بقلم: محمد عبد الجبار الشبوط
الشرق اليوم- يؤسفني أن استخدم هذا التعبير القاسي “السرقة” في وصف الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة باستقطاع ما نسبته 10- 15% من الحقوق التقاعدية التي تزيد على 500 ألف دينار عراقي.
وقد اضطررت الى استخدام هذا المصطلح لأن هذا الاستقطاع عبارة عن سرقة مفضوحة من حقوق مالية غير مشمولة باي ضريبة او استقطاع.
الأستاذ في جامعة البصرة نبيل المرسومي، تساءل في منشور له: “كيف يمكن للدولة ان تخالف القوانين التي شرعتها؟” واوضح ان “الاستقطاع الضريبي لرواتب المتقاعدين الذي تم فعلا هذا اليوم (الاربعاء) مخالف تماما لقانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982 وتعديلاته في عام 2004 اذ ان المادة 7 في الفقرة 6 من الفصل الرابع الخاص بالإعفاءات تنص على إعفاء مدخولات المتقاعدين من ضريبة الدخل التي تشمل على الرواتب التقاعدية والمكافأة التقاعدية ومكافأة نهاية الخدمة ورواتب الاجازات الاعتيادية.”
بل ان ما جرى هو مخالفة صريحة للدستور الذي ينص في المادة (28) على ما يلي: “لا تفرض الضرائب والرسوم، ولا تعدل، ولا تجبى، ولا يعفى منها، إلا بقانون.”
علما أن المتقاعد سبق له أن دفع ضريبة الدخل، ودفع الاستقطاعات التقاعدية من راتبه حين كان في الوظيفة، ولا يعقل أن يخضع مرتين للاستقطاعات.
هذا لا يعني أنني ضد مبدأ قيام الدولة بفرض الضرائب؛ فأنا أعلم ان الدول الحديثة تمول نفسها من الضرائب لأنها لا تملك شيئا. حتى النفط لا يعتبر ملكا للدولة في بريطانيا والولايات المتحدة، وانما هو ملكية خاصة للأفراد والشركات العاملة. هذا مع العلم أن الدستور العراقي ينص في المادة 111 على أن “النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات”.
وعليه، يصح فرض ضريبة عادلة، بطريقة قانونية سليمة، مقابل تقديم الدولة خدمات مجزية للمواطنين.
لكن لا يجوز انفراد قلة من الاشخاص باتخاذ قرارات يتحمل الملايين من المواطنين تبعاتها المالية.
وهذا ما حصل. فقد اتخذت الحكومة، ممثلة برئيسها ووزير المالية فيها، وربما عدد قليل من المستشارين، قرارا يؤثر على مستوى معيشة الملايين من المواطنين بطريقة غير دستورية، وغير قانونية، وغير ديمقراطية.
كان بإمكان الحكومة أن تذهب إلى البرلمان بمشروع قانون يشرعن هذه الاستقطاعات، كأن يعتبرها بمثابة ادخار اجباري قابل للرد بعد فترة معينة مع ما يترتب على ذلك من فوائد.
اما ان تستقطع الحكومة هذه المبالغ بهذه الطريقة فهذا ينم عن قمة الاستهتار بدور الشعب بالمشاركة في اتخاذ القرارات التي تهمه وتؤثر عليه، وقمة الجهل بفلسفة فرض الضرائب في الدول الديمقراطية الحضارية الحديثة.
تاريخيا نعرف ان اول هيئة تمثيلية (برلمان) ولدت في اذار من عام 1188 في مملكة ليون شمال اسبانيا في عهد الملك الفونسو التاسع بسبب نية الملك فرض ضريبة جديدة لتمويل حربه ضد المسلمين في اسبانيا، وكان ذلك حتى قبل توقيع الملك جون وثيقة الماگناكارتا في بريطانيا في عام 1215.
نعرف ان العراق يمر بضائقة مالية سببها انخفاض اسعار النفط، لكن هذه الاسعار عادت الى الارتفاع مجددا، ما يعني ان الازمة في طريقها الى الانفراج ان شاء الله.
ولكن على الحكومة ان تعرف ايضا انه لا يصح تحميل المواطن العراقي اعباء عدم قدرتها على اكتشاف حلول اخرى للازمة غير راتب المواطن موظفا كان ام متقاعدا.
بل كان عليها، بدل سرقة الراتب والتقاعد، ان تباشر بتنفيذ المشاريع الذكية والاستثمارات السريعة وغيرها من المقترحات العملية التي قدمها العديد من الخبراء الاقتصاديين دون ان تحظى باي اهتمام من الحكومة.