الرئيسية / الرئيسية / ومتى الحوار الاستراتيجي مع إيران؟

ومتى الحوار الاستراتيجي مع إيران؟

بقلم: إبراهيم الزبيدي

الشرق اليوم- علمونا في المدارس، ونحن صغار، أن الوطن للمواطن، وهو صاحبه الحقيقي الوحيد. وعلمونا أيضا أن السياسيين الذين يتولون الحكم هم موظفون مستأجرون من قبل المواطن لإدارة شؤونه، وحين لا يؤدون الخدمة بنجاح وأمانة يُقيلهم ويأتي بقومٍ آخرين.

ولكن، حين كبرنا لم نجد بين أيدينا وطنا كما يزعمون. فالذي وجدناه، من أول ولادته وحتى يومِ الحوار الاستراتيجي الجديد مع وفد حكومة العم دونالد ترمب، كان مربط الخيل الأمين لجنود السلاطين العثمانيين، ثم طفلا رضيعا بين يدي بريطانيا العظمى، ثم قاصرا تحت وصاية الاتحاد السوفيتي، فأسيرا في معسكرات الأميركيين، ثم صار خاتما في إصبع الولي الفقيه، وما زال.

أما الحديث عن السيادة فشيء كان لازما لتخدير الجماهير، وتأجيل ثورتها إلى أبعد ما يمكن من سنين.

وها نحن، في عهد مصطفى الكاظمي، القادم من داخل بطانة العهد الديمقراطي الجديد الذي أنشأه الغزو الأميركي وأورثه لدولة الحرس الثوري، منتظرون منه ما يطيق وما لا يطيق.

والداعي إلى هذا المقال هو حوار الساعتين الصباحيتين الموصوفُ بأنه استراتيجي بين أميركا وإيران، ودولة العراق، والذي أتقن الوكلاء المعتمدون من إيران، والوكلاء المعتمدون من أميركا، تغليفَه بثياب السيادة الوطنية وكرامة الوطن العزيز.

وفي أول كلام له عن هذا الحوار قال رئيس الوزراء في لقائه بأهالي الموصل في ذكرى يوم سقوطها، “إنه يستهدف تحقيق سيادة العراق ومصالح مواطنيه”.

ولبيان حقيقة الحوار، ومدى علاقته بالسيادة، وبمصالح المواطنين، نستعرض هنا وثيقة الحوار التي سربتها الحكومة الأميركية عن سابق إصرار وتصميم.

” الساعة 9:00 صباحا ديفيد هيل يفتتح النقاش بخصوص تواجد القوات الأميركية ومواطن القلق الأمني للولايات المتحدة. وسيقوم الجانب العراقي بالإجابة”.

” 10:00 سيقوم الجانب العراقي بشرح الوضع الاقتصادي للبلاد وخطط المواجهة اللازمة. وكذلك سيشرح خططه للاستقلال في مجال الطاقة”. و”ستشدد الولايات المتحدة على أهمية الإصلاح الاقتصادي، وستعرض مساعدة العراق لتحقيق أهدافه في مجالي الاقتصاد والطاقة”.

“10:30 ستثير الولايات المتحدة موضوع الانتخابات المبكرة، والعدالة لضحايا المتظاهرين بسبب العنف، والأمور الإنسانية. وسيناقش العراقيون أفكارهم بخصوص مواطن القلق هذه”.

“10:50 ربما سيطلب العراق إعادة بعض الآثار، وتمديد برامج التبادل، وستوافق الولايات المتحدة على إعادة أرشيف حزب البعث، وستنظر في طرق تمديد برامج التبادل”.

“11:00 ختام الحوار”.

إذن فعراق مصطفى الكاظمي طلب، فاستمع، فوافق، وانتهى الحوار. إنها المقايضة بعينها. وعدٌ أميركي بالانسحاب (بعد عمر طويل) مقابل دوام المساعدات والتدريبات والإعفاءات، وإعادة الآثار. ولكن أحدا لم يتحدث عن الوجود الأميركي في كردستان العراق، ولا عن إعفاءات أميركية للعراق باستمرار شراء الطاقة الكهربائية من إيران.

