بقلم: نــــزار حيدر
الشرق اليوم- أَغلب زُعماء الكُتل السياسيَّة يمثِّلونَ أُسر وعوائِل، فمشاريعهُم عائليَّة وليست مشاريع دَولة! فكما اختزلَ الطَّاغية [حزب البعث] في نهايةِ المطاف بولدَيه! كذلكَ إِختزلَ [الأَمين العام] [حزب الدَّعوة، حزب المراجع والفُقهاء والعُلماء والشُّهداء الأَبرار] بالثُّلاثي [نسيبهُ وولدَي أَخيهِ وأُخته]!.
١/ تُبنى الدَّولة بالرُّؤية [الفلسفة] والأَدوات، فإِذا أُصيبت أَيٍّ منهُما بعاهةٍ أَو مرضٍ فشلت الدَّولة لتبدأَ الأَزمات بالتَّوالد والتَّكاثر الأَميبي.
في العراق عندنا مُشكلة واحدة فقط تتلخَّص بغَياب الدَّولة التي أَكلتها [الدَّولة العميقة].
٢/ لا توجد عندنا رُؤية وإِنَّما [رُؤيات] مُتعدِّدة ومُختلفة ومُتقاطعة، مُحصِّلتها صفر.
عندنا رُؤية شيعيَّة وسُنيَّة وكُرديَّة، وعندنا رُؤية [إِسلاميَّة] وعلمانيَّة، وعندنا رُؤية حزبيَّة وأُخرى مُستقلَّة، وعندنا رُؤية [وطنيَّة] وأُخرى يرسمها [الغُرباء] وكل واحدةٍ من هذهِ الرُّؤى مُنقسمة إِلى عدَّة رُؤى تختلف فيما بينِها على أَساس الوَلاء والإِنتماء والخلفيَّة وغَير ذلك.
٣/ أَمَّا أَدوات الدَّولة فهي؛ المُؤَسَّسات ومصادر القوَّة، وتحديداً مصادر الدَّخل.
ولقد أُكلت مُؤَسَّسات الدَّولة من قبَلِ الثُّلاثي المشؤُوم، الدَّولة العميقة والميليشيات التي تُهدِّد الدَّولة بسلاحِها وولائِها لـ [الغُرباء] بالإِضافة إِلى زُعماء الكُتل الذين استولوا على المال والسِّلاح والعِلاقات الدوليَّة والإِقليميَّة والإِعلام والسُّلطة والنُّفوذ.
وإِنَّ أَغلب هؤُلاء الزُّعماء يمثِّلونَ أُسر وعوائل، فمشاريعهُم عائليَّة وليست مشاريع دَولة! وبهذهِ العقليَّة يريدُونَ أَن يبنُوا دولةً! أَكيد يفشلُون!.
بالنِّسبة إِلى مصادر القوَّة والتي تقف على رأسها مصادر الثَّروة [النَّفط والمنافذ] فهي الأُخرى خارجة عن سُلطة الدَّولة تتحكَّم بها الدَّولة العميقة والميليشيات وزُعماء الكُتل والتيَّارات.
فضلاً عن فُرص الإِستثمار التي لا تُسيطر عليها الدَّولة ومُؤَسساتها، وإِنَّما تتحكَّم بها ميليشيات أَحزاب السُّلطة.
٤/ حِوار الدَّولة بكلِّ مُؤَسَّساتها وبمُختلف مراكز القِوى السياسيَّة والتنفيذيَّة والتشريعيَّة والقضائيَّة يجري عِبر الفضائيَّات حصراً، بالإِضافةِ إِلى الجيوشِ الإِليكترونيَّة التي يُديرُها [الكبار] الأَمرُ الذي كشف ظهر الدَّولة فلم يعُد هناكَ شيءٌ إِسمهُ [أَسرار الدَّولة] والتي تحمي وترتبط بشكلٍ وثيق بسيادتِها وهيبتها وأَمنها القومي.
كما أَنَّ ذلكَ قطعَ كلَّ خيوط الثِّقة بين المُواطن والدَّولة، وأَشاع حالةً من الفَوضى وخلطَ الأَوراق بشكلٍ أَضاع الحقائق عن الرَّأي العام.
إِنَّها فرصةً ذهبيَّةً لكلِّ مَن يُحاول نشر الغسيل القذر وإِشاعة الفَوضى المُدمِّرة، وبالنِّسبةِ للمسؤُول التهرُّب من المسؤُوليَّة.
ففي العراق لا يوجد مسؤُولٌ في الدَّولة يتحمَّل مسؤُوليَّة شيء! على الرَّغمِ من أَنَّ القاصي والدَّاني يُمكنهُ أَن يُشخِّص المسؤُوليَّة والمسؤُول.
فمثلاً؛ لا أَحدَ يجهل أَنَّ المسؤُول عن تمدُّد فُقاعة الإِرهابيِّين عام ٢٠١٤ لتحتلَّ نصفَ الأَراضي العراقيَّة هو القائد العام وقتها صاحب نظريَّة [بعد ما ننطيها] بسبب فسادهِ وفشلهِ وانشغالهِ بالحربِ على جبهةِ الولايةِ الثَّالثة التي طرحتها أَرضاً بالضَّربةِ القاضيَّة الرِّسالةِ الجوابيَّةِ للمرجعِ الأَعلى، وكذلكَ هو المسؤُول عن جريمة [سبايكر] التي راحَ ضحيَّتها آلاف الشَّباب بعُمر الورود، بسببِ نزوةِ [القائد الضَّرورة] الذي سعى للمتاجرةِ بهم لضمانِ الثَّالثة!.
