44 مليار يورو، وهذا ما يجعلها أكبر مساهِمة في الاتحاد الأوروبي على الأساس الصافي والإجمالي، حتى أن الوضع قد يزداد سوءاً، حيث يوشك الاتحاد الأوروبي على اقتراض 750 مليار يورو لـ”صندوق التعافي من فيروس كورونا”، ولم تتضح بعد طريقة توزيع ذلك المبلغ (من المتوقع أن ينشأ صراع عنيف حول هذا الموضوع)، لكن بما أن مظاهر “كوفيد-19” بقيت محصورة نسبياً في ألمانيا، فيُفترض أن تتلقى مبالغ أقل من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، لكنها ستضطر في مطلق الأحوال لدفع أعلى المبالغ باعتبارها أكبر اقتصاد في أوروبا.
عملياً، يبدو أن ألمانيا هي التي تدفع ثمن انسحاب بريطانيا، حتى أن زيادة مساهماتها بمعدل 13 مليار يورو تساوي تقريباً المساهمة البريطانية الإجمالية (14.6 مليار يورو في عام 2018)، مع أن المبلغ الصافي كان أقل بكثير من هذا المستوى.
قد لا يمانع المواطن الألماني العادي ما يحصل، لكنّ هذا الاحتمال غير مؤكد، وتأتي هذه التطورات أصلاً في أسوأ الظروف، إذ بدا وكأن العجلة الاقتصادية الضخمة في ألمانيا بدأت تضعف في المرحلة السابقة، وأصبح قطاع السيارات فيها، وهو أكبر قطاع في الاقتصاد الألماني، عالقاً في وضع شائك بسبب وفرة السيارات الرياضية الضخمة العاملة بالديزل من نوع SUV، في حين تتراجع شعبية هذه المركبات في الأسواق (أصبحت شركة السيارات الكهربائية “تيسلا” اليوم تساوي BMW وMercedes معاً)، حتى أن النموذج الاقتصادي الألماني المبني على التصنيع والتصدير يبدو هشاً بدرجة استثنائية في عالمٍ توقفت فيه جميع النشاطات التجارية.
أخيراً، تنفق الحكومة المليارات لتدعيم اقتصادها، لكنها قد تحتاج إلى إعادة ابتكار نفسها أيضاً، ولن تكون هذه المهمة سهلة بأي شكل، لأسباب تاريخية، لم تجد ألمانيا يوماً صعوبة في تمويل الاتحاد الأوروبي، على عكس بريطانيا، لكنّ قوة تحمّلها بلغت أقصى حدودها اليوم، حتى أنها قد تعجز عن تحمّل هذه الظروف قريباً ما لم يتبدل الوضع.