واستباقا لهذا الحوار، وبتوقيت مقصود، طالبت لجنة الدراسات التابعة للحزب الجمهوري في الكونغرس الأميركي بإدراج الميليشيات الإيرانية في العراق ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، وذلك ضمن تقرير مطول حول أنشطة الجهات والشخصيات المتورطة في تمرير أجندة الحرس الثوري الإيراني في العراق ولبنان وسوريا واليمن.

وتعمدت اللجنة في تقريرها تذكير المحاورين العراقيين بأن وزارة الخارجية الأميركية “منذ ظهور داعش في العراق عام 2014 منحت العراق نحو 1.2 مليار دولار كمساعدات عسكرية، إضافة إلى 4.2 مليون دولار لتدريب القوات العراقية. كما قدمت وزارة الدفاع الأميركية 4 مليارات دولار للقوات العراقية في الحرب ضد تنظيم داعش”.

بعبارة أوضح. أن أميركا كانت تدفع، وإيران تقبض. أما المواطن العراقي، وهو صاحب الوطن الوحيد، فقد كان، وسيبقى آخر من يعلم، وآخر من يتكلم، ولا حول له ولا قوة، مع الأسف الشديد.

والآن، وبعد صدور البيان الختامي للحوار، لقد أصبح واضحا أن أميركا تريد من الحكومة العراقية أن تقوم بواجباتها في لجم الميليشيات، وفي حماية القواعد والسفارة الأميركية، وفي العمل على تقليص النفوذ الإيراني، إذا ما أرادت أن تستمر في تلقي المساعدة، مالا وبضاعة وإرشادات وتدريبات.

شيء آخر. أن البيان المشترك الصادر عن الحوار المذكور جاء، على ما يبدو، من أجل مساعدة حكومة الكاظمي وعدم إحراجها مع إيران، في انتظار ما ستأتي به الأيام القادمة التي تعقب الانتخابات الأميركية القادمة، خصوصا وأن الرئيس دونالد ترامب بحاجة إلى هذه التهدئة، في الوقت الراهن، وهو في ظروفه الانتخابية المعقدة، في مواجهة الكثرة من المتربصين به، داخليين وخارجيين.

وهذا الوعد الأميركي باحترام السيادة العراقية وبالانسحاب المؤجل، مع التعهد بدوام الإكراميات والهبات والمساعدات والإعفاءات، لا بد أن يجعل الجماهير العراقية المتظاهرة ضد سلطة سلاح الميليشيات الإيرانية، تتساءل:

إذن، متى سيكون موعد الحوار الوطني العراقي مع الجارة إيران، ومتى سيتم تحرير ما تبقى من السيادة الوطنية التي لم يعد ينتهكها أحدٌ سوى النظام الإيراني وميليشياته وجواسيسه، وبلا حدود؟. وأميركا تعلم، قبل غيرها، بأن دولة الحرس الثوري ليست في وضع يسمح لها بالانسحاب الكامل والنهائي أو الفوري من العراق، ولكن لا بد لها أن تدرك نفاد صبر العراقيين على وجودها الاستغلالي الابتزازي التخريبي، خصوصا في المحافظات التي كانت حاضنتها الدافئة طيلة السنوات الفائتة، وآن لها أن تسمح باجتثاث حلفائها الفاسدين، وبتوفير الخدمات لشعب متعب وفقير، وبضبط المنافذ الحدودية معها، وبمنع تهريب الأموال والمخدرات والهاربين من وجه العدالة، وعدم التدخل، مباشرة أو من خلال وكلائها، في شؤون وزارات الدفاع والداخلية والخارجية والمالية والنفط والثقافة والإعلام؟. فهل هذا عليها كثير؟؟.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …