بقلم: د. صباح ناهي – “الدستور” العراقية
الشرق اليوم- لعلنا من جيل توقف كثيراً عند تخوم المفاهيم الكبرى والشاملة ، أحدها ( الاستراتيجية ) ، التي تعدت مفهومها ودلالتها العسكرية السابقة، وتختصر بوضع الخطط للإعداد للحرب قبل وقوعها ، من إجل حماية الدولة من أي هجوم محتمل ، واقتصر المفهوم لقرون على (فن الحرب ) والاستعداد لها ، لكنها تخطت عالم الحرب لتشمل حزمة من القواعد والمبادئ التي تتعلق بمجال معين هدفها إتخاذ القرارات السليمة ووضع الخطط للتوصل لنتائج صحيحة في الحرب والبناء معاً ، حتى أضحت تصورات مكتوبة ومرسومة مسبقا ً، يعرفها المخطط والمستفيد لتحقيق الأهداف ،ومن شروطها الاهم أن تكون واقعية
كل تلك المقدمة أسعى لإسقاطها على تداول الساسة والمتابعين العراقيين ل (لحوار الاستراتيجي) المزمع إجراءه في منتصف حزيران الجاري ، دون إعلان رسمي لأطر الحوار الذي سيصاغ على ضوئه الاتفاق الاستراتيجي الجديد ، الذي ينبغي أن يجُبْ سابقه ليضيف ويعدل السائد الحالي ،
مع التذكير بأن هناك إتفاق أستراتيجي قائم حاليا هو ( إتفاق الإطار الاستراتيجي ) -ولم يقل إتفاقية – وُقع في 17/12/ 2009 غطى جميع الجوانب بين البلدين شمل الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية والدبلوماسية والأمنية ، ودخل حيز التنفيذ في الاول من كانون الثاني من العام 2009 ، يوم كان الجيش الامريكي يفرض سطوته على البلاد وتسرح وتمرح جيوشه فيه ،
هل ألغي هذا الاتفاق ؟ الجواب كلا ، فهو قائم وينظم العلاقة بين البلدين ، طيب : ماجدوى أن يعاد الحوار ليكون أستراتيجياً بين البلدين ، وليس (مباحثات ثناىية) ؟
لمراجعة بنود الاتفاق ومن يزيد تعديله او رفع بعض بنوده ، أو الإضافة عليها ؟ هل هي دعاية له ؟
أسئلة منطقية يطرحها الكثير من العراقيين ، وهم يتملكون قراراً باتا من البرلمان الحالي يطالب إخراج القوات الامريكية ، وظل حبراً على ورق فلم تخرج تلك القوات المحتلة التي تسميها السلطة ب ( الصديقة ) بل عززت وجودها بالباتريوت المتطورة التي تتكفل ديمومة وجودها ،
السؤال الآخر الأكثر أهمية هل ان الوقت مناسب للتفاوض حول جدوى التعديلات المتوقعة ، والمنتظرة ، وهل ان وضع العراق المالي والاقتصادي والسياسي يسمح له بانتزاع مكاسب جديدة للبلاد ، تكفل ضمان أستقلاله الناجز ، وتخليصه من الهيمنة الإقليمية على مقدراته ، ونزع مخاطر داعش عنه للأبد ؟ ليتفرغ لبناء ما خربته الحروب السابقة وإرجاع مدنه وتعميرها وإعادة المهجرين و المنكوبين جراء أفعال داعش واخواتها ؟،
وهل أن ظروف الطرف المفاوض الامريكي الخاصة، وأدارته في وضع مستقر أم إنه في أزمة عنيفه تسبق الانتخابات الرئاسية غير المرجح فوز أحد فيها بالقطع ، وإلا يدعو ذلك التأجيل لحين أن تنجلي غبرة الانتخابات والتفاوض مع حكومة فائزة تدير الأمور لأربع سنوات مقبلة ، وتتضح الصورة ،
لكي لايتكرر ما حدث العام 2008 حين حصلت الحكومة العراقية على تنازلات من إدارة بوش سرعان ما صارت حبراً على ورق في زمن اوباما الديموقراطي وترامب الجمهوري ، و أعيدت القوات والقواعد الامريكية من جديد ، والعراقيون ظلوا فاغري أفواهم وداعش يزحف على مدنهم ويشرد الملايين من العراقيين في البراري والقفار ، ويقتل ويسبي أفواج من عامة الناس ، إلى أن ادركوا بان لا أحد يدافع عنهم غير أنفسهم و سواعدهم وعقولهم وإرادتهم قبل ذلك ،
لاشك ان الاتفاق حين يكون نتاج مفاوضات توصف بجدارة بانها أستراتيجية لابد أن تكون مكفولة النتائج والأهداف ، وعميقة في مضامينها التي سيحدث أثراً محسوبا، مثل توافر الحماية الدائمة خلال فترة الاتفاق وإقراره ، حين تتوفر علاقة إرتباطية في المصالح او الشراكة في الاقليم والثقافة والأمن المشترك ،
هل تتوافر مثل تلك العلاقات الارتباطية مع الولايات المتحدة التي قدمت مشروع ( تحرير العراق ) نهاية التسيعنات وسعت لاسقاط النظام السابق ونجحت ، واعلنت إنها دولة راعية للعملية السياسية في العراق ، وأنها فرضت جو النظام المحاصصي الحالي وتكريسه ، لكنها في الوقت نفسه تجد إنها غير مرغوب فيها ، كما في قرار البرلمان المطالب بأخراج قواتها بصوت أغلبيته الشيعية ، فان في ذلك مفارقة تنطوي على متغير قوى محركاته كثيرة .. في مقدمها سطوة إيران التي تتحكم بالمشهد العراقي من البوابة الشيعية ، وتواجد مئات النواب الممتثلين لسياستها ووجودها في العراق ،
وهذه حقائق لايمكن تجاهلها كون النظام الحالي نظاما ذا أغلبية شيعية ، تُمكن إيران من النفاذ لأي اتفاق أو تفاوض دون مراعاة مصالحها ، في العراق،
وهذا متغير مهم لابد ان يدركه الأمريكان الذين يظنون أن العراقيين مازالوا قادرين على التحكم بمصالحهم ، وهذا كلام غير واقعي ، سيضغط بقوة على مدركات المفاوض العراقي الذي سيكون وضعه مثل ( رطبة بين سلايتين ) .