بقلم: د. باهرة الشيخلي
الشرق اليوم– ليس صحيحاً أن قبضة إيران ارتخت بمجرد أن استهدف قصف صاروخي أميركي موكباً يضم الجنرال الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد وأنهى حياته، بدليل أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قال مهدداً، بعد هذا الحادث إن “الانتقام الشديد ينتظر المجرمين”، ولم ير العالم أي انتقام، إلى الآن، عدا رد الفعل الذي صدر عن الميليشيات الإيرانية ضد السفارة الأميركية وبعض المواقع التي تضم قوات أميركية، وهذا الرد لا يمكن عدّه انتقاماً شديداً كما وصفه خامنئي، فهو كان بمرتبة عضة نملة لفيل.
الصحيح، أن معاول هدم ولاية الموت الإيرانية بدأ، ذاتياً، من داخل النظام نفسه، فقد بات بيّنا أن طهران صرفت جهدها خارج البلاد لتوسيع نفوذها فيما كان التآكل من الداخل قد بدأ جدياً منذ عام 2009، عام تزوير الانتخابات الرئاسية في إيران.
ويرى المراقبون أن تدهور سعر صرف العملة الإيرانية والتضخم الاقتصادي قد بلغ حد الانفجار، ولم يعد بوسع الموظفين العيش بعد ارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية، فيما يضاف إلى صفوف العاطلين عن العمل نحو 500 ألف عاطل سنويا.
لو أعدنا قراءة مضامين الحراك الشعبي، الذي شمل معظم المدن الإيرانية سنجد المطالب تتمثل في فقدان الحرية، وظاهرة الاعتقالات اليومية، جمهور تحت خط الفقر، وهي مؤشرات تشير إلى أن إيران ستهزم من الداخل.
من بوادر هذا الانهيار، خروج الشعب إلى الشارع في مناطق عديدة، وانهيار العملة الإيرانية، أمام الدولار الأميركي، الدولار الواحد يعادل 9 آلاف تومان إيراني في انهيار تاريخي لعملة الدولة الفارسية، التي تتجه إلى هلاكها بالقمع والتعذيب وسرقة حقوق الشعب من أجل تمويل ميليشياتها، وتصدير ثورتها المزعومة ومذهبها.
إيران لم تعوض شعبها عما فقده، وأهملت التنمية الاجتماعية والاقتصادية، مركزة كل مصادرها على تسويق الأيديولوجيا خارج حدود إيران، وصرفت لتحقيق هذا الهدف مدخراتها على زيادة ترسانتها العسكرية وعلى الأحزاب الموالية لها، بينما يعيش أكثر من 10 في المئة من سكان العاصمة في بيوت من صفيح.
النظام الإيراني الهزيل العجوز، تحول إلى وباء جاثم على صدور الإيرانيين، منذ أكثر من 37 عامًا، ولم يعد أمام الشعب الإيراني إلا السعي للتخلص من هذا الكابوس المزمن والمزعج، بعد انهيار عملته، وتصاعد وتيرة الانتقادات العالمية ضده، ففيلق القدس للعمليات الخارجية لوحده أنهك جزءاً كبيراً من اقتصاد إيران، التي تنفق على أكثر من 150 مركزًا تعبويا خارج حدودها.
من يظن أن إيران تفعل ذلك كله من أجل وهم فهو مخطئ لأنها تسعى بذلك إلى تحقيق إستراتيجية مدروسة، فهي تريد أن يكون لها، كما يقول المثل العراقي (في كل خرابة قرابة)، لكي تستطيع تحريكهم في الوقت المناسب، وهذا هو مفهوم تصدير الثورة، الذي تتبناه، أما نشر التشيع الذي تدعيه، فهو الوسيلة لإعداد مبلغين نيابة عنها.
انهيار النظام الإيراني يعني نهاية الإرهاب ونهاية الحروب في المنطقة، فملالي طهران لن يسلم من شرورهم أحد، وينبغي على العرب والمسلمين جميعًا الوقوف ضد هذا البلد الطاغية، مع انهيار النظام الإيراني ستتلاشى المنظمات والأحزاب الإرهابية كلها في منطقة الشرق الأوسط والعالم (الحوثيون، داعش، القاعدة، حزب الله، وغيرها) وكل من دعمهم، كما يرى باحثون إستراتيجيون.
حقق النظام الإيراني بعد الجهود الكبيرة التي بذلها والأموال الطائلة التي أنفقها، أن يترك ثلاثة أهداف في المنطقة، حسب الكاتب، حسين داعي الإسلام، هي: صناعة الإرهاب، ودعمه وتوسيعه، فمثلا (داعش) هو صنيعة النظام الإيراني، و(حزب الله) يحصل على دعم آيات الله، وهو حزب طائفي متطرف ينفذ أوامر أسياده في قم وطهران، وأخيراً التدخل السافر في شؤون البلدان المجاورة.
هذا التدخل لم يعد خافيًا على أحد، سواء في سوريا أم اليمن أم البحرين أم العراق أم السعودية أم الكويت وجميع البلدان المجاورة، استغلالاً للتوجهات الطائفية المثيرة للاشمئزاز وإشعال فتيل الحرب الطائفية في المنطقة حيث يعدّ هذا أخطر ما يقوم به النظام الإيراني حاليًا.
ذلك كله أوصل النظام الإيراني إلى الانهيار، وأعراض سقوطه باتت، كما تقول صحيفة “لا تريبيون” الفرنسية جلية، ومن بينها ضعف المرشد علي خامنئي، وهشاشة الاقتصاد، والسخط الشعبي، وغيرها، وهو ما أوصل الثقة بين الحكومة والشعب إلى أدنى مستوياتها.
ومن هنا، لا علاقة لمقتل سليماني بضعف النظام الإيراني، فسليماني لم يكن سوى “نسخة مشوهة عن المندوب السامي في المرحلة الاستعمارية، والمندوب السامي، ليس سوى منفذ للسياسات والمصالح الاستعمارية، ولم يكن المندوب السامي مهما كانت قدراته، بطلاً أسطورياً، بل كان يستمد قوته من قوة الدولة الاستعمارية، التي انتدبته”.
كان سليماني في جميع تدخلاته وما يفرضه من توجهات وقرارات، كما تقول صحيفة مقربة من اتحاد تنسيقيات الثورة العراقية، ينفذ سياسات نظامه ويفرضها بقوة هذا النظام العدواني التوسعي وليس بقدراته الخاصة، التي يتوهمها البعض ويحاول أن يوهم بها الآخرين، وإذا قتل سليماني في عملية لم يكشف، حتى الآن، عن جميع الأطراف التي شاركت بها، وخططت لها ونفذتها، فقد اقترن توقيت تنفيذ العملية بالانهيار، الذي يمر به النظام الإيراني.
لذا، المندوب السامي الجديد، مهما كان اسمه أو مواصفاته أو قدراته، وقد جاء في مرحلة هذا الانهيار، لن يستطيع أن يلعب الدور الذي لعبه سلفه، لذلك بدأ عملاء الأمس في كل مكان يعيدون حساباتهم وهم يرون بأعينهم انهيار نظام أسيادهم القدامى، ومنهم من بدأ يبحث عن أسياد جدد.