الرئيسية / الرئيسية / حقيقة الفساد ومعالجته بين التشخيص والتسقيط

حقيقة الفساد ومعالجته بين التشخيص والتسقيط

بقلم: نوفل آل صياح الحمداني

الشرق اليوم– تتوقف عملية التقدم والنهوض في المجتمعات على الأنشطة البشرية المتنوعة التي يمارسها الإنسان بصورها المادية والمعنوية مستخدما مدركاته الحسية للتعايش معها وتحديد حقيقتها فيما إذا كانت ملائمة وصالحة للنهوض بالواقع وتغيره وتطويره.

وأخطر ما يعيق ويعرقل عملية النهوض والتطوير في المجتمع هو ظاهرة الفساد التي أصبحت ممارسته في المجتمعات المعاصرة مشاعة وأصبح مصدر للاستقواء والثراء والسيطرة واختراق العقول وهدم النفوس .

وهي ظاهرة معقدة تتشعب أسبابها وتتنوع آثارها وتشمل صوراً وانماطاً مختلفة، والفساد وجد منذ قدم وجود الإنسان الذي لا عصمة له من الأخطاء والرزايا واتسع انتشاره في كل المجتمعات.

وسجلنا تاريخ البشرية منذ الازل مظاهر عديدة للفساد ثم تطور الى مفاهيم متعددة وصولا الى الفساد المؤسسي والمشرع الذي يدفع الفاسد فردا أو مؤسسة   الى لي عنق الحقيقة، وتوظيف كل الامكانيات للفوز بما يريد ويخطط له دون ان يُحاسب ويضمن الافلات من العقاب ادبيا او ماديا.

وخلال العقود القليلة الفائتة تغول الفساد والفاسدون على  النظم السياسية ومقدرات  وثروات المجتمعات وصولا الى قوت الشعب، وأصبح يغطي مجموعة واسعة من  الممارسات السياسية والاقتصادية والادارية والمالية المشبوهة والمريبة فالفساد سواء كان مالياً أو إداريا  كليهما يتشابك ويتداخل ولا فرق بينهما فكلاهما فساد اسبابه عديدة منها الخلل وسوء وضعف  الادارة وتدني المنظومة القيمية وغريزة الاستحواذ والرغبة في الثراء الفاحش والسيطرة الباطلة وضعف الارادة في كبح جماح النفس امام مغريات الحياة  او نوازع تعويضية لقهر مكبوت في الشخصية ينتج عنها  جميعاً فساد يستشري في كافة مؤسسات المجتمع ومجالات الحياة .

حتى أصبح وباءً يهدد الوجود الإنساني السليم والنزيه وخطراً على استقرار حياة الأفراد وسلامتهم وأمنهم ومستقبلهم، وإذ أن لكل وباء لا بد من أساليب ووسائل وقاية ومعالجة  .

مما دفع المجتمعات الى تسخير كافة الجهود لمحاربته والوقاية منه بوسائل ذاتية تتمثل بتحديد حقيقة الفساد ودلالاته بنوايا صادقة ومقاصد شفافة من خلال تعزيز ونشر قيم ومبادئ النزاهة وتحقيق وتعميق الولاء والانتماء بين الفرد والدولة والرجوع إلى القانون لردع ومحاسبة المفسدين وانزال اشد العقوبات  بالفاسدين وحفظ المال العام.

استناداً الى حقائق دامغة وتأكيدات يقينية واضحة وجلية لا تقبل التأويل والتكذيب ومن ثم وضع الحلول الناجعة لمعالجته .

وفي العراق كإحدى الدول التي استشرى فيها الفساد في مناحي الحياة المختلفة لأسباب سياسية واقتصادية واخلاقية وثقافية انعكس تأثيره على كافة النشاطات الانتاجية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعلمية والثقافية وبات كالعصى المعيقة لعجلة ومسيرة النمو والتقدم والعمران الشامل .

