بقلم: د. جواد الهنداوي
الشرق اليوم- ما هو قانون قيصر؟ هو قانون أمريكي، حظي بتصويت الأغلبية في مجلس النواب، بتاريخ 15/ نوفمبر / 2016، وصادق عليه مجلس الشيوخ الأمريكي، وبالأغلبية بتاريخ 2019/12/17، ووقّع عليه الرئيس ترامب بعد بضعة أيام، وسيدخل حيز التنفيذ والتطبيق في شهر حزيران القادم، أي بعد أيام .
هدف القانون هو فرض عقوبات على أشخاص و هيئات و مؤسسات تابعة للجمهورية العربية السورية، وعلى كافة المؤسسات والهئيات و الشخصيات الأجنبية التي تتعامل مع الحكومة السوريّة، وعلى ايران و روسيا وكافة المؤسسات التابعة لهما، والتي تتعامل عسكرياً او اقتصاديا او اجتماعياً مع سوريا. القانون لا يميز، في فرض العقوبات ، بين القطاع الخاص والقطاع الحكومي؛ جميع من يتعامل مع دولة سوريا معّرض للعقوبات .
الأسباب الموجبة لهذا القانون الامريكي هو، كما تدعّي الإدارة الأمريكية، حماية الشعب السوري ومصالحه و حقوقه . استندَ القانون على معلومات و وبيانات و احصائيات و صور عن تعرّض ألاف السوريين الى السجن والتعذيب والاضطهاد والقتل على يد قوات الامن السورية، قدّمها عسكري سوري معارض و منشق.
علينا إذاً ان نقّدر درجة الثقة و المصداقية التي يتمتع بها هذا العسكري السوري المنشق، مصدر هذه المعلومات والبيانات، لدى الإدارة الأمريكية، والتي اتخذت من معلوماته الشخصية اساساً لتشريع قانون أمريكي!
ولنا الحق أنْ نتساءل … أَبهذهِ السهولة و البساطة في الإجراءات، و الثقة و المصداقية بمعلومات، مصدرها اجنبي وليس أمريكي ، يتم سّنْ او تشريع القوانين الامريكية ؟ أمْ ان الامر دال على ” طبخة سياسية ” تتعلق بحصار دولة ” سوريا ” ، و يهون ، من اجل الهدف المرسوم ،كل شيء !
حاولت، أمريكا، في البداية ، فرض معاقبة سوريا و حصارها ، من خلال قرار مُلزمْ و صادر من مجلس الامن ،ولكنها اصطدمت بالفيتو الروسي و الصيني ؛ فاستنجدت بقانون أمريكي و وسعّت من مساحة العقوبات ،فلمْ تعدْ تستهدف فقط سوريا وانما روسيا و ايران وكل دولة او جهة خاصة تتعامل مع سوريا .
سيناريو قانون قيصر، والذي شرّعه الامريكان بالاعتماد على معلومات، قُدّمتْ من عسكري سوري منشق، يذّكرنا ” بكذبة ” اسلحة الدمار الشامل في ملف العراق ،والتي اعتمدها الامريكان حجّة و ذريعة لاحتلال العراق .
القانون يُسمّي سوريا وإيران وروسيا كمستهدفين أساسيين بالحصار وبالعقوبات، ولكنه يستهدف الدول العربية جميعها ، والتي تتعامل او سوف تتعامل
مع سوريا؛ يتعامل ويتفاعل العراق مع سوريا اقتصادياً وأمنياً في محاربة الإرهاب. هل سيتعرض الى العقوبات بموجب قانون قيصر، وهو (وأقصد العراق) مقبل على مفاوضات في شهر حزيران، مع الامريكان لإبرام اتفاق استراتيجي جديد؟. لبنان، البلد المحاصر اصلاً بإجراءات امريكية نقدية صارمة، وهو امتداد جغرافي واجتماعي و اقتصادي لسوريا، وتحسّن اقتصاده يمرّ عبر الانفتاح الحدودي والتعاون الاقتصادي مع سوريا، هل يحظى بإعفاء من تطبيق قانون قيصر؟ لا اتوقّع . دولة الامارات العربية المتحدة، والتي بدأت بانفتاح دبلوماسي واقتصادي متواضع مع سوريا ،هل ستشمل بعقوبات قيصر اذا لم تتوقف في انفتاحها تجاه سوريا ؟ ستجدُ المملكة العربية السعودية أنَّ من مصلحتها الاستراتيجية الانفتاح والتفاهم مع سوريا لوقف الزحف التركي على المنطقة، قانون قيصر سيحول دون تفكير المملكة بذلك!
القانون إذاً يستهدف امن واستقرار وتطور وتنمية العرب والمنطقة، يسعى الى اضعافهما وتدميرهما لمصلحة إسرائيل.
عنوان قانون قيصر حماية مصالح وحقوق الشعب السوري! ولكن، وفقاً للقانون، إنهاء الاحتلال التركي للأراضي السورية ليس من مصلحة الشعب السوري! ومحاربة الإرهاب في ادلب ليس من مصلحة الشعب السوري! وإيقاف سرقة النفط من شرق سوريا و من قبل فصائل امريكية مسلحّة ليس من مصلحة الشعب السوري! و طرد الامريكيين من الأراضي السورية ليس من مصلحة الشعب السوري!
لمْ يكْ توقيت إرسال ايران لناقلات النفط الى فنزويلا دون علاقة بقرب تطبيق قانون قيصر .ايران استبقت تداعيات تطبيق القانون عليها وعلى روسيا وعلى سوريا !
رسالة ايران واضحة و مفادها؛ أنَّ القانون الأمريكي القادم لم و لن يحول دون إرادة و قدرة ايران بإفشال القانون قبل تطبيقه ، وأنَّ ايران ماضية في تخطي و تجاوز إجراءات الحصار والعقوبات المفروضة والتي ستفرض على سوريا و فنزويلا وربما اليمن قريباً !
ايران تعني، في رسالتها ، روسيا ايضاً ، والتي تنتظر عقوبات قانون قيصر ! مفاد رسالة إيران إلى روسيا هو تحفيز روسيا الى كسر قواعد الحصار الامريكي الذي يُفرضْ هنا وهناك. إيران، دولة إقليمية كبرى، ستكون بعملها تجاه فنزويلا و عملها تجاه سوريا، نموذج لروسيا ،دولة عظمى وعضواً في مجلس الامن .
ايران ماضية، أكثر من اي وقت، في استراتيجية التحدي و التصدي . تستبق الاسوأ القادم من امريكا و تتصدى له دون أنْ تنتظره، ولن يبقْ لديها ما تخسره مع امريكا ، وتغتنم حراجة الموقف الذي يعيشه الرئيس ترامب ؛ وباء كورونا ،مشاكل اقتصادية ،انتخابات قادمة ،الرئيس ترامب وإداراته اليوم هم اكثر من حال ” بطّة عرجاء “