بقلم: نوفل آل صياح الحمداني
الشرق اليوم- مارس الإنسان، الانتخابات بشكلها المحدود في بدايات العصر الإغريقي حيث لم يكن للحقوق المدنية والسياسية دور بارز في الحياة المدنية؛ فكانت الانتخابات محصورة في عدد قليل من السكان، أما الاخرين فهم عبيد ليس لهم حقوق.
أما في العصور الوسطى ومنذ أن انهارت الإمبراطورية الرومانية تقلصت فكرة السلطة العامة في اوروبا وانتشر نظام الإقطاع والطبقية فكانت الحياة الفردية جزء لا يتجزأ من الجماعة التي ينتظم فيها الفرد، إذ تتولى حمايته ويتمتع بحقوقه عن طريق الجماعة ولكنه لا يساهم في ممارسة السلطة العامة لان سيطرة الحاكم تحول دون ذلك .
وفي القرن الثامن عشر تم الربط بين الديمقراطية والتمثيل الانتخابي بظهور نظريات السيادة الشعبية عن طريق الانتخاب الذي كان يمارسه الشعب لاختيار من يثق بهم .
اما في القرن التاسع عشر فقد شهد نضالا في سبيل الديمقراطية والمطالبة بتوسيع الانتخابات للوصول الى الاقتراع العام فاصبح هناك تلازم بين الديمقراطية وحق التصويت وسائر الحقوق الفردية إلى أن أصبحت الانتخابات الأداة الأساسية للحفاظ على انتقاء الحكام وتوليهم الحكم بطريقة شرعية .
ويعرف الانتخاب بأنه اختيار شخص من بين عدد من المرشحين ليكون نائباً يُمثل الجماعة الـتي ينتمـي إليها، وكثيراً مـا يطلـق علـى الانتخـاب اسـم (اقـتراع) أي الاقـتراع علـى اسـم معـين، ويعـد الانتخـاب حقـاً عامـاً للمـواطنين ولا يحق لأي سلطة مـن السـلطات أن تحـرم المـواطن مـن ممارسـة هذا الحق مـا دام مسـتوفياً شـروط العمر والسلامة العقلية واعتبارات الشرف والنزاهة والمصداقية وغير متهم بجنحة او جناية فضـلاً عـن شـرط الجنسـية .
اما في العصر الحاضر فتعد الانتخابات اكثر العناصر تحدياً وحساسية وكوسيلة للتغيير سواء للنظم القائمة او لعملية الانتقال الديمقراطي لاسيما بمدى احترامها لحقوق الانسان والحريات العامة وخصوصاً الحقوق والحريات السياسية المعرفة بالشرعية الدولية وبإطارها القانوني انطلاقاً من المادة (٢١) للإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في عام (١٩٤٨)التي تنص على ان ارادة الشعب هي اساس سلطة الحاكم ويتوجب ان تتجلى هذه الارادة من خلال انتخابات نزيهة ودورية وتؤهل الشعب للمشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلدانهم والتي بدورها تعتبر حقاً أساسياً من حقوق الإنسان .
ويعتبر حق الانتخاب في الدول الديمقراطية من أهم الممارسات السياسية، فهو وسيلة لنقل السلطة بطريقة سلمية من شخص إلى آخر، أو مجموعة إلى أُخرى، وأحياناً قد تُجرى انتخابات شكلية تفتقد لجوهر الانتخاب الفعلي وذلك عندما لا يُعطى الناخبين حرية الاختيار بين بديلين على أقل تقدير، ولكن في معظم الدول تُجرى انتخابات حقيقية رسمية، وفي العديد من هذه الدول لا تكون الانتخابات تنافسية مما قد يجعل العملية الانتخابية سهلة الاختراق، أو قد يُحرم بعض الأطراف من المشاركة بها .
