بقلم: نزار حاتم
الشرق اليوم- منذ انطلاقتها عام 2003، ظلت العملية السياسية العراقية التي أعقبت إطاحة النظام السابق تعاني دورات متعاقبة من المشكلات على أكثر من صعيد رغم التخلص من النظام الشمولي، والانفتاح على ممارسة الفعل الديمقراطي الفتي الذي تمثل بشكل رئيس في إجراء سلسلة من الانتخابات البرلمانية والمحلية، وما أعقبها من حكومات لم تؤكد للعراقيين – عمليا – قدرتها على أخذ العراق إلى مرافئ التنمية المستدامة، وبناء نظام مؤسساتي يسعى إلى ترسيخ دولة المواطنة.
إن تراكم الإخفاقات بتجلياتها المختلفة، لا سيما على صعيد الفساد المالي والإداري، ترك آثارا عميقة في نفوس المجتمع العراقي، خصوصا تفشي البطالة بنحو لم يدعه يعلق كثيرا من الآمال على إنتاج الحكومات التي تولد قيصريا، لتنتشله من واقع بات يترنح على شفرة المحاصصات الإثنية بين القوى السياسية، رغم خطابها المعلن برفض هذا المنحى الأناني الذي لا يشي بالرغبة في تغليب المصلحة الوطنية.
في هذا المناخ الملتبس، وعقب فشل المرشحين محمد توفيق علاوي، وعدنان الزرفي، في الوصول إلى رأس الهرم الحكومي، تم التوافق عقب مباحثات ماراثونية بين القوى السياسية على الإتيان بالسيد مصطفى الكاظمي، ليكون في مواجهة تحديات كبيرة، يصعب على المتابع التنبؤ بإمكان اجتيازها خلال عامين.
الزوايا الحادة التي يتعين عليه تدويرها تتمثل في الأزمة الاقتصادية في ظل انخفاض أسعار النفط، التي إذا ما تفاقمت ستجعل الكاظمي في مواجهة غضب شعبي لا تنفع معه التبريرات الحكومية.
إلى جانب ذلك، يمثل حصر السلاح بيد الدولة عقبة كؤودا ما دام أصحاب السلاح نافذين في مفاصل الدولة واقتصادياتها، فضلا عن جمهورها الذي يقف إلى جانبها في السراء والضراء.
الكاظمي، ومن خلال مقال نشره عشية تسلمه مقاليد رئاسة الوزارة، بدت واضحة عليه المخاوف من احتمالات الإخفاق في إنجاز برنامجه الحكومي من خلال دعوته القوى السياسية إلى التعاون معه، مشيرا إلى أن انعدام هذا التعاون له تداعيات خطرة على صعيد النجاح، وهو كلام صحيح بالفعل، لأن أي محاولة لوضع العصي في دواليب حكومته يعني فشلها المطلق، لا سيما أن زمنها ضاغط ومحصور بعامين لا يسمح كثيراً بالمعالجات العميقة.
حتى اللحظة لم تكتمل كابينته، الوزارة الناقصة سبع وزارات من بينها مهمة، فيما يمثل هذا النقصان مؤشرا واضحا على تمسك الكتل السياسية بحصصها، وعدم استعدادها لترك الكاظمي وشأنه في اختيار الوزراء، ناهيك عن أن وزراءه الحاليين رغم كونهم مستقلين، لكن اختيارهم كان خاضعا للقوى السياسية التي رشحتهم للكاظمي.
وبالتأكيد، وجود سبع وزارات شاغرة حتى تحرير هذا المقال، يعكس بجلاء عدم تقلص هامش مناورة الرجل في اختيار من يشاء ليقدمهم للبرلمان، ومحاولة حصر دوره في ظل هذا التعاطي بالمباحثات مع زعماء القوى السياسية، لتقديم مرشحين ترتضيهم كتلهم ويرتضيهم هو شخصيا في لعبة تشبه إلى حد بعيد لعبة «شد الحبل»، التي لا يمكن معها الذهاب بعيدا في التفاؤل برسم صورة أقل قتامة للمشهد السياسي العراقي الراهن.
وأزعم أن الكاظمي لو حقق انتخابات برلمانية نزيهة وآمنة خلال فترة حكمه، يكون قد وضع قدمه على طريق النجاح، ليترك لمن يخلفه معركة تنفيذ الأجندة المطلوبة ذات الصلة بالبرنامج الحكومي، وهي مهمة لا يمكن تحقيقها بزمن قياسي، كما يزعم المتفائلون.