الرئيسية / الرئيسية / حقوق العراقيين بين التشريع والترويع

حقوق العراقيين بين التشريع والترويع

بقلم: نوفل آل صياح الحمداني

الشرق اليوم- نصت الشرائع والأديان السماوية على حرمة النفس البشرية، وضرورة أن يعيش الإنسان هذه الحياة كآدمي يتمتع بكامل حقوقه وحرياته باعتباره مخلوق حر وعاقل ومميز.

إن حقوق اﻻنسان متأصلة في جميع البشر وهي تمثل تراكم من العقائد والاتجاهات واﻻديان عبر التاريخ؛ لتجسد قيم انسانية عليا تتناول اﻻنسان اينما وجد دون اي تمييز جنسي او عرقي او ديني او اجتماعي او قومي.. الخ..
هذه الحقوق مترابطة ومتآزرة وغير قابلة للتجزئة او التهميش.

ويحدد القانون الدوليّ لحقوق الإنسان التزامات على الحكومات؛ تهدف إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان، والحريّات الأساسيّة للأفراد والجماعات.

وأقر القانون الدولي بأن لجميع أفراد الأسرة (البشرية) الحق في التمتع بهذه الحقوق والحريات لكي يستطيع الانسان أن يشعر بالامن والامان ويصبح قادراً على اتخاذ القرارات التي تنظم حياته.

إن الاعتراف بقيمة الانسان وكرامته المتأصلة لدى الأسرة البشرية وبحقوقها المتساوية الثابتة يعتبر ركيزة أساسية للحرية والعدالة وتحقيق السلام في العالم.

كذلك ركزت مسودة حقوق الانسان للامم المتحدة منذ اعلانها 1948 على تصنيف مجموعة متكاملة من الحقوق والحريات، وعُدت هذه المسودة واحدة من الانجازات العظيمة للأمم المتحدة فهي مدونة شاملة ومحمية جداً، وقد تمت صياغتها على اسس ومعايير انسانية واخلاقية واضحة وصريحة؛ ﻻنها تمس الانسان، لذا بات من الضروري صيانتها وضمانها وحمايتها، وﻻيجوز المساس بها ولا ينبغي انتزاعها منه اﻻ نتيجة اجراءات قانونية موجبة وحكيمة.

وإن أي ازدراء واغفال او انتهاك او تغاضى عن هذه الحقوق والحريات سيؤدي الى كوارث ضد اﻻنسانية واعماﻻً همجية تؤذي وتخلف جروحاً عميقة في الضمير الإنساني.

وفي ضوء هذه المسودة الاممية انيطت للدول صلاحيات تنفيذها وان تتحمل كامل مسؤولياتها لحمايتها وضمانها ولجميع الافراد اينما وجدوا وفق نظام قانوني شامل ومتكامل تنطلق منه هذه الحقوق والحريات وهو مايعرف بالدستور ورغم اختلاف الدول في دساتيرها تبعاً لتاريخها وثقافتها ودياناتها وقومياتها اﻻ انها جميعاً تتعامل مع الانسان المواطن وحقوقه لتسهيل تحركاته في المجتمع وتوفير مقومات الحياة اللائقة به كآدمي.

وفي دولة العراق تَضمن دستورها الذي تمت صياغته عام 2005 بعد الاحتلال على حزمة من المواد بلغت ( 144) مادة وقد افرد الباب الثاني من الدستور لمجموعة من المواد توزعت بين (14-46) مادة خاصة بحقوق وحريات المواطن العراقي.

والعراق كأي دولة خاضعة للقوانين الدولية والمعاهدات الانسانية الخاصة بحقوق الإنسان وعليها الالتزام الفاعل بما اوصت به المنظمة الدولية لحقوق الإنسان والتي تؤكد ان هذه الحقوق هي حقوق أصيلة في طبيعة الإنسان وبدونها لا يستطيع العيش كإنسان و لا بدّ ان تعمل على ضمانها وحمايتها وكذلك ما جاء بتوصيات الامم المتحدة وفق الصلاحيات الخاصة بها في تعاملها مع الشعب العراقي.

وقد تشعبت هذه الحقوق منها السياسية والاقتصادية والانسانية التي تتمثل في حق المساواة امام القانون وحق التعليم وحق الحياة الامنة وحق الحرية والامن الشخصي وحق التحرر من العبودية وحرية المعتقد والدين وحرية الرأي والمعلومات وحق المشاركة في الحياة الثقافية وحق التمتع بمستوى معيشي ﻻئق وحق العمل المرغوب وحق التجمع السلمي والتعبير عن الرأي وحق التظاهر السلمي والحماية من الاعتقال التعسفي والنفي.
ولكن ما آل اليه الواقع العراقي من فوضى واضطرابات وصراعات سياسية في ظل الاحتلال وتسلط الفئويين والطائفيين والوﻻئيين انعكست ظلاله على حياة وأمن واستقرار المواطن العراقي وحقوقه الشرعية، فانتهكت جميع حقوقه وحرياته وبدرجات متفاوتة ليس فقط انتهاك نصوص الدستور العراقي، بل كذلك القانون الدولي ومسودة حقوق اﻻنسان للامم المتحدة.