مع كلِّ ذلك، لم يُرْمَ الموما إِليهِ خلفَ القُضبان لحدِّ الآن ليواجه العدالة، اذ لازال يسعى بخُبثٍ للعَودةِ إِلى السُّلطة أَو على الأَقل للتَّأثيرِ بها مهما كانَ الثَّمن.
٥/ لا توجد لحدِّ هذهِ اللَّحظة خُططاً مدروسةً وعلى مُختلف الأَصعدة، ولذلكَ فكلُّ شَيْءٍ في انحدارٍ؛ التَّعليم والصحَّة والاقتصاد والبيئة والزِّراعة والصِّناعة وكلَّ شَيْءٍ.
فالخُططُ بحاجةٍ إِلى شيئَين ليتمَّ تنفيذها؛ دولةٌ قويَّةٌ ورقابةٌ برلمانيَّةٌ، والإِثنان غائبان، فالدَّولةُ العميقةُ أَكلت الدَّولة، والمُزايدات واللُّصوصية في مِحور المُحاصصة قضت على الرَّقابة، لأَنَّ كلَّ البرلمان في الحكُومة.
وللتَّوضيح نسوقُ مثلاً بسيطاً وواضحاً؛
فمنذُ عام التغيير [٢٠٠٣] حاولت الحكومات المُتعاقبة الإِنتقال بالدَّولة من [حالتها الريعيَّة المُستهلِكة] إِلى [الدَّولة المُنتجة] التي تعتمد القطَّاع الخاص وتنوُّع مصادر الدَّخل، إِذا بحكومة السيِّد عبد المهدي تُزي الطِّين بلَّة، فتزيدُ من ريعيَّة الدولة بحُزمةِ قراراتٍ [ماليَّةٍ] هي الأَسوء في تاريخ العراق المُعاصر، ولقد أَشار مُستشارهُ الإِقتصادي مرَّةً إِلى أَنَّ الرَّواتب تستهلك [١١٠٪] من ميزانيَّة الدَّولة!.
أَمَّا مُحاولات تعدُّد مصادر الدَّخل فلقد باءت كلَّها بالفشلِ الذَّريع لنفسِ الأَسباب.
٦/ عندنا لاتوجدُ حياةً حزبيَّةً حقيقيَّةً، فالزَّعيمُ الأَوحد يقضَمُ الحزب وهوَ في السُّلطة، كما تقضَمُ الجرادة ورقةً في فمِها، أَمَّا قبل السُّلطة فإِنَّ الحزب يتعرَّض للإِنشقاقات الأَميبيَّة بدرجةٍ لا مثيلَ لها في العالَم، فمثلاً؛ فكما أَنَّ الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين اختزلَ [حزب البعث] في نهايةِ المطاف بولدَيه! كذلكَ فإِنَّ [الأَمين العام] إِختزلَ [حزب الدَّعوة، حزب المراجع والفُقهاء والعُلماء والشُّهداء الأَبرار] بالثُّلاثي [نسيبهُ وولدَي أَخيهِ وأُخته] أَمَّا الباقون فحوَّلهُم إِلى [كومبارس!] ولقد بانت عَورة الحزب عندما كشفَ عنهُ غِطاء الشرعيَّة.
٧/ كلُّ شيءٍ عندنا الآن مقفولٌ ومن دونِ أُفقٍ، فالبرلمانُ مقفولٌ على [العِصابةِ الحاكمةِ] والحكومةُ مقفولةٌ لهم، وكذلكَ الدُّستور والقوانين والفُرص وكلَّ شيءٍ.
إِلى جانب غَياب الَّأي العام لأَسبابٍ عدَّة منها الصنميَّة وثقافة [عِبادة العِجل] وإِرهاب [ميليشيات أَحزاب السُّلطة] والكَواتِم التي راحت تغتال الرَّأي الآخر في وضحِ النَّهار، بالإِضافةِ إِلى الجيُوش الإِليكترونيَّة التي تُديرها [العجُول السَّمينة] لتُمارس أَقذر حرُوب التَّسقيط السِّياسي والأَخلاقي ضدَّ مَن يُخالفها الرَّأي ولَو بحرفٍ!.
لكلِّ ذلكَ فأَنا اعتقدُ جازماً بأَنَّ التَّغيير المرجو يبدأ بالخطوات الثَّلاثة التي ذكرها خطابُ المرجع الأَعلى وهي؛
*تغيير قانون الإِنتخاباتِ *تغيير المفوضيَّة *الإِنتخابات المبكِّرة الآمِنة باشرافِ الأُمم المتَّحدة.
وبذلكَ سنضع عربة التَّغييرِ والإِصلاحِ الحقيقي على السكَّة الصَّحيحة.
*مُلخَّص الأُمسية الرمضانيَّة التي استضافتني فيها مجموعة [مُلتقى الأَخبار الوطني] في شهر رمضان المُبارك المُنصرم.