بقلم: إبراهيم الزبيدي
الشرق اليوم- العثور على مجتمع بشري خال تماماً من التمييز العنصري سواء كان تمييزا دينيا، أو جنسيا، أو لونيا، أو مناطقيا من رابع المستحيلات، ولا يتوفر إلا في مدينة أفلاطون الفاضلة.
من يتحدث عن تمييز عنصري في الولايات المتحدة يتعين عليه أن يكون منصفاً، ويعترف أن الدولة، بقوانينها وسياساتها العامة، تعاقب على كل محاولة تمييز بين مواطن وآخر، من أي نوع، ومن حق المتضرر أن يلجأ إلى القضاء. وهناك الكثير ممّن حصلوا على تعويضات مجزية بسبب ما تعرضوا له من تمييز.
في الحياة اليومية الأميركية يتلقى الأبيض والملون، المرأة والرجل، الصغير والكبير، الغني والفقير، نفس المعاملة، ويخضعون لنفس القوانين التي طوت صفحات الماضي البعيد، يوم كان المواطن الأسود ممنوعاً من دخول مجتمعات البيض. اليوم نجد مسؤولين في الدولة الفدرالية وفي إدارات الولايات والمدن من أصول أفريقية وآسيوية وشرق أوسطية ومن أميركا اللاتينية، دون أية محاباة لهذا المواطن أو ذاك.
في الولايات المتحدة، وحدها، يمكن للمولود من أبوين مهاجرين أن يصبح نائبا في الكونغرس، أو عضوا في مجلس الشيوخ، أو حاكم ولاية، أو رئيس جمهورية، بينما المهاجر غير المولود فيها لا يحق له أن يشغل منصب رئيس جمهورية، بعد نيله الجنسية الأميركية، ولكن من حقه أن يصبح نائبا أو حاكم ولاية.
في الولايات المتحدة، وحدها، قانون ينصف الأقليات، بموجبه يحظى المواطن من الأقليات على أفضلية التوظيف. في حال تقدم واحد من الأغلبية وآخر من الأقليات، يحملان نفس المؤهلات لشغل وظيفة يفوز بها ابن الأقليات. ولأبناء الأقليات أيضا أفضلية الحصول على تمويل الحكومة الفدرالية وحكومة الولاية، ولا يحصل عادة أبناء الأغلبية على نفس التمويل بنفس السهولة.
المصنفون أقليات هم الأفارقة، والآسيويون، والإيرانيون، والكلدانيون، واليهود، والأتراك وأبناء أميركا اللاتينية. ولا يشمل هذا التصنيف العرب، وذلك لأنهم موزعون على الدول التي جاؤوا منها، وأفرادها أقلُ عدداً من أن يصنفوا كأقلية.
الأفارقة الأميركيون والعرب والمكسيكيون، هم أكثر المواطنين الأميركيين تمتعاً بالمساعدات الاجتماعية والصحية والتعويض عن البطالة. وحين تزور مؤسسات الضمان الاجتماعي تتأكد من ذلك.
ويتمتع الفقير وكامل أفراد أسرته بتأمين صحي شامل، وتعليم وسكن مجاني، وقسائم بدل طعام، في أكثر الحالات. بينما لا يحظى المهاجر في دول أوروبية وآسيوية عريقة على نفس المميزات، التي يحظى بها الفقراء في الولايات المتحدة. ويعتبر جريمة وانتهاكاً لحقوق الإنسان أن تسأل مواطنا، عن عرقه أو دينه.
معروف أن جوهر الديمقراطية هو قاعدة الأغلبية، واتخاذ قرارات ملزمة بتصويت أكثر من نصف مجموع الأشخاص الذين يشاركون في الانتخابات، رغم ذلك لا يسمح للأغلبية أن تمارس الدكتاتورية ضد الأقلية.
وقد أكد، توماس جيفرسون، الرئيس الثالث للولايات المتحدة، هذا المفهوم عام 1801 في خطابه الافتتاحي الأول، قائلا “في كل ديمقراطية حقيقية اليوم يتم تأييد قاعدة الأغلبية، المحددة بموجب القانون الأعلى للدستور الذي يحمي حقوق الأفراد. استبداد الأقلية على الأغلبية ممنوع، وكذلك استبداد الأغلبية على الأقلية ممنوع أيضا”. وما زال المجتمع الأميركي يطور هذه القوانين ويحاول سد فجواتها ونواقصها.
ولا يفوتنا أن نقول إن الأقليات، نفسها، تمارس التمييز العنصري والكراهية ضد الأغلبية من الأميركيين البيض. التعصب العرقي والديني والجنسي، موجود بين الأقليات تماما مثلما هو موجود بين الأغلبية.
ولماذا لا تخرج الملايين في تظاهرات احتجاج ضد التمييز العنصري الواضح في دول عديدة في أوروبا وآسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، مثلما حدث في أعقاب اغتيال جورج فلويد بالولايات المتحدة؟
حين تجادل الأميركي الأبيض حول وجود تمييز عنصري في أميركا وتنقل له شكوى الأقليات منها يحرجك ويرد عليك قائلا، “تأمَّل فقط من الذي تظاهر ضد التمييز العنصري في أميركا، ومن هم الذين هبّوا مدافعين عن المتظاهرين، وحتى عن المندسين الذين نهبوا وسرقوا وكسروا وخربوا، وستجد الجواب”.
ويعترف المواطن الأميركي بأن مقتل، جورج فلويد، على يد شرطي (أبيض) هو مجرد حجة للانتقام من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بسبب تغريدات غير مسؤولة تصدر عنه، يَفهم من بعضها تعاليا عنصريا على الأعراق الأخرى، وكذلك بسبب ما اتخذه من قرارات وسياسات اقتصادية قاسية ضد الصين ودول أميركا الوسطى والجنوبية، وضد دول أوروبية أيضا، وتشديده إجراءات دخول المسلمين القادمين من دول محددة، كإيران وأفغانستان وسوريا وليبيا والعراق.
ثم يسألك، “حسنا، إن كنت غير سعيد هنا وتشعر بأن التمييز العنصري يزعجك ويهدد مستقبلك ومستقبل أولادك، لمَ لا تغادر وتعود إلى بلادك تعيش فيها حرا سعيدا، دون تمييز عنصري أو ديني أو طائفي، كالصين، وأفغانستان، وإيران، وتركيا، والعراق، وسوريا”.
هنا يدرك شهرزادَ الصباح وتسكت عن الكلام المباح.