فالمواطن العراقي غُيب حقه في المساواة امام القانون، وفي التعليم، وفرص العمل؛ فتفاقم الجهل والبطالة واتسعت شريحة العاطلين عن العمل من حملة الشهادات خاصة، كما انتزع حقه في الحياة الامنة والترفيه والسكن عندما هجر وشرد من منزله بالغصب والقوة وهدمت مساكن المواطنين، ومنهم من لازالوا تحت الركام خاصة في المدن والمناطق المتنازع عليها والتي شهدت الدمار الشامل والكامل، وغيب حقه في ثروات وطنه وفق العدالة في التوزيع فاصبحت نسبة كبيرة من الشعب العراقي تحت خط الفقر والعوز ومنهم من يبحث عن لقمة العيش في حاويات النفايات اضافة الى زيادة نسبة التسول في جميع مدن العراق.

كل هذه اﻻنتهاكات والتغاضي ﻻ تشكل خرقاً اجرامياً خطراً اذا ما قورنت بانتهاك حقوقه وحرياته في التجمع وابداء الراي والتظاهر السلمي اذ شكلت الانتهاكات الظالمة لهذه الحقوق ناقوس خطر يدق في سماء اﻻنسانية بعد تعرض العراقيين للقتل والاعتقاﻻت والتغييب والاختطاف واستخدام ابشع اساليب القمع والتعذيب للمعتقلين اﻻبرياء الذين اعتقلوا بحجج واهية من قبل زبانية المجرمين ودون وجه حق فامتلأت السجون بالشباب وبتهم باطلة وتحت اﻻعترافات القسرية بالتهديد، وعندما تفاقم ظلم الحكومات المتعاقبة على العراق وانتهاكها لحقوق شعبه الدستورية شهد العراق تظاهرات وانتفاضات عارمة احتجاجاً على هذا الظلم واغتصاب الحقوق المشروعة وتوجت هذه التظاهرات بانتفاضة تشرين 2019 التي قادها نخبة من الشباب الواعي المسالم مطالباً بوطن آمن واسترداد حقوقه القانونية في الحياة، فكان رد السلطات الحاكمة مزيداً من اﻻنتهاكات وباقسى الوسائل واﻻساليب وصلت الى درجة القتل المتعمد، وإطلاق النار والهجمات بالسكاكين، والتهديد والترهيب والخطف، والاستخدام المفرط وغير القانوني للقوة وللاسلحة المحرمة دولياً ضد المتظاهرين العزل والنشطاء وملاحقة من يدعمهم ويساندهم ماديا ولوجسيتيا ومعنويا حتى مقار سكناهم.

وقد تابع هذه الانتهاكات لحقوق الانسان العراقي مكتب حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، واستعرض تقرير أممي جديد حول اختطاف المتظاهرين في العراق منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي محنتهم بالتفصيل، موضحاً العذابات التي مروا بها خلال اختطافهم واستجوابهم وتعرضهم لأعمال التعذيب.

وأشار التقرير الرابع للامم المتحدة في 2020/5/26 أن “غياب المساءلة عن هذه الأفعال الاجرامية لا يزال يسهم في تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب فيما يتعلق بتقارير المظاهرات المتعلقة بالانتهاكات والتجاوزات”.
كما اشار التقرير أن عمليات الاختطاف والاختفاء وقعت ضمن العديد من الحوادث التي تنطوي على انتهاكات وإساءات إضافية ومنها اختفاء 123 شخصا في الفترة ما بين 1 تشرين الأول/أكتوبر 2019 و21 آذار/مارس 2020.

وتم العثور على 98 شخصا منهم، فيما لا يزال 25 آخرون في عداد المفقودين.
واشارت ميشيل باشيليت مفوضة حقوق الانسان إن الشهادات التي أدلى بها عدد من النشطاء الذين تم اختطافهم واستجوابهم وتعذيبهم مقلقة للغاية ” اذ لا ينبغي أن يتعرض أحد على الإطلاق لهذه المعاملة القاسية والمهينة “.

ودعت المفوضة السلطات العراقية إلى “إجراء تحقيق سريع وشامل في هذه الأعمال والعثور على المسؤولين ومحاكمتهم”.

واشارت إلى “تورط عناصر مسلحة ذات مستويات عالية من التنظيم والموارد”في هذه الانتهاكات لحقوق المواطن العراقي.

لذا على الحكومة العراقية الوفاء بالتزاماتها بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الانسانية واتفاقية مناهضة التعذيب والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري،وبذل اقصى الجهود لتحديد أماكن تواجد جميع العراقيين الابرياء المغيبين والمختفين منذ الاحتلال وكذلك المتظاهرين والناشطين السلميين الذين لا يزالون مفقودين.

وتعرب مفوضية حقوق الإنسان عن “مخاوف جدية” إزاء عجز الحكومة العراقية عن حماية حقوق العراقيين المشروعة وفشلها وضعفها في ادانة المسؤولين عن هذه الانتهاكات الانسانية وضرورة تقديم المجرمين للمحاكمة العادلة.

فرغم التشريعات الدولية، وتشريعات الدستور العراقي لحقوق الإنسان، إلا أن الترويع من قبل المجاميع المسلحة وسكوت الطبقة السياسية الفاسدة قد زاد في عملية الترويع، وأدى بالتشريع إلى أن يموت ليحل محله قانون الغاب.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …