بقلم: جون ديفيسون
الشرق اليوم- قبل ثلاثة أعوام، احتفل العالم عندما حررت القوات العراقية مدينة الموصل القديمة من الحكم الوحشي في ظل تنظيم الدولة الإسلامية. وثارت الآمال في نفوس سكان الموصل في إعادة بناء حياتهم بعد ما لحق بها من دمار.
واليوم تدور رحى معركة مختلفة. تدور وقائع هذه المعركة إلى حد كبير خلف الكواليس، من قاعات الحكومة المحلية التي تطل على شوارع خرّبها القصف في المدينة، إلى قاعات الاجتماعات بفنادق في بغداد.
وما تلك المعركة سوى صراع على النفوذ بين أحزاب وساسة ورجال فصائل مسلحة، بعضهم تدعمهم إيران وآخرون يفضلون الولايات المتحدة.
وعلى المحك، السيطرة السياسية في محافظة نينوى التي تمثل الموصل عاصمتها وهي منطقة غنية بمواردها الطبيعية وتمثل همزة وصل في طريق إمداد يمتد من طهران إلى البحر المتوسط. ويخدم هذا الطريق فصائل تدعمها إيران وتعد ألد أعداء الولايات المتحدة هنا منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.
وسجل حلفاء إيران انتصارات في هذه المعركة. فقد عينوا محافظا تفضله إيران قبل عام. لكن النفوذ الإيراني واجه تحديات تمثلت في احتجاجات مناهضة للحكومة وعقوبات أميركية واغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني.
واستطاع المعسكر المؤيد للغرب إبدال محافظ نينوى بحليف قديم للولايات المتحدة. ويعكس هذا التنافس صراعا أوسع على مستقبل العراق نفسه.
وعلى مدار عام حاورت رويترز حوالي 20 مسؤولا عراقيا يشاركون في هذا الصراع السياسي على نينوى. روى هؤلاء كيف كونت إيران وحلفاؤها شبكات لبسط النفوذ على الحكم المحلي وكيف حاول مسؤولون مؤيدون للغرب التصدي لهم وكيف عرقل هذا الشد والجذب نهوض الموصل من كبوتها.
ويعتقد كثير من المطلعين على بواطن الأمور أنه إذا كان لجانب من الجانبين أن ينتصر فسيكون في النهاية الطرف المتحالف مع إيران.
وقال علي خضير عضو مجلس محافظة نينوى، إن إيران تدعم حلفاءها بالمال والمساندة السياسية ولا تفارقهم. وأضاف أنه على النقيض فإن “سياسة الولايات المتحدة لم تؤثر على العراق”.
وقد أصبح جانب كبير من الموصل عبارة عن أطلال، حيث تتعثر حركة السيارات عبر جسور مدمرة، ويبيع ذوو الاحتياجات الخاصة من ضحايا الحرب المناديل الورقية والسجائر والشاي عند التقاطعات. وتلك صورة من البؤس يخشى المسؤولون العراقيون أنها تمثل الأرض الخصبة المثالية لعودة الدولة الإسلامية للظهور.
وكان من شأن تغيير المحافظ مرتين في 2019 عدم قيام الإدارة المحلية بإحالة عقود مشروعات جديدة لا تقل قيمتها عن 200 مليون دولار في العام الماضي.
ويقول مسؤولون، كما توضح وثيقة من الإدارة المحلية، إن من بين هذه المشروعات مستشفى جديدا للطوارئ وشراء عربات لنقل الركام من البيوت التي تهدمت في القصف وتدعيم أسطول فرق الدفاع المدني التي لا تملك المعدات الكافية. لكن وكلاء طهران عرقلوا هذه الجهود.
واتهمت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية إيران ببذل جهد كبير “للهيمنة على كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية في العراق”. وأضافت المتحدثة مورغان أورتاغوس أن الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة العراق على بناء قدراته الاقتصادية وتحسين الاستقرار والأمن.
ويمثل الصراع السياسي على نينوى جانبا من الصورة الأوسع في المحافظات الشمالية ذات الغالبية السنية وهي من المعاقل السابقة لصدام حسين وتمثل قيمة إستراتيجية لطهران وتريد واشنطن أن تحد من النفوذ الإيراني فيها.
وروى 20 من مسؤولي الحكم المحلي والنواب في بغداد والقيادات العشائرية كيف عملت إيران على تدعيم نفوذها السياسي إلى أن أصبح لها حلفاء في كل إدارة إقليمية تقريبا.
تغيير في مجلس المدينة
قالت تلك المصادر إن من الشخصيات المحورية لتلك الجهود في نينوى اثنين من أصحاب النفوذ من السنة، هما خميس الخنجر وهو رجل أعمال من محافظة الأنبار اتجه إلى العمل بالسياسة، وأحمد الجبوري المعروف على نطاق واسع بكنيته أبومازن وهو محافظ سابق لمحافظة صلاح الدين وعضو في البرلمان العراقي حاليا.
