بقلم: إبراهيم الزبيدي
الشرق اليوم- لقد بالغ رئيس الوزراء الجديد، مصطفى الكاظمي، في وعوده القاطعة للشعب العراقي، حتى قبل اكتمال حكومته، باجتثاث الفساد، ومحاسبة المخربين والمختلسين، وحصر السلاح بأجهزة الحكومة، وتخليص الدولة العراقية من الطفيليين الذين أنقَضوا ظهرَها، وأفقدوها الهيبة والسيادة والاحترام، فأنعش بذلك أحلام الجماهير المظلومة والمنهوبة بالعدالة والإنصاف وإعادة الوطن إليها بكامل الصحة والعافية والسلامة.
نعم، إن عمر وزارة الكاظمي قصير، ويقتضي العدل أن ننتظر أشهرا أو سنة، على الأقل، ليكون الحكم عليها منطقيا وقائما على وقائع موثقة وبيّنة لا خلاف عليها.
ولكنه، بما قام به، مبكرا ومن أيامه الأولى، من تحركات وزيارات خلافية وجدلية، وبما أطلقه من تصريحات معاكسة لما أطلقه من وعود، قد أفسد أحلام الجماهير المنتظرة على نار ليوم الخلاص الوطني الحقيقي الكبير، وجعلها تفقد حماسها له رويدا رويدا، وتقتنع بأنه ليس الرجل المناسب، في الزمن المناسب، وفي الحرب المناسبة.
فقد برّأ حكومة سلفه المطرود عادل عبدالمهدي من كل سوء. بل حكم على شعبه العراقي المظلوم والمسروق بالعقوق ونكران الجميل لأنه لم يقابل “منجزاتها العظيمة” بما تستحقه من شكر وامتنان.
هذا برغم أن 600 شهيد من المتظاهرين قد سقطوا برصاص حلفائه الحشديين، بالإضافة إلى المئات من الجرحى والمفقودين الذين وعد بالتحقيق في جرائم قتلهم أو اختفائهم، ثم تكتم، ولم يقم بشيء. ورغم أن مساعد الكاظمي نفسه أعلن أن الحكومة المستقيلة لم تترك في خزينة الدولة سوى 300 مليون دولار، فقط لا غير. ثم أحال وزراءها على التقاعد، وكان عليه أن يسوق بعضهم إلى ساحة القضاء.
وأمر باقتحام مقر ميليشيا ثأر الله الإرهابية في البصرة، وباعتقال مسلحيها الذين أطلقوا النار على المتظاهرين، إلا أن السلطة أطلقت سراحهم بعد ذلك بقليل.
وأعاد ثلاثة قادة عسكريين مغضوبا عليهم من سلفه رئيس الوزراء المطرود عادل عبدالمهدي، ولكنه، أتبع ذلك بالرضوخ لضغوط مسعود البارزاني واستوزر سكرتيره، فؤاد حسين، وزيرا للخارجية، برغم الشكوك الكثيرة، والتقارير العديدة عن فساده، مع عدم إيمانه بانتمائه لدولة اسمُها العراق.
كما وافق على تعيين إحسان عبدالجبار، مدير شركة نفط العراق، وزيرٍاً للنفط، رغم أن عليه 16 ملف فساد لدى هيئة النزاهة، حين كان المدير العام لمؤسسة نفط العراق.
ثم أمر بإطلاق سراح المتظاهرين المعتقلين، ولم يُطلق سراح أحد، لحد الآن. وطلب التحقيق في جرائم الاعتداء على المنتفضين، ولم يحدث شيء بهذا الخصوص، حتى وقت كتابة هذا المقال. ثم أوعز بالبحث عن السجون السرية، وهو القادم من جهاز المخابرات.
وزار مقر الحشد الشعبي، ونزع زيه المدني وارتدى زي هيئة الحشد، وهو يعلم بأن الشعب العراقي كان منتظرا منه أن يُلجم هذه الميليشيات، وأن يسحب سلاحها، ويضع حدا لاستهتارها بالدولة وبالمواطنين.
وأكثر من ذلك. فقد حذر، وهو بين كبار القادة الحشديين المجاهرين بكونهم فوق الدولة وحكومتها ورئاسة جمهوريتها وقوانينها، من وجود أصوات نشاز تحاول إيجاد فجوة بين الحشد والدولة. وقال “إن الحشد تأسس استجابة لفتوى المرجع الأعلى السيستاني، وإن الانتقاص من تضحياته من قبل أي جهة أمر مرفوض”.
ثم أمر بوقف رواتب الرفحاويين ومزدوجي الرواتب، ثم عاد ورضخ لتظاهراتهم وألغى قراراته تلك، وهو يعلم بأن ذك لن يمر بسلام، ولا بد أن يكون له أثرٌ عكسي في الشارع العراقي المطالب بالعدالة المفقودة وبوقف النهب المقنع لأموال الدولة المفلسة.
ثم توج خطاياه الكبرى بزيارة لنوري المالكي، وهو الذي تعتبره ملايينُ العراقيين رأسَ الدولة العميقة، وقائدَ جيوش الفاسدين والمفسدين، وكانت تتوقع أن يكون أولَ الكبار، وليس الصغار، الذين يساقون إلى ساحة القضاء، ليدشن به الكاظمي مسلسل محاربته “الموعودة” للفساد والعمالة.
وتبرر أوساط الحكومة تلك الزيارة بأن الكاظمي هاجم المالكي، وهو في الموصل، دون أن يصرح باسمه، بقوله “إن سبب سقوطها كان سوء الإدارة والفساد”.
ويقال إن المالكي غضب عليه، ويبدو أنه لم يحتمل تبعات غضبه عليه فسارع إلى زيارته للاعتذار. حتى وهو يعلم بأن من صفات القيادة الوطنية الحكيمة القوية الشجاعة أن تكون قراراتها حازمة وحاسمة، لا تفسدها مجاملات ولا تراجعات، لأنها تكون، عادةً، قد اتخذت بعناية ودراية وإرادة من حديد.
وهنا نتساءل، هل إنه من ذوي النوايا الحسنة ولكنه أدرك، بعد أقواله ووعوده السابقة أن خصوم العدالة والنزاهة والوطنية أكبر منه، ولا طاقة له بحربهم، أم إنه يسير على مبدأ “خذ وطالب”، وبسياسة الخطوة خطوة لتحقيق أهدافه بالتجزئة، أم هو، أصلا، ليس قادما لقيادة شعبه في معركة تحرير وطنه من الاحتلال والفساد وقلة الكرامة وخراب البيوت؟.
أما خلاصة الخلاصة فهي أن العراق، بوجود الاحتلال الإيراني الحامي القوي والوحيد لأخطبوط الفساد والفشل والخيانة والعمالة للأجنبي، لا يحتاج إلى رئيس وزراء مجامل ومهادن ومتردد وخائف وضعيف، مثل مصطفى الكاظمي، بل إلى الاسكندر المقدوني، أو هتلر، أو موسوليني، أو طرزان.