وتختلف إجراءات ونظم الانتخابات من بلدٍ لآخر، إلا أن هناك أسساً معينة يجري العمل بها في كثير من البلدان، ونظرا لأهمية ظاهرة الانتخابات لإرساء قواعد الديمقراطية في المجتمع
فقد وجدت العديد من الأنظمة الانتخابية بسبب تعدد الغايات والطرق، ولكل نظام انتخابي محاسنه ومساوئه لذا لا يوجد نظام انتخابي أمثل.
ومن نظم الانتخابات (الاستفتاء – الانتخاب الفردي – نظام الكلية الانتخابية – نظام التمثيل النسبي – نظام الأكثرية – نظام الأغلبية)
وللعملية الانتخابية اهمية كبيرة اذ تعد الركيزة الرئيسية للديمقراطية، وتكمن أهميتها في ما يلي:-
- السماح للفئات المختلفة من الشعب بالمشاركة في الحكم مما يساعد هذا على إدارة النزاعات حيث إنّ تناوب السلطة يجعل المعارضين السابقين أكثر ثقة، مما يشجع على استقرار البلاد.
- إعطاء الشرعية للحكومة: حيث إنّ المسؤولين يتم اختيارهم من قبل الشعب وبقناعة تامة
- السماح بتناوب الائتلافات الحاكمة: مما يدعم ظاهرياً ظهور أفكار جديدة في المناقشات السياسية وشؤون الحكم.
كما حددت للانتخابات معايير نزاهة تمثلت بما يأتي:
- حق الاقتراع العام اي يحق للمواطنين البالغين المسجلين في الاقتراع في الانتخابات دون تمييز عرقي او ديني او مذهبي او قومي
- ان يكون القانون الانتخابي عادل وفعال يتيح لكل الاطراف الوقوف على الكيفية التي يتم من خلالها ادارة الانتخابات والاعلان عن النتائج
- تسجيل الناخبين بشفافية وحياد في سجلات انتخابية.
- الحياد السياسي للقائمين على ادارة الانتخابات في جميع مراحلها.
- دورية الانتخابات اي تطبيق القواعد والاجراءات الانتخابية بشكل دوري ومنتظم وغير متحيز لفئة او جماعة معينة وهي اهم سمات الديمقراطية في تقلد المناصب السياسية وفق فترات زمنية محددة.
وإذ تُعد الانتخابات قاعدة النمط الديمقراطي ومن اهم وسائل المشاركة في الحياة السياسية وتأصيل شرعية النظم السياسية الديمقراطية وسلامة الديمقراطية ونجاحها يتوقفان على سلامة ونجاح العملية الانتخابية ونزاهتها ومصداقيتها.
والعراق الذي يعد من الدول المتبينة لمسودة حقوق الانسان للأمم المتحدة اين هو الان من هذه الحقوق والحريات التي منحت للشعب في ممارسة دوره الانتخابي بحرية وحماية هذا الحق بعيداً عن الانتهاك او التعنيف او التلاعب.
وفي الوقت الذي يتهيأ العراق لإجراء انتخابات مبكرة فهل البرلمان العراقي الحالي مهيأ سياسياً ولوجستياً لهذه الانتخابات؟ بعيداً عن الاختراقات الاقليمية والدولية والحزبية والكتلوية والمناطقية وهل لديه الامكانية من الالتزام بقواعد واجراءات الانتخابات التي مر ذكرها واتضحت اهميتها ومعايير نزاهتها ومصداقيتها لكي يتم اختيار نظام سياسي وفق الشرعية الانتخابية السليمة والتي تجسد المعنى والسلوك الحقيقي النزيه للديمقراطية في التداول السلمي للسلطة .؟
وهل ان رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي يستطيع عبور الخط الاحمر للدخلاء والمخترقين لسيادة العراق وقراراته السياسية ولديه القدرة للإيفاء بوعوده للشعب وثوار اكتوبر المنتفضين بإجراء الانتخابات المبكرة النزيهة لاختيار من يمثل العراقيين في البرلمان تمثيلا صادقاً واميناً وحقيقياً؟