كان الخنجر خصما جريئا لإيران، فقد أيد احتجاجات السنة على الحكومة العراقية المدعومة من إيران في 2013 واتهم في ما بعد الفصائل الشيعية المسلحة المتحالفة مع إيران بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. وكان أبومازن في فترة من الفترات حليفا للولايات المتحدة. وقد وصف كيف تعاون بشكل وثيق مع القوات الأميركية بعد اجتياحها العراق في 2003.
وفي 2018 انضم الخنجر وأبومازن على غير المتوقع إلى تكتل من قيادات الأحزاب والفصائل المدعومة من إيران في البرلمان العراقي.
وقال الخنجر في تفسير هذا التحول مشيرا إلى حل مشاكل مثل النازحين والسجناء “من يقدر ينفذها؟ الأقوياء على الأرض أو الضعفاء؟.. الأقوياء هم من يستطيعون ذلك ولذلك أذهب مع التحالف الموجود على الأرض. هذا التحالف لديه امتدادات إيرانية“. ومع ذلك نفى أنه حليف لإيران. أما أبومازن فامتنع عن التعليق.
ثم تدخل الخنجر وأبومازن في مايو 2019 في اختيار محافظ نينوى الجديد وفقا لما قالته تسعة مصادر منها عدد من أعضاء المجلس الإداري الإقليمي وأقارب للاثنين.
وقالت المصادر إن أغلبية من أعضاء مجلس نينوى التسعة والثلاثين المكلفين بانتخاب المحافظ الجديد أيدوا في البداية مرشحا ينتقد إيران. لكن أبومازن والخنجر وجها الدعوة لنحو 24 عضوا تقريبا من أعضاء المجلس قبل يومين من موعد التصويت لحضور اجتماع في فندق في أربيل التي تقع على مقربة من الموصل وفقا لما قاله عدد من الأشخاص حضر أحدهم الاجتماع.
وقالت المصادر إن أعضاء المجلس حصلوا على وعود بتولي مناصب في الحكومة المحلية أو بتلقي مبالغ تصل إلى 300 ألف دولار للواحد إما من الرجلين أو من مكتبيهما إذا صوتوا لمرشح مختلف هو منصور المرعيد وهو سني كانت تؤيده إيران وحلفاؤها في بغداد.
وفي غضون بضعة أشهر دارت الأحداث في الاتجاه المعاكس. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على قادة الفصائل المتحالفة مع إيران وعلى حلفائهم العراقيين من السنة ومنهم أبومازن في يوليو والخنجر في ديسمبر.
وفي نوفمبر صوت 23 من أعضاء المجلس التسعة والثلاثين بالموافقة على عزل المرعيد وتعيين الجبوري.
ويقول مسؤولون محليون إن تعيين الجبوري والضغط على حلفاء إيران في مختلف أنحاء البلاد بالضربات الجوية والعقوبات الأميركية حدّ من نشاط الفصائل المسلحة في الموصل.
ويأمل المسؤولون المؤيدون للولايات المتحدة في الموصل أن تحوّل حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والانقسامات بين الفصائل المدعومة من إيران في أعقاب مقتل سليماني الدفة عن النفوذ الإيراني.
نفوذ باق
في بقية المحافظات السنية الواقعة بين نينوى وبغداد، يقول أعضاء المجالس المحلية وقيادات عشائرية وأعضاء في البرلمان العراقي إن مساعي إيران لتدعيم وضع حلفائها السياسيين المحليين ستكون على الأرجح أكثر قدرة على الصمود من الأساليب الأميركية من ضربات جوية وعقوبات اقتصادية.
ويتحسر أصدقاء أميركا المحتملون على ما يرون أنه غياب الاهتمام أو القدرة لدى الجانب الأميركي على تقليص النفوذ الإيراني في العراق الذي اجتاحته قوات الحلفاء قبل 17 عاما.
وعلى النقيض من ذلك قال مسؤول بمحافظة صلاح الدين إن “الإيرانيين بما في ذلك دبلوماسيون في السفارة يتواصلون مع أفراد لا تتوقع أن يتواصلوا معهم على مستوى محلي”.
وقد قابل آخرون من مشائخ السنة في صلاح الدين مسؤولين من الفصائل الشيعية لمناشدتهم الموافقة على عودة الأسر السنية التي نزحت بسبب الحرب مع الدولة الإسلامية وتفرقت في مخيمات وبيوت مؤقتة في مختلف أنحاء شمال العراق.
ويشعر هؤلاء المشائخ بالقلق من تقلص الوجود العسكري الأميركي في العراق قائلين إنه يفتح المجال في مناطقهم أمام خطر عودة الدولة الإسلامية.
لمصدر: “العرب” اللندنية