 فبات من الضروري تشخيصه بأدلة واثباتات حقيقية دقيقة وتحديد أسبابه ومسبباته وميادين وعمق انتشاره ومديات تشابكه في مؤسسات الدولة والمجتمع كافة .

وهذا يتطلب بالإضافة الى نشر قيم النزاهة والشفافية وتعزيز مبادئ الحرص على المال العام والاخلاص في العمل وتحمل المسؤولية وجود اجهزة رقابية تتمثل فيها السلطات الرسمية المستقلة والوسائل الفعالة المساندة لمكافحته في كافة مجالات انتشاره وتواجده.

ولكن وبسبب الصراعات السياسية والحزبية والكتلوية على تقاسم المناصب والمكاسب وضعف السلطات الحكومية والإدارية، وغياب المحاسبة والعقاب وشيوع لغة تبادل المنافع والتفاهم مع الفاسدين لتقاسم الغنائم ولتحقيق اغراض اخرى  ،استشرى الفساد  واصبح ظاهرة  مرضية خطيرة  والفاسدون يسرحون ويمرحون ويمارسون فسادهم وإفسادهم  تحت سمع وبصر كل المسؤولين. وامام الناس وبطرق شيطانية عديدة ومتنوعة .

وبدلا من تشخيصه وفضح المتلبسين به والمستفيدين منه؛ أخذ يبدو كمنحى لحرب باردة بين الفاسدين فبدأت الاتهامات والتنكيل والتشهير والتخوين وبأساليب ممنهجة مدروسة لتصفية الحسابات وبأدلة واثباتات دامغة يُصَرحْ بها في وسائل الاعلام المرئية والمقروءة والمسموعة باستغلال المناصب وكسب الآراء المؤيدة لفئة معينة ضد فئة اخرى وليس لتخصيص الفساد ومحاربته.

وتقف وراء اسلوب التسقيط اهداف وغايات منها تسقيط لشخصية نزيهة بسبب محاربتها للفساد او لأسباب اخلاقية او دينية او التنافس على منصب أو سلطة او لتحقيق فوز في الانتخابات ،

والتسقيط الخاص بأمن الدولة واستقرارها وسيادتها أخطر أنواع التسقيط . 
وتستخدم الشائعة كوسيلة لتمرير الغرض من التسقيط   وتلعب وسائل الإعلام كجسرا وممرا سهلا لعبور مثل هذه الرسائل التسقيطية خاصة تلك الوسائل التي لا تلتزم الموضوعية ولا تتوخى المهنية والدقة والمسؤولية  ولا تخضع  إلى الرقابة والمعايير الأخلاقية والمهنية.

كل هذه العوامل شجعت على تفاقم الفساد في اروقة النظام السياسي ومؤسسات الدولة العراقية .

وفقدت السيطرة على بوصلة التحكم بمعايير النزاهة والشفافية وغياب الإحساس بالمسؤولية وفقدان الثوابت الاخلاقية والقيمية الايجابية والوطنية والانسانية وانعدام الرغبة الجدية في كشف الفساد والفاسدين ومحاسبتهم والانتقال الى مرحلة التغيير والنهوض وهذا مالا ترتأيه الجهات الاقليمية والدولية التي بسطت نفوذها في العراق وشجعت ودعمت النفوس الوضيعة للعبث في بناه الاقتصادية والاجتماعية والمالية والتربوية والاخلاقية .

فكان لابد من تغيير جذري يتولاه الشعب فتحققت بدايته بالاحتجاجات

وتوجت بالثورة على الفساد في اكتوبر 2019 وطالب المحتجون وثوار التحرير بوطن خال من الفساد و تنقية وتنظيف العراق من الفاسدين واختيار شخصيات نزيهة ومؤهلة للعبور بالعراق الى ضفة التقدم والاستقرار والسلام .

شاهد أيضاً

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

العربية- هدى الحسيني الشرق اليوم– يقول أحد السياسيين المخضرمين في بريطانيا، المعروف بدفاعه عن حقوق …