الرئيسية / الرئيسية / كلما ازدادت الوعود زاد فقر العراقيين وساء حالهم

كلما ازدادت الوعود زاد فقر العراقيين وساء حالهم

بقلم: د. باهرة الشيخلي

الشرق اليوم- حين تسلم مصطفى الكاظمي منصب رئاسة الحكومة في العراق، خلفا لرئيس الحكومة السابق عادل عبدالمهدي، الذي اضطرته الاحتجاجات الشعبية وثورة الشباب التحررية إلى الاستقالة من منصبه، أطلق وعودا لها سحرها لدى الشارع العراقي، منها تطبيق القانون ومحاسبة المجرمين، الذين قتلوا المتظاهرين، ومحاربة الفساد وإصلاح الوضع الاقتصادي، وغيرها من الوعود، إلا أن الشارع العراقي استقبل هذه الوعود بالحذر والتشكيك وعدم التصديق.

ولا نعلم إذا كان السياسيون في سلطة الفساد يعرفون أن ما يدلون به من تصريحات وما يرددون من أقوال، لا يصدقها العراقيون ولا يثقون بها، لأنهم ما عادوا يثقون بمن يطلق هذه التصريحات والأقوال، فقد اتخموا وعودا وأكاذيب، وأصبحوا يرددون ما قاله الشاعر أبوالطيب المتنبي “أنا الغني وأموالي المواعيد”.

وإذ نتوقع، بل نعرف أن هؤلاء السياسيين المنكفئين على أنفسهم لا يستمعون إلا إلى المحيطين بهم، القريبين منهم، وهؤلاء أساتذة في الكذب، يزينون لهم أقوالهم وأفعالهم ويصورون لهم أن الشعب في لهفة دائمة إلى إطلالاتهم وإلى كل ما يصدر عنهم، فيصدق السياسيون، الذين نشير إليهم، بدورهم، ما يقال لهم، ويزدادون في الادعاء والكذب والثرثرة، كما يقول أحد كبار مثقفي العراق وشعرائه.

أما ما يطلعون عليه من نقد موضوعي، هذا إن اطلعوا عليه، فيعدون مصدره الحسد والغيرة، أو جهل من يقول به، بما يتوفرون عليه من عبقرية ولوذعية.

الطبقة السياسية التي جاءت بعد احتلال العراق عام 2003، استهانت بعقل الجمهور وقدرته على كشف عيوبها، منذ أن ألقى بها الرئيس الأميركي بوش على ناصية الحكم في العراق، عن نفوس شريرة وجاهلية مطلقة وحماقة تامة وأن أفرادها غير أمناء بلا حصر ولا استثناء.

لقد برهنوا أنهم كذابون بامتياز، ولصوص محترفون، فحوّل العراقيون كذبهم إلى أهازيج ترددها ساحات التظاهر والاعتصام، فمجلس الحكم الانتقالي كان نبتة الفساد الأولى وكان أقرب إلى السيرك منه إلى النظام، إذ كشف أعضاؤه عن قبائح لا حصر لها وثبت للناس جميعا أن همهم الأوحد هو تكديس المال، والتفاخر الكاذب، وعقد الصفقات المشبوهة.

وعندما جاء إياد علاوي حملت لائحته جريمتين، هما الفلوجة والنجف. وتلاه الجعفري، الذي صار مضرب مثل عند العراقيين في الهذيان واللغة المرتبكة، التي لا يفهمها حتى هو، ولو جالسته لوليت منه الأدبار، فهو يقول ما لا يعلم. وبدلا من إيداعه عيادة الأمراض العصبية، كما كان مسجلا في بلد لجوئه بريطانيا، صار هو (القوي الأمين) ودوّن مجلدات عن دوره في تأسيس العراق الجديد، لم يكتب مثلها نوري السعيد ولا محمد فاضل الجمالي ولا محمد الصدر، وهو لم يبن حتى حماما عموميا.

أما نوري المالكي، فأكاذيبه وأباطيله أكبر من أن تخفى، فقد فاق مسيلمة، كما وصفه العراقيون في قصائدهم وأهازيجهم وهوساتهم، حتى أنشأ الجمهور العراقي ترنيمة “كذاب نوري المالكي كذاب”.

هؤلاء عينة ممن حولوا العراق إلى مزبلة وإلى مضحكة وإلى جيوش من المرتزقة. هم تعبير عن أكبر كذبة في تاريخ العراق، حفنة من العملاء، لا يعرفون للصدق طريقا، مارسوا وما زالوا يمارسون الكذب والتزوير على نحو متواصل منذ 17 عاما.

بعض من تصريحات هؤلاء المسؤولين أصبحت من الطرائف التي يرددها المواطنون في سهراتهم وجلساتهم الخاصة، ويملأون بها فضاءات وسائل الاتصال، فيخففون بها من معاناتهم ويدفعون عن أنفسهم الضيق والضجر.

ومن نجوم هذه الجلسات والسهرات نوري المالكي، ومسلسل تخيلاته، مثل حلقة القلم الذي أهداه إليه والده، وحلقة بطولات ابنه حمودي، وحلقة تهديده الأميركيين. والنجم الآخر هو إبراهيم الجعفري ومقولاته التي تضحك الثكلى، وإياد علاوي الذي لا يدري، وعادل عبدالمهدي الذي يتحدث عن أمور تعرفها أي فلاحة في المشخاب، مثلا، ويظنّ أنه يأتي بما لا يعرفه العباقرة.

ولا يختلف الآخرون من أصنام العملية السياسية عمن تم ذكرهم، وإن كان ما ذكرناه ليس سوى أمثلة لها في أوساط سياسيي الغفلة ما يشبهها أو يتجاوزها في السطحية والكذب والخيال.

لذا نجد العراقيين لا يثقون بتصريحات المسؤولين ولا يصدقون منها شيئا، بل يسخرون منها ويهزؤون بمن يطلقها.

للاستشاري النفسي والشاعر الدكتور ريكان إبراهيم نظرية تفسر أسباب نشوء حالة عدم التصديق بين المواطن والمسؤول، ويقول إنها تعود إلى عقود طوال من بناء الأسرة العراقية، حيث نجد سوء العلاقة القائمة بين الآباء وبين الآباء وأبنائهم، إذ كان فقدان الثقة عنصرا قائما في نسبة كبيرة من المجتمع العراقي. وعلاقة الزوجة مع الزوج تقوم في الغالب على الخوف والحيطة والحذر، والطفل يراقب ما يدور في البيت بين أبويه، فيتعلم الشك وعدم الثقة.

ووفقا لنظرية “الجشتالت” العقل الجمعي ينشئ جيلا فاقدا للثقة بمن حوله، ويتعلم الصغار من سلوك أقرانهم الكذب والتسويف.

يقودنا كلام الدكتور إبراهيم إلى أن العراقي، بسبب هذه النشأة، يظل حذرا من كل كلام يقال له أو وعد يطلقه أحد أمامه، ولن يصدق به حتى يقوم الواعد بتنفيذ ما وعد به.

سئل الإمام أحمد ابن حنبل “كيف تعرف الكذاب، فقال من مواعيده” ويقول الكاتب والمفكر الساخر برناردشو “الأيام أفضل جهاز لكشف الكذب”، وقد أثبتت 17 سنة أن كل رئيس حكومة جاء بعد الاحتلال لم يبخل على العراقيين بالوعود فأطلق منها ما استطاع إليه سبيلا، واعدا إياهم بالخير والإصلاح وتحسين الأوضاع، ما لو تحقق بعض منها لكان العراقيون أسعد شعب في العالم، ولكن واقع الحال يقول، كلما ازدادت الوعود زاد فقر العراقيين وساء حالهم.

شاهد أيضاً

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

العربية- هدى الحسيني الشرق اليوم– يقول أحد السياسيين المخضرمين في بريطانيا، المعروف بدفاعه عن